(عندما طلب الله من القديس فرنسيس أن يصلح الكنيسة ، ظن أن المطلوب يتعلق بالحجارة …، وهذا كان خطأه). بهذه العبارة ، غلف البابا (بنديكيت) السادس عشر ، ترشيحه لمخاطبه، ودعوته له باصلاح الكنيسة ، روحية الكنيسة.
وكان مخاطبه ، هو الاسقف ” خورخي بيرغوغليو” ، وهذا الحوار ، هو من مشهد مهم في فيلم The Two Popes \ (البابوان) ، الذي بدأ عرضه خلال أسبوع الاحتفال بالأعياد المسيحية ، وهو توقيت مهم للحديث عبر عمل فني ابداعي عن اصلاح الكنيسة ، وتقريبها بين الناس وحياتهم أكثر، وأكثر.
قصة الفيلم ، تنطلق عندما يقرر أسقف بيونس آيرس – بيرغوغليو- الاستقالة ، ويسافر الى (روما) ليقابل البابا بنديكيت- 16، ليعرض عليه الاستقالة . وان البابا ، لم يكن يجيب على رسائله. ويلتقي (الاسقف والبابا) . يلتقي طرفان نقيضان في فهمهما للكنيسة : البابا المتعصب بنديكيت- 16 ، والاسقف المنفتح البسيط بيرغوغليو.
لذلك ، ومنذ البدية، يرفض بنديكيت- 16 ، قبول استقالة بيرغوغليو، لانها ستبدو احتجاجا على البابا ، خاصة وان بيرغوغليو، معروف بانتقاده للتشدد ، وفي سياق محاولة بيرغوغليو، اقناع البابا بقبول الاستقالة ، ينشأ بينهما حوارات متنوعة ، ومتعددة حول (الكنيسة – الحياة – الله -السياسة – معنى الايمان).
البابا، الذي كان خصما لبيرغوغليو وانفتاحه، اكتشف عبر حواره معه ، ان اشارة الله ، اتته بصوت هذا الآخر : أن (اذهب). كما اكتشف البابا نفسه في مرآة الآخر بيرغوغليو، وعندما طلب منه ان يتلقى اعترافه ، ارتبك بيرغوغليو ، فكيف لاسقف أن يتلقى اعتراف البابا ، وصعق، عندما سمع من بنديكيت- 16 ، أنه (ارتكب خطيئة، دفن نفسه في الكتب والدراسة منذ الصغر، ونسي الحياة).
من هنا ، اكتشف كم فعل به صراع الافكار ، الذي خاضه عبر الحوار مع بيرغوغليو، وعندما أخبر البابا ، الاسقف ، انه يريد ان يستقيل ، لانه اطمأن على الكنيسة بوجود بيرغوغليو. بالفعل يستقيل ، ويتم تنصيب خورخي بيرغوغليو، الذي يسمي نفسه (فرنسيس).
رغم ان الفيلم بمعظمه ، قائم على الحوار بين البابا والاسقف ، وهو حوار مؤلف من تفاعل للافكار بينهما عبر صراع وجهات نظر ، وهو صراع التفهم والاستيعاب ، وربما من هنا ، فرادة هذا الصراع الدرامي ، وجاذبيته وتشويقه وطرافته .
اضافة الى السياق الدرامي ، جعل من الحوار ، أبوابا تفتح على أزمنة متعددة ، تروي الاصول الحياتية ، لكل فكرة معبرة عن موقف ، الامر الذي يضيء عبر الصراع الدرامي المستحضر من الذاكرة ، مسار تطور الشخصية ، ومعتقداتها ، وايمانها ، ورؤيتها للكنيسة والله ، عبر الحياة والناس.
وأوضح ماتجلى هذا الأمر ، بذكرى الاسقف بيرغوغليو لفترة الديكتاتورية في الارجنتين ، حيث يعتبر نفسه ، ارتكب خطيئة ، عندما لم يقاوم حكم العسكر الظالم ، بشكل كاف .
وبين الحوار الحاضر ، وتفاعل الافكار القائم ، وبين الذكرى واحداثها ، يتابع المشاهد دراما تشكل أطروحة اصلاح الكنيسة ، مقنعة ومؤثرة ، وفاعلة.
في فيلم (البابوان) ، نتابع شخصيتين مذهلتين من حيث الكتابة والآداء ، شخصية البابا بنديكيت-16 ، والتي يؤديها (انطوني هوبكنز)، بشكل يخترق عظام قناعة المشاهد ، ويسكن وجدانه ، وهو يقنعه بحضوره وحقيقته.
أما الشخصية الثانية ، فهي الاسقف خورخي بيرغوغليو ، والتي أداها (جوناثان بريس) بطريقة ، جعلت من البساطة ، قوة طاغية ، وخلقت من الارتباط بالحياة ، هوية مميزة ، وأمام عبقرية هوبكنز في اداء بنديكيت ، تفتحت بالتفاعل ابداعية جوناثان بريس ، فقدم شخصية بيرغوغليو كضمير حياتي انساني للكنيسة ، وكروح محبة متسامحة للايمان ، وكعقل اجتماعي للاصلاح الكنسي ، وبالفعل فان أداء “هوبكنز وبريس” ، تضافرا ، ليكونا بادائهما ، كنيسة ابداعية ، تقنع المشاهد بالايمان والاصلاح ، وتمتعه بالفن والابداع .
يبدأ الفيلم بامتناع الاسقف الالماني المتشدد (جوزيف راتزنغر)، عن تحية الاسقف الاصلاحي بيرغوغليو في لقائهما ، عشية اختيار الالماني ، ليكون (البابا) بنديكيت-16 ، وينتهي الفيلم بان بان يتعلم بنديكيت من بيرغوغليو ، رقصة “التانغو”، ويشاهد معه في العام 2014 ، مبارة “ألمانيا والأرجنتين” ، وهما ياكلان البيتزا ، التي بعث بيرغوغليو ، واحضرها من محل في السوق.
انها مسيرة الاصلاح عبر الحوار والتفاعل ، انتقلت الكنيسة الى الحياة أكثر ، ونزلت الى الفقراء أكثر ، ووقفت مع السلام والمحبة أكثر ، وحاربت النخب الاقتصادية ، التي تستولي على الخيرات أكثر ، وبقي الله في السماء ، وبقيت الرحمة في الايمان ، وبقيت المحبة ، هي الدين ، وربما يمكننا ان نلخص الفيلم بالعبارة التالية : (الاصلاح يقربنا من الله ، مثلما يقربنا من الناس والحياة).
الفيلم من انتاج 2019 ، وبالفعل جاء عرضه في أوقات الميلاد ورأس السنة ، ليؤكد أكثر ، ان الاصلاح عيد وفرح ، مثلما الكنيسة ، ايمان ومحبة ، ومثلما الله في الناس والحياة.
في عصر التعصب والتطرف ، كم نحتاج للحوار والتفاعل كما فعل “البابوان” ؟!!.