aren

ذاكرة للميثاقية \\ كتابة : جهاد الزين
الإثنين - 26 - أكتوبر - 2020

انطلت على المجتمع السياسي اللبناني حيلة “إما أنا أو لا ميثاقية” ، التي هي معادل لحيلة “إما الحزب الطائفي أو لاميثاقية”.

لنبدأ بالثنائي الشيعي الذي يريد أن يبقى في السلطة “إلى الأبد”، أي في الحكومة، وهو يفعل ذلك بشكل مستمر. الذرائع كثيرة. إحدى آخر أهمها توسيع نطاق ذريعة “حماية المقاومة” وهي ذريعة تنتمي جوهرياً إلى “مدرسة” إسرائيلية.

فإسرائيل سمحت لنفسها بضرب العراق وتونس بحجة حماية أمن إسرائيل. صار أي مكان في العالم، وخصوصا الشرق الأوسط، هدفا ل”حماية” الأمن الإسرائيلي.انزلق الثنائي الشيعي إلى مفهوم داخلي مماثل جوهريا بحيث صار أي اتجاه للابتعاد بالسلطة عنه هو تهديد لأمن المقاومة… حتى وصلت الذريعة إلى المطالبة الدائمة بوزارة المالية.. ولا نعرف ما الذي ستتفتّق عنه هذه “التوسعية” مستقبلاً.

الآن قفز مفهوم حماية أمن المقاومة قفزة “سحرية” ضد أيديولوجيا المقاومة نفسها وهي قفزة التفاوض المباشر مع إسرائيل. ويجب الاعتراف أن هذه القفزة توسّلت لحظة انهيار في الاقتصاد اللبناني، لتبدو، وهي كذلك، ملبِّيةً لمصلحة لبنانية في الإسراع باستثمار الغاز والحصول على عائدات مالية، وكذلك لتخطو بموافقة وتوقيت إيرانيين، خطوة تلاقٍ مع التغيرات الإقليمية الضخمة في العلاقات الخليجية الإسرائيلية لتقديم إيحاءات سلام إيرانية مع إسرائيل على أساس ما يسمّيه فردريك هوف الوسيط الأميركي السابق عام 2012 بين لبنان وإسرائيل على حدود الخط البحري والذي “أسّس” لاقتراح قسمة 55/45 الغازيّة في مقال كتبه مؤخرا.. ما يسمّيه بادرة “حسن نوايا” الأفضل لكلا الطرفَين قبولها.

“القوات اللبنانية” ذات المشروع الأضيق، حدُّه الأول هو أولوية الصراع ضد “التيار العوني” على “الساحة” المسيحية وحدُّه الثاني هو الاحتفاظ بالتمويل الكبير الآتي من المملكة العربية السعودية مع علاقات دائمة وغير صعبة مع الأجهزة الأميركية… ضمن الصراع الأميركي الإيراني. القوات” أجرت تعديلات على خطابها الميثاقي منذ اعتقدت أنها تستطيع أن تتفاعل مع ثورة 17 تشرين بما يجعلها مختلفة عن “كِلُّن يعني كِلُّن”.

وهذا خط “تطهّري” دفاعي سيكون سقفه الأعلى استثمار الرهان على ضعف “التيار الوطني الحر” و تراجع رصيد عهد الرئيس ميشال عون في أي انتخابات آتية. كل حزب طائفي أساسي آخر سني أودرزي أو ماروني أو أرمني يعتبر تجاهلَه تجاهلاً للميثاقية.

مع أن المفهوم الحقيقي وغير الابتزازي للميثاقية هو أن لا تأتي أي حكومة لاتضم أسماء من كل المكوِّنات الطائفية الأساسية في المجتمع. أي أن التمثيل الميثاقي يحصل بوجود وزراء من كل الطوائف وليس بالضرورة من كل الأحزاب.

هذا منطق دفنه الميليشياويون بعد الحرب. بتشجيع من الرئيس حافظ الأسد وُلدت واستمرت طويلاً فكرة الحكومة الثلاثينية التي كرست بالتجربة العملية عدم إمكان أو صعوبة حكم البلد من داخله. وبهذا المعنى لا زال الراحل الرئيس حافظ الأسد “يحكم” البلد عبر الثلث المعطِّل الذي طبّقته الحكومات الموسعة (والصالح للتطبيق في أي حكومة مهما كان عدد وزرائها).

مفارقات كثيرة تدفع إلى استعادة الحديث اللبناني عن الرئيس حافظ الأسد. فالدستور اللبناني الجديد أو المعدّل، أصبح دستوراً لدولة غير قابلة للحكم من داخلها وحصل ذلك في سياق مشروعه القومي الذي كان يرمي إلى السيطرة على لبنان عبر ما سمّيتُهُ ذات يوم إدارة نظامين مختلفين للحكم في سوريا ولبنان من قِبَلِ مرجعية واحدة في دمشق (راجع نص المادة 65 من الدستور اللبناني في نهاية المقال).

