التجدد الاخباري – (خاص) مكتب واشنطن
انهيار الجيش
السؤال الآن : كيف تمكن حوالي 60 ألفا من مقاتلي الحركة، بأسلحة تقليدية ودون تدريب مناسب على أساليب الحرب الحديثة، من هزيمة أكثر من “ربع مليون” جندي بالجيش الأفغاني، مزودين بكل أنواع الأسلحة الحديثة، بما في ذلك سلاح الطيران، ويتلقون مساعدات دولية استثنائية؟.
هيئة التفتيش المختصة بإعادة إعمار أفغانستان “سيغار”، نشرت تقريرا تفصيليا عن الواقع الحقيقي للجيش الأفغاني، شككت فيه بحقيقة الصورة الخارجية التي يظهر فيها هذا الجيش.
وقال التقرير: إن القادة الرئيسيين في الجيش كانوا طوال السنوات الماضية، يتصرفون كـ”أمراء حرب”، مشيرا إلى أنهم “يعتبرون الجيش مؤسسة كبرى للحصول على المغانم، ويبنون من خلاله شبكات من المنافع والمحسوبيات، عبر دوائر عائلية ومناطقية، تفتقد لروح العقيدة العسكرية المتماسكة والمنظمة المؤسساتية”. وشرح التقرير، كيف أن “هذا النمط من الهرمية غير العقائدية وغير المنضبطة يساهم بما يجري من تفكك، وفرار لعناصر الجيش حتى قُبيل دخول المعارك أمام مقاتلي طالبان.

هذا الانهيار للجيش الأفغاني، جاء رغم إنفاق الولايات المتحدة، أكثرمن 83 مليار دولار في تسليحه، وتزويده بالمعدات والتدريب، على مدى عقدين من الزمن، وترجع الصحيفة انهيار الجيش الأفغاني، إلى عدة عوامل، من بينها تمكن طالبان على مدى الشهور الماضية، من محاصرة الجنود الحكوميين في نقاط الحراسة، بالمناطق الريفية، ثم تقديم وعود لهم بعد أن يكون الجوع قد أنهكهم، بعدم التعرض لهم إذا ما استسلموا ، وتركوا معداتهم وراءهم.
أما الأساسي ، الذي تتحدث عنه الصحيفة، فهو الفساد الحكومي، إذ تقول إنه ورغم، أن العدد المسجل على الأوراق، لأفراد الجيش الأفغاني يبلغ 300 ألف جندي، فإن الموجود على الأرض، لا يتعدى سدس هذا العدد، وأنه جرى التلاعب بالعدد، بفعل الفساد والسرية، التي تميز تعامل المسؤولين الأفغان مع القضية.
أسلحة طالبان
على النقيض من ذلك تماما، نشر مركز “مكافحة الإرهاب”، الذي هو مؤسسة بحثية واستشارية ضمن “الأكاديمية العسكرية الأمريكية”، تحليلا عن العدد الفعلي لمقاتلي حركة طالبان، ذاكرا أنهم لا يتجاوزون 60 ألفا فقط.
لكن، حسب المركز، فإن الحركة تمكنت من عقد عشرات التوافقات مع القوى الأهلية الأفغانية، من عشائر وزعماء المناطق ووجهاء المجتمع المحلي في العديد من المناطق، الذين رصدوا آلاف المقاتلين لصالح الحركة، التي تلاقت مصالحها مع مصالح هؤلاء.
وتبعا لحسابات المركز الأمريكي، فإن العدد الفعلي لمقاتلي الحركة ومؤيديها يبلغ 200 ألف مقاتل في مخلف المناطق، ولهذا فإن مقاتلي الحركة أكثر معرفة وخبرة بالمناطق الجغرافية والديموغرافية في أماكن المعارك التي ينتشرون فيها. لكن الباحث الأفغاني (جوهر) طالبي، يُعيد الإجابة على السؤال إلى كمية ونوعية الأسلحة الهائلة ، التي ظهر أن الحركة تملكها.
وشرح طالبي في حديث مع موقع “سكاي نيوز عربية”: “ثمة كميات مهولة من الأسلحة بيد الحركة، ومن جميع الأنواع. فبكل بساطة يمكن ملاحظة أسلحة أمريكية حديثة بيد مقاتلي الحركة، حصلوا عليها من مخازن الجيش الأفغاني”. وتابع: “إلى جانب ذلك، يمتلكون أسلحة أخرى مخزنة منذ عهد الاحتلال السوفياتي في ثمانينيات القرن المنصرم، ومعها أسلحة إيرانية وباكستانية، حتى أن المرء يشعر أن مقاتلي طالبان يغوصون في بحر من الأسلحة”. وأضاف طالبي: “كانت تلك الأسلحة تُستعمل بكثافة عالية أثناء المعارك. فالحركة حينما كانت تحاصر المدن والبلدات، كانت تُمطرها بوابل كثيف من النيران، وفي مرات كثيرة تستمر لأيام، دون أي شعور بالمسؤولية تجاه المدنيين أو البنية التحتية، على عكس الحذر الذي كانت تتعامل به القوات الحكومية”. واعتبر الباحث الأفغاني أن هذه الكثافة النارية كانت “تدفع عناصر الجيش للفرار وترك المدنيين في مواجهة مقاتلي الحركة”.
“الدور السياسي” في هذه الهزيمة
ونوه طالبي كذلك إلى “الدور السياسي” في هذه الهزيمة، مذكرا بأنه “خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ظهر الزعماء السياسيون الأفغان فاقدين لأية قدرة على تقديم مشروع وطني لبناء دولة وحكومة في أفغانستان، في مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي”. واستطرد: “في ذلك الوقت كانت حركة طالبان تروج دعايتها المتحدثة عن الخطاب الوطني والديني وتحرير البلاد، لذا فإن جزءا غير صغير من المجتمع الأفغاني، بالذات الطبقات الأكثر ريفية والأقل تعليما، كانوا يملكون مشاعر مختلطة في دعم الحركة والإيمان بشعاراتها، وهو أمر استخدمته الحركة بكثافة”
كابول والأهمية استراتيجية
و تحظى (كابول) بأهمية استراتيجية بالغة، الأمر الذي يجعل السيطرة عليها، ورقة ضغط بيد طالبان.وتقع العاصمة الأفغانية على ضفاف نهر كابول في القطاع الشرقي من البلاد، وتحيط بها سلاسل جبلية شديدة الانحدار من كل الجهات، وتبلغ مساحتها 4462 كيلومترا مربعا. وتتمتع كابول بموقع مميز، حيث تقع على امتداد طرق التجارة في جنوب ووسط آسيا، كما أنها تعد منفذا إلى شمال الهند وباكستان، وينطلق منها أيضا طريق إلى شمال إيران وآسيا الوسطى.
وديموغرافيا ، تغير عدد سكان كابول منذ مطلع نهاية الثمانينيات من مليون و300 ألف نسمة إلى مليون و100 ألف في 2021، وذلك بسبب الحروب التي شهدتها البلاد.وتتكون التركيبة السكانية في كابول من 60% من الأفغان الباشتو، و24% من الطاجيك، و15% من الأوزبيك، إلى جانب أعراق تركية وفارسية.
وتحتضن المدينة “المنطقة الخضراء” شديدة التحصين، والتي تضم القصر الرئاسي وسفارات ومقار منظمات دولية. ويشكل مطار كابول “حامد كرزاي”، ورقة مهمة في المشهد الأفغاني، إذ يعتبر ممرا للبعثات الدبلوماسية ، وبوابة للمساعدات الإغاثية.