
صرح الحرية
(اترك سيفك واحمل معولك واتبعني لنزرع السلام في كبد الارض)
عام ربيع دمشق الواعد المغدور ( مابين٢٠٠٠_٢٠٠١)، كان العديد من ” الزملاء ” في جامعة دمشق يتنقلون بيننا من ندوة الى اخرى ، وهم يروجون ما تعاقدوا مع “بياعي الوهم ” على ترويجه ، وهو البدء بتنفيذ خطة لإغلاق السجون تدريجيا ، بدءا بسجني المزة وتدمر ومرورا بسجن صيدنايا ، وبناء جامعات وفنادق سياحية مكانها لتصبح سورية قلعة الحرية والكرامة في العالم ، لدرجة انني بدات ابني في مخيلتي مخططا لمواكبة تحول سوريا الى محج عربي و عالمي لانصار حرية الانسان ، بدءا بتحويل سجن صيدنايا ، الذي يحتل موقعا طبيعيا لانظير له تحلم بمثله ارقى الجامعات والمنتجعات السياحية ، وتخيلت شكل العبارة التي ستكتب فوق مدخله الجديد الرائع ، وبالخط العربي الكبير ، وبلغات اجنبية ، بحيث تكون مقروءة على بعد مئات الأمتار من قبل المتنزهين على طريق صيدنايا السياحي (صرح الحرية ) ، ونجعله يطغى على ( تمثال الحرية ) الفرنسي _ الاميريكي الشهير المطل على المحيط الاطلسي ، بقامته وشعلته الضخمة ، مع فارق جوهري ، وهو ان “تمثال الحرية” لم يردع الولايات المتحدة يوما عن التوسع في الحروب وبناء السجون والممارسات المعادية لحقوق الشعوب و الانسان وللحريات في العالم ، بما في ذلك في وطننا العربي ، بينما (صرح الحرية ) السوري(كما تخيلته) سيكون قائما على رفات اعتى السجون العالمية القامعة للحريات ، وسيكون صرحا عالميا حقيقيا لحرية وكرامة وحقوق الانسان ، السوري والعالمي ، وملتقى ومنبرا لاهم مؤتمرات السلام العالمية ، وندوة مفتوحة لمن شاء من معتقلي السلطات القمعية في سورية و العالم على نضالاتهم التحررية ، ودعوة صداحة لازالة آخر واشرس نموذج للعنصرية في العالم يقوم منذ ثلاثة ارباع القرن على ارض فلسطين المحتلة ، وستكتب تحت اسم صرح الحرية، بالخط العربي الجميل وبلغات اجنبية ، العبارة التي قالها الملك السوري منذ ٥٠٠٠ عام : ( اترك سلاحك واحمل معولك واتبعني لنزرع السلام في كبد الارض ) !
ولكن حلم ليلة الصيف هذا مالبثت ان حملته معي الى سجني الذي قبعت فيه سبع سنوات مع غزوة القمع الشهيرة التي طالت عشرة من رموز ربيع دمشق في ٩/٩/٢٠٠١، حيث حكمت، على جميع النشاطات والكتابات التي ارتكبتها على مدى اكثر من ربع قرن من الحياة الجامعية ، والتي تكللت بالتجرؤ على هذا الحلم ، بالسجن الانفرادي ١٠ سنوات من اغلى وانضج سنوات العمر ، ولكن دون ان تنعكس هذه العشرية السوداء التي انتهت في ٨/٨/٢٠٠٨ ، (وكانت قد استبقت بصرفي من الخدمة في ٢٨/٣/١٩٩٨) ، على هذا الحلم العظيم بالذبول ، حتى قيضت لي ، بعد خروجي الى فضاء الحرية ، مناسبة هامة واطلقته فيها ( كما يتذكر السوريون الاحرار الذين اشتركت معهم في اول مؤتمر جامع لطيف واسع من قوس قزح الداعين السوريين الى الحرية ، وكان ذلك في ٧/١٠/٢٠١١ في ستوكهولم ،نظمه الحزب الاشتراكي السويدي ، املا بتجنيب سورية الكارثة الداهمة التي اسقطت عليها (كجلمود صخر حطه السيل من عل) لتحطيم انتفاضة الشعب السوري للتحرر من ربقة الاستبداد والفساد والتخليف والانحطاط والانطلاق على مدارج الحرية والكرامة ، وتحقيق التقدم المستحق ، والمكبوت ، والانطلاق في فضاء العصر ، بكل مخزونات سورية الثرية التاريخية ، وكذلك المادية والبشرية الراهنة الضخمة ، التي جرى تحطيمها ، بشكل واع وهادف ومخطط خلال “النكبة السورية العظمى”الجارية،بلادون هوادة!
وكما ان عقدا من السجن بعد الصرف من الخدمة لم ينفع في تمويت هذا الحلم العظيم ، فان عقدا من الدمار والسحق والمحق لسورية الدولة والشعب والاقتصاد والحضارة والانسان لم ولن ينفع ارباب الفساد ومرتزقتهم ومن شاكلهم من ” الإخوة الأعداء ” في خنق هذا الحلم ، الذي سيبقى يتأجج حتى يتحقق ، وترتقي سورية بتحققه الى مصاف ارقى الدول ، خفاقا يحتضن العلم السوري ، كهالة مقدسة !
هذه المقالة تعبر عن رأي صاحبها