aren

حرب ساسيّة جديدة تنتظر امريكا بعد وفاة القاضية غينسبورغ
السبت - 19 - سبتمبر - 2020

التجدد الاخباري +(أ ف ب، د ب أ)

روث بادر غينسبورغ في الوسط (أ. ب.)

توفيت عميدة قضاة المحكمة العليا الأمريكية، “روث بادر غينسبورغ”، مساء أمس الجمعة، عن عمر يناهز 87 عاما، ما ينذر بمعركة سياسية حادة، لملء منصبها الشاغر قبل الانتخابات الرئاسية في 3 تشرين الثاني/نوفمبر. وتوفيت القاضية التقدمية ، التي تعد (أيقونة) لليسار ، محاطة بعائلتها، بعد معركة مع سرطان البنكرياس، على ما أعلنت المحكمة العليا في بيان.

وكانت القاضية ، التي كافحت من أجل حقوق النساء والأقليات ومن أجل البيئة، تعاني من مشكلات صحية منذ بضع سنوات ، ونقلت إلى المستشفى مرتين خلال الصيف ، وكان الديموقراطيون يتابعون عن كثب وضعها الصحي ، خشية أن يسارع الرئيس دونالد ترمب إلى تعيين خلف لها.

وعلم الرئيس الجمهوري المرشح لولاية ثانية بنبأ وفاتها من صحافيين في ختام مهرجان انتخابي ، عقده في مينيسوتا، فاكتفى بالإشادة بـ”حياة استثنائية” بدون أن يفصح عن نواياه بشأن مقعدها. وبعد ساعات وصفها ، بأنها “عملاقة القانون”. أما خصمه الديموقراطي “جو بايدن”، فأشاد بأشهر القضاة الأمريكيين وقال “روث بادر غينسبورغ كافحت من أجلنا جميعا وكانت تحظى بكثير من المحبة” داعيا إلى عدم التسرع لتعيين خلف لها.

وقال في تصريح صحافي “يجب على الناخبين اختيار الرئيس وعلى الرئيس اختيار قاض لينظر فيه مجلس الشيوخ”. وحيا “بطلة أميركية” و”صوتا لا يكل في السعي إلى المثال الأعلى الأميركي: تساوي الجميع أمام القانون”. وكتب الرئيس السابق باراك أوباما على تويتر ، أن روث بادر غينسبورغ “قاومت حتى النهاية (…) بإيمان ثابت في ديموقراطيتنا ومثلها”. وذكرت إذاعة “إن بي آر” أن القاضية أفصحت عن وصيتها الأخيرة لحفيدتها كلارا سبيرا ، فقالت لها قبل وفاتها “أعز أمنية لديّ هي عدم تبديلي طالما لم يؤد رئيس جديد اليمين الدستورية”.

شعبية واسعة

أعلن ترامب في آب/أغسطس ، أنه لن يتردد في تعيين قاض في المحكمة العليا حتى قبل وقت قصير من الانتخابات وقال متحدثا لإذاعة محافظة “سأتحرك سريعا”. وحرصا منه على حشد تأييد اليمين المتدين، وضع بعد ذلك قائمة أولية بمرشحين جميعهم قضاة محافظون معارضون بمعظمهم للإجهاض ومؤيدون لحمل السلاح.

وبموجب الدستور، يختار الرئيس مرشحه ، ويطرحه على مجلس الشيوخ للمصادقة عليه. وأبلغ رئيس مجلس الشيوخ الجمهوري، (ميتش ماكونيل)، منذ الآن أنه سيجري عملية تصويت، بالرغم من أنه رفض عام 2016 تنظيم جلسة استماع إلى قاض اختاره باراك أوباما لهذا المنصب بحجة أنه كان عاما انتخابيا.

وإن كان الجمهوريون يملكون غالبية 53 مقعدا من أصل مئة في مجلس الشيوخ، فإن بعض الجمهوريين المعتدلين الذين يواجهون حملات صعبة لإعادة انتخابهم قد لا يشاركون في التصويت، ومن المتوقع أن يوظف المعسكران وسائل كبرى لمحاولة إقناعهم.

وتوقع أستاذ القانون كارل توبياس “معركة سياسية ضارية” لأنه إذا تمكن ترمب من تعيين قاض جديد “فستصبح المحكمة العليا الأكثر انحيازا للمحافظين منذ قرن”. وتضم المحكمة الحالية “خمسة قضاة” محافظين من أصل “تسعة”، وهم لا يتخذون موقفا موحدا في كل القضايا، بل غالبا ما يصوت أحدهم مع زملائه التقدميين. وتملك المحكمة العليا الأميركية ، كلمة الفصل في كل القضايا الاجتماعية الكبرى التي ينقسم عليها الأمريكيون ، مثل الإجهاض وحق الأقليات وحيازة السلاح وعقوبة الإعدام ، وغيرها.

