aren

حرب الاستنزاف السورية
الإثنين - 8 - يونيو - 2020

ادارة التحرير

\هنا\ حصيلة تقارير “اقتصادية – اجتماