aren

خارطة الشرف اللبناني المُهان \\ كتابة : جهاد الزين
السبت - 28 - ديسمبر - 2019

بيروت

في أدب أميركا اللاتينية، (جيل ماركيز وماريو فارغاس) الذي تحدّث عن طغاتها، وهو أدب وفير، يشعر الضحايا ليس بالظلم فقط بل بفقدان الشرف.

بعد التحولات الأخيرة وأهمها انكشاف ما فعلته الطبقة السياسية وملحقاتُها المصرفية من نهب مكشوف لأموال اللبنانيين، هل وصلنا في لبنان إلى درجة الشعور بفقدان شرف العيش بسبب فداحة النهب وضخامته وسهولته؟ كنا نعتقد قبل الانهيار الاقتصادي أن النهب الكبير عملية صعبة ومعقّدة. تبيّن أنهم ينهبوننا بسهولة… بسهولة فائقة سابقاً وراهناً. لقد جرى وضع اليد على ثروات نقدية لشعب بكامله. هكذا علناً وبصفاقة محمية بميزان القوة الأمنية.

كان باتريس لومومبا، الزعيم الإفريقي الراحل، يقول إن التحالف الذي ينظِّم نهب الشعوب هو أوسع مما يظهر عليه.

بهذا المعنى لا طغمة واحدة في لبنان بل طُغَمٌ متوزعة الاختصاصات تقف رموز الطبقة السياسية على رأس هرمها.

لصوص ولديهم جماهير تدافع عنهم!

سياسيون فاسدون ليسوا طغاةً ولكنهم يخلقون بشراهتهم أوضاعاً اقتصادية واجتماعية طاغية. وليس من طغيانٍ أقوى من الشعور بالحاجة إلى سداد لقمة العيش.

سياسيون فاسدون يعيدون تحويل اللبنانيين إلى مشاريع شحّادين.

يقوم اللبنانيون بثورة راقية. ولم يأتِ استخدام شعار “انتفاضة الكرامة” من فراغ. كنتُ أسأل في بداية الثورة هل هذا الشعار مستعار من الأدبيات الفلسطينية؟ ولكن تبيّن بسرعة مع ترافق يوميات الانهيار الاقتصادي مع يوميات الانتفاضة المدنية، الأدق نهاريّات الانهيار الاقتصادي وإذلال المودعين في المصارف مع مسائيّات الثورة في ساحات المدن، أن اللبنانيين يعتبرون أن الفساد بصيغته اللبنانية مسّ شرَفَهم ويمسّه.

لقد دلّت التجارب أن اللبنانيين قد يستسهلون الحروب ولكنهم يهابون الحرب الاقتصادية. لقد كُسِروا الآن بالمعنى الحرفي للكلمة بجميع طوائفهم. ليس أكيداً كُسِرت طائفيّاتُهم. الشرفُ المُراق على مذابح سياسيّيهم الفاسدين لم يطَل طائفيّاتهم مع أن الثورة نفسها هي لحظة بل لحظات غير طائفيّة، كأنما كسروان انتقلت إلى النبطية أو كأنما صور انتقلت إلى طرابلس وكسروان.

ما الذي يشوِّه تلك اللحظات المشرِّفة الطالعة من قلب الفقر والبطالة والمبنية على إحساس رفضيٍّ غير مشوّه تحمله الأجيال الجديدة. ويطالبني كثيرون على “الفايسبوك” حين أكتب عن” ضعف الثورة” بأن أقتنع أن هناك جيلا جديدا (تحت سن الثلاثين) هو حداثةً وتكيّفاً ونضجاً سياسياً مختلف عن الأجيال التي سبقته ومنها جيلنا. أحيانا وأنا أسمع عن بعض المناقشات الجارية في بعض خِيَمِ الثورة في ساحة الشهداء، أقترب من الاقتناع بهذا الفارق الذي سيفرض نفسه على الوضع السياسي، وأحيانا تتلاشى قناعتي حين تبدو لي قدرة الطبقة السياسية على السيطرة على مجريات اللعبة السياسية مستمرة.

قال لي شخص نابه ومتابع، ان لاطائفيةَ نخب الثورة الواضحة تُظهِر أن الجيل السابق نجح في تربية جيل غير طائفي. بهذا المعنى يخوض لبنان على مشارف مئويّتِهِ الأولى أكبر اختبار لمدى قدرته على تفعيل سياسي واجتماعي لحالة غير طائفية.

كان هذا الجيل الجديد الذي يشعر بالمهانة، بانتقاص كرامته، يقول في ساحات الانتفاضة: نريد بلداً نعيش فيه لا أن نهاجر منه. وبعضٌ من هؤلاء القائلين كان عائداً من الخارج.

تمنياتي لكم بالتوفيق حتى لا تعودوا أدراجَكم إلى مطار بيروت الدولي.

“النهار”اللبنانية