من يدقق في تفاصيل خطاب الرئيس الاسد ، أمام رؤوساء المجالس المحلية ، لابد ان يلاحظ ، انه مسكون بالحقيقة القائلة : ان (التاريخ يحتاج الى دفع) ، ليحقق أهدافه المضمرة في أفعال صناعه وتطلعاتهم ، دون ان يغيب عن عقل الخطاب ،ان (مسار التاريخ) ، يتحقق عبر (منهجيات) توجهه الى هدفه الواضح ، المتمثل بالوصول الى الدولة القوية القادرة العادلة ، والنابضة بروح الارتقاء المستمر.
و(دفع التاريخ) الذي يمارسه الاسد ، استند الى هوية سورية الحضارية، كاشفا منهجياتها في الارتقاء الحضاري ، وحدد هذه المنهجيات بمايلي :
1- منهجية استمرار الصمود والمواجهة ، لان الحرب مستمرة ، رغم الانتصار العسكري شبه الكامل، وهي مستمرة عبر الحرب الاقتصادية ، وحرب الانترنت ، وحروب الفاسدين المتضررين.
2- منهجية تعتمد الشعب باعتباره (النوة الاساسية) للدولة ، التي تعطي الجيش والمؤسسات ، طاقة الصمود والانتصار ، وهنا الشعب بمعناها الحضاري المتجاوز للاديان والطوائف والاحزاب ، والتواجد ليس في مناطق سلطة الحكومة فقط ، بل المتواجد ، أو الذي كان متواجدا في مناطق سيطرة الارهاب ، حيث اثبت هذا الشعب ، هويته الوطنية الحضارية ، رغم كل الظروف .
3- منهجية تعتبر ان (الوطنية فوق السياسة) ، وهذا مايحفظ الوطن من أوهام واغراءات المناورات السياسية ، فالخائن والعميل لايجوز ان يكون جزءا من العملية السياسية ، مهما كانت الاسباب .
4- منهجية بناء الديمقراطية ، بشكل عملي وابتداء من القاعدة ، وبواسطة الممارسة الحقيقة ، وذلك عبر توسيع المشاركة ، ابتداء من انخراط الشعب في ادارة مناطقه ، والمساهمة في حل مشكلاتها وتنميتها عبر الادارة المحلية ، وهذه المنهجية في بناء الديمقراطية ، هي الاكثر جدوى في الارتقاء السياسي الشامل .
5- منهجية (الشفافية) ، شكلت جزءا أساسيا من الخطاب ، وتضمنت الشفافية ، العقلانية ، الموضوعبة ، اعتماد الحقائق ، ضرورة الحوار ، حتمية النقد في التطوير والمعالجة ، والأهم ان الشفافية تتعارض مع سياسة البهورة ، والمبالغة ، التي يعتمدها بعض المسؤولين .
وبناء على هذه المنهجيات ، وبضمير (دفع التاريخ) ، فصّل الخطاب في بعض القضايا الملحة على المجتمع ، والمؤثرة في حياة الناس ، مثل :
أ – انتقد الخطاب ، استراتيجية البهورة والمبالغة ، التي يعتمدها المسؤولون ، الذين اعتبروا ان الحرب انتهت ، والانتصار ناجز ، وهذه المبالغة والبهورة ، اوهمت الناس بان الحكومة قادرة على كل شيء ، لذلك لم تقبل ازمة الطاقة بسهولة .
وأوضح الرئيس ، ان حرب الاقتصاد والحصار ، قائمة ومتصاعدة – وبكل شفافية – قال اننا ننجح في مواجهتها غالبا ، ونفشل في بعض الاحيان ، وهذا ماحصل في موضع الطاقة (الغاز) ، ومنهجية الحل لهذه الازمة ، أوردها الرئس باعمتاد الشفافية مع الشعب ، وتوفير المادة ، وعدالة توزيعها ، وذكر ان هناك اجراءات لتصحيح توزيع مادة الغاز ، وبدلا من تقسيمها على قطاعات ، سيتم تقسيمها وفق حاجات المناطق.
وهكذا ، فقد كان الخطاب شفافا مع الناس ، شخص الحالة ، وقدم الحل ، ودفع لاستمرار ايجاد الحل ، ولاستمرار الصمود.
ب – موضوع الفيدرالية ، ونزوع بعض (قادة الاكراد) الى اقامة كيان يؤسس للتقسيم ، واجهه الرئيس عبر حقيقة تاريخية جغرافية ، تؤكد ان الشعب واحد موحد ، والارض واحدة موحدة ، لذلك من المستحيل قبول أي خطوة تفضي للتقسيم ، وادرج الرئيس من يستقوي بالامريكي ، بالخائن العميل ، لوطنه وتاريخه ، وسيعامل على هذا الاساس.
ج- كذلك فصل الخطاب ، بالتدخل التركي ، سواء عبر الفصائل المسلحة الارهابية ، أو بالجيش التركي أو عبر عملاءه من السياسيين ، وكل ذلك أضاءه الرئيس ، ليكشف الموقف تجاهه ، معتبرا السيد التركي واتباعه ، أعداء لسورية الوطن ، ومن الضروري محاربتهم ، ولايمكن القبول بأي دور لهم في مستقبل سورية ، لان قبول الاعداء ، خيانة للوطن ومستقبله .
ان عملية (دفع التاريخ) ، التي ارادها الرئيس للارتقاء بالدولة ، تحتاج الى اعتماد منهجيات في مسار الحياة الوطنية ، وفي كل أعمال المؤسسات والافراد ، لان فيها أساسا الهوية الوطنية ، أما تجاهلها ، أو التقصير بها ، فهو الفساد والخيانة للمستقبل وللوطن ، كما يفهم من الخطاب “ذاته”.