aren

دونالد ترمب ليس فوق القانون \\ كتابة : افتتاحية صحيفة الـ”نيويورك تايمز” الأمريكية
الإثنين - 29 - أغسطس - 2022

التجدد – ترجمة خاصة – مكتب بيروت

يثير مشهد الرئيس الأمريكى السابق (دونالد ترامب) وهو يواجه تحقيقًا جنائيًا أسئلة عميقة حول الديمقراطية الأمريكية، فاعتداء ترامب غير المسبوق على نزاهة ديمقراطية الولايات المتحدة كان يتطلب إجراء تحقيق جنائى، كما أن التفاصيل المزعجة المتعلقة بتصرفاته فى مرحلة ما بعد الانتخابات، والتى جمعتها لجنة الكونجرس المعنية بالتحقيق فى أحداث 6 يناير بدقة، لا تترك مجالًا للشك فى أنه سعى إلى تقويض الدستور وتغيير إرادة الشعب الأمريكى.

وقد حاول الرئيس الأمريكى السابق، الذى هُزم فى انتخابات عام 2020، استخدام سلطات إنفاذ القانون الفيدرالية ومسؤولى الدولة ومسؤولى النظام الانتخابى فى البلاد فى محاولة غاضبة للبقاء فى السلطة، وعندما فشل فى ذلك فقد لجأ لإثارة حشد مسلح اقتحم مبنى الكابيتول وهدد المشرعين.

ويُقال إن وزارة العدل الأمريكية تحقق فى تحركات ترامب، بما فى ذلك دوره فى محاولة إلغاء نتيجة الانتخابات وأخذ وثائق سرية إلى منزله، وفى حال خلص المدعى العام ميريك جارلاند وموظفيه إلى أن هناك أدلة كافية لإثبات إدانته بتهم خطيرة فى المحكمة، فإنه يجب عليهم وضع لائحة اتهام أيضًا.

ولم يسبق أن تمت مقاضاة أى رئيس أمريكى جنائيًا بعد تركه منصبه، فعندما أصدر الرئيس السابق جيرالد فورد عفوًا عن ريتشارد نيكسون، تأكد من عدم محاكمة الأخير على الجرائم التى ارتكبت خلال فضيحة «ووترجيت»، إذ برر فورد هذا القرار من خلال التحذير من أن مثل هذه الملاحقات القضائية تشكل خطرًا جسيمًا لإثارة «العواطف القبيحة» وتفاقم الاستقطاب السياسى فى البلاد.

وقد يؤدى استمرار محاكمة ترامب إلى حشد الدعم له وكذلك دعم نظريات المؤامرة التى كان يسعى إلى تأجيجها، كما أنها يمكن أن تؤجج الانقسام الحزبى المرير فى البلاد وهو ما قد يصل لدرجة حدوث اضطرابات مدنية، فضلًا عن أنه فى حال اعتبرت المحاكمة غير قانونية فإن ذلك يمكن أن يزيد من تقويض الثقة بسيادة القانون الأمريكى، وذلك مهما كانت النتيجة النهائية.

كما أن مخاطر التصعيد السياسى تبدو واضحة، فقد دخل الحزبان الديمقراطى والجمهورى بالفعل فى خضم دائرة انتقام يمكن أن تستمر لأجيال، وهناك خطر كبير فى أنه إذا قامت وزارة العدل بمقاضاة ترامب، فإن الرؤساء المستقبليين، سواء كان ترامب نفسه أو أى شخص من أمثاله، قد يسيئون استخدام هذه السابقة لمعاقبة المنافسين السياسيين، وفى حال حصل الحزب الجمهورى على الأغلبية فى مجلس النواب فى انتخابات التجديد النصفى، فإن بعض الجمهوريين قد هددوا بالفعل بعزل الرئيس الأمريكى جو بايدن.

وهناك تهديد أكثر إلحاحًا بإثارة المزيد من العنف فى البلاد، ومن المؤسف أنه قد يكون على الأمريكيين الاستعداد لذلك.

ومع ذلك، فإن عدم القيام بأى شىء عندما يتطلب الأمر اتخاذ إجراء يمثل مخاطرة أكبر بكثير، فبصرف النظر عن فكرة ترك ترامب يفلت من العقاب، فإن عدم القيام بأى شىء لمحاسبته على أفعاله فى الأشهر التى سبقت أحداث 6 يناير يمكن أن يشكل سابقة لا تقاوم لرؤساء المستقبل، إذ سيسأل كل رئيس أمريكى قادم نفسه: «لماذا لا أحاول البقاء فى السلطة بأى وسيلة ممكنة أو استخدام سلطة منصبى لإثراء نفسى أو معاقبة الأعداء، وذلك بينما لا يتم تطبيق القانون على الرؤساء داخل أو خارج منصبهم؟».

والأهم من ذلك، هو أن الحكومة الديمقراطية هى نموذج يجب تحقيقه باستمرار، فأمريكا ليست مدعومة من قبل مجموعة من المبادئ فحسب، ولكنها مدعومة من قبل الإجراءات الحازمة التى يتم اتخاذها للدفاع عن تلك المبادئ.

وقد مثلت تصرفات ترامب كمسؤول عام اعتداءً على نظام حكومتنا، وذلك بشكل غير مسبوق منذ الحرب الأهلية، حيث استخدم سلطة منصبه لتقويض سيادة القانون، وفى حال ترددنا فى تسمية هذه الأفعال بأنها جرائم، فإننا بذلك سنقول إنه فوق القانون ونمنح رؤساء المستقبل الإذن بفعل ما يريدون.

وتؤكد جلسات استماع لجنة «٦ يناير» أن ترامب كان يعلم أنه كان فى قلب جهود محمومة واحتيال عن قصد أدوا مباشرة إلى واقعة حصار الكابيتول.

وتكشف الشهادات التى أدلى بها مئات الشهود، والذين كان كثير منهم مسؤولين جمهوريين رفيعى المستوى فى إدارته، عن جهود ترامب الحثيثة، التى بدأت قبل أشهر من يوم الانتخابات واستمرت حتى 6 يناير، لإثارة الشكوك حول الانتخابات ورفض قبول النتيجة ثم متابعته لاستخدام الوسائل غير القانونية وغير الدستورية لإلغائها.

وقد سعى العديد من المشاركين فى هذه الجهود للحصول على عفو استباقى عن سلوكهم، وهو ما يشير إلى علمهم بأنهم كانوا ينتهكون القانون.

ولا ينبغى لأحد أن يفرح باحتمالية مواجهة هذا الرئيس أو أى رئيس سابق للمحاكمة الجنائية، فقد جلبت تصرفات ترامب العار لواحدة من أقدم الديمقراطيات فى العالم وزعزعت استقرار مستقبلها، ولذا فإنه حتى تطبيق العدالة لن تمحو تلك الوصمة، وصحيح أن محاكمة ترامب لن تصلح المشاكل الهيكلية التى أدت إلى أكبر أزمة فى الديمقراطية الأمريكية منذ الحرب الأهلية، لكنها تمثل خطوة أولى ضرورية نحو القيام بذلك.

https://www.nytimes.com/2022/08/26/opinion/trump-documents-jan-6-prosecute.html