لكن دقة العقل السياسي لهذا الرئيس السوري الاستثنائي جعلته يحقِّق ذلك عبر تقوية موقع رئيس الوزراء السني في لبنان وليس فقط إضعاف موقع رئيس الجمهورية اللبناني. فيكون بذلك هذا الرئيس الداهية المأخوذ عليه انتزاعه للسلطة من السُنّة في سوريا هو الذي قام بتعزيز غير مسبوق لموقع رئيس الوزراء السني في لبنان.

تعزيز لا زال يسيل أمامه لعابُ دهاقنة الثنائي الشيعي الطامح والباحث عن أي مَنْفذ لمعادلة ولو جزء من سلطة موقع رئاسة الوزراء السني. هذه حقيقة، دعم حافظ الأسد لصلاحيات رئيس الحكومة السني في لبنان ، لا تزال تقف أمامها حائرة معادلات التبسيط الطائفي في تحليل النظام السوري ويلجأ التبسيطيّون إلى أحكام متسرعة تهمل على الأقل قوة التعدد الطائفي في تركيبة نخبة الحزب الحاكم في سوريا.

 أسمح لنفسي هنا، وقد استأذنت قبل سنوات قليلة صاحبَ المعلومة التي سأوردها بأنني ذات يوم قد أنشرها، أن أنقل عن النائب الصديق علي عسيران روايته لي أن الرئيس كميل شمعون خلال عهده، وكان والد الأستاذ علي المرحوم عادل عسيران رئيساً لمجلس النواب، فاتح الرئيسَ عسيران بفكرة تعيين شيعي رئيساً للحكومة، فاستنكر عادل عسيران ذلك وقال له أن هذا سيؤدي إلى حرب ونصحه بالتخلي عن الفكرة من أساسها.

(ربما كان شمعون يناور في لحظة تفاقمت فيها الخلافات بينه وبين معظم الزعماء السُنّة مع أن الزعامتين الشيعيتين الكبيرتين يومها، الرئيسين أحمد الأسعد وصبري حمادة ستنتهيان بالانضمام للمعارضة عام1957). المادة 65 التي لا يزال الرئيس حافظ الأسد “يحكم” لبنان بها :تناط السلطة الاجرائية بمجلس الوزراء.وهو السلطة التي تخضع لها القوات المسلحة, ومن الصلاحيات التي يمارسها:

1 – وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات ووضع مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية واتخاذ القرارات اللازمة لتطبيقها.

2 – السهر على تنفيذ القوانين والانظمة والاشراف على اعمال كل اجهزة الدولة من ادارات ومؤسسات مدنية وعسكرية وامنية بلا استثناء.

3 – تعيين موظفي الدولة وصرفهم وقبول استقالتهم وفق القانون.

4 – حل مجلس النواب بطلب من رئيس الجمهورية اذا امتنع مجلس النواب, لغير اسباب قاهرة, عن الاجتماع طوال عقد عادي او طوال عقدين استثنائيين متواليين لا تقل مدة كل منهما عن الشهر او في حال رده الموازنة برمتها بقصد شل يد الحكومة عن العمل.ولا تجوز ممارسة هذا الحق مرة ثانية للاسباب نفسها التي دعت الى حل المجلس في المرة الاولى.

5 – يجتمع مجلس الوزراء دوريا في مقر خاص ويترأس رئيس الجمهورية جلساته عندما يحضر.ويكون النصاب القانوني لانعقاده اكثرية ثلثي اعضائه, ويتخذ قراراته توافقيا.

 فاذا تعذر ذلك فبالتصويت , ويتخذ قراراته بأكثرية الحضور.اما المواضيع الاساسية فانها تحتاج الى موافقة ثلثي عدد اعضاء الحكومة المحدد في مرسوم تشكيلها.ويعتبر مواضيع اساسية ما يأتي:تعديل الدستور, اعلان حالة الطوارىء والغاؤها, الحرب والسلم, التعبئة العامة, الاتفاقات والمعاهدات الدولية, الموازنة العامة للدولة, الخطط الانمائية الشاملة والطويلة المدى, تعيين موظفي الفئة الاولى او ما يعادلها, اعادة النظر في التقسيم الاداري, حل مجلس النواب, قانون الانتخاب, قانون الجنسية, قوانين الاحوال الشخصية, اقالة الوزراء(تاريخ بدء العمل بالمادة 65 : 21/09/1990)

“النهار”اللبنانية