“رائدة”

عينت روث بادر غينسبورغ في المحكمة العليا عام 1993 في عهد الرئيس الأسبق بيل (كلينتون)، وتميزت بدفاعها عن حقوق المرأة في السبعينات، واكتسبت شعبية واسعة للغاية رغم جدية منصبها. وبفضل مواقفها المنسجمة مع تطلعات الشباب، فازت بتأييدهم إلى حد أطلقوا عليها لقب “نوتوريوس آر بي جي” أو “آر بي جي السيئة السمعة” تيمنا بمغني الراب “نوتوريوس بيغ”. وتجمع مئات الأشخاص في تحرك عفوي مساء الجمعة أمام أعمدة مبنى المحكمة العليا ، تكريما لها وتم تنكيس أعلام الكونغرس ، والبيت الأبيض.

وبالرغم من مواقفها اليسارية، صدرت إشادات عن الجمهوريين والديموقراطيين على السواء ، فور إعلان نبأ وفاتها. وقالت زعيمة الديموقراطيين في الكونغرس نانسي بيلوسي : إن “كل امرأة، كل فتاة، كل عائلة في أمريكا استفادت من ذكائها اللماع”، فيما أعلنت أصغر أعضاء مجلس النواب وممثلة الجناح اليساري في الحزب الديموقراطي ألكسندريا أوكازيو كورتيز “خسرنا عملاقة في تاريخ البلاد”.

وكانت النبرة مماثلة من الطرف الآخر من المروحة السياسية ، فأشاد وزير الخارجية مايك بومبيو بـ”بطلة في القانون” فيما أثنى وزير العدل بيل بار على حقوقية “لامعة… تحظى بالإعجاب” و”نافذة”. وأعرب السناتور الجمهوري ليندسي غراهام، المقرب من الرئيس، عن “حزنه” لوفاتها.

وخرج السناتور الجمهوري(تيد) كروز، المدرج على قائمة ترامب للمرشحين المحتملين للمحكمة العليا، عن هذا الإجماع ليطالب بتعيين خلف لها فدعا الرئيس في تغريدة إلى إعلان خلفها منذ الأسبوع المقبل حتى يتمكن مجلس الشيوخ من تثبيته في المنصب قبل الانتخابات. وكتب “هذا التعيين هو السبب الذي انتخب دونالد ترامب من أجله”.

ترمب يسابق الزمن لتعيين خليفتها

وتعدّ “غينسبورغ” الليبرالية ، ثاني امرأة يتم تعيينها في هذا المنصب بتاريخ أمريكا. ولعبت غينسبورغ المعروفة باسم “آر بي جي السيئة السمعة” ، دورا كبيرا في الدفاع عن حقوق المرأة في بداية حياتها المهنية، وكانت قوة تقدمية مؤثرة داخل المحكمة العليا كـ”زعيمة” لتحالف يميل الى اليسار ، وسط غالبية محافظة من القضاة.

من المرجح أن تدفع وفاتها الرئيس دونالد ترامب الى المسارعة لتعيين خليفة لها قبل شهرين من الانتخابات الرئاسية. من جهته صرّح المرشح الديموقراطي للانتخابات الرئاسية ، جو بايدن أن تعيين خليفة لغينسبورغ ، يجب ان ينتظر إلى ما بعد انتخاب رئيس جديد، متحدثا عن أنه: “يجب على الناخبين اختيار الرئيس وعلى الرئيس اختيار قاض لينظر فيه مجلس الشيوخ”.

غينسبورغ وكلينتون في حديقة البيت الأبيض عام 1993

“دافعة حازمة عن العدالة بلا كلل”

وخدمت غينسبورغ ، المولودة في بروكلين في نيويورك عام 1933 في المحكمة العليا مدة 27 عاما. وقال رئيس المحكمة العليا جون روبرتس وفق البيان “خسرت أمتنا عالمة حقوقية ذات قامة تاريخية”. وأضاف “فقدنا في المحكمة العليا زميلة نعتز بها. اليوم نحزن، ولكننا على ثقة بأن الأجيال القادمة ستتذكر روث بادر غينسبورغ كما عرفناها (…) مدافعة حازمة عن العدالة بلا كلل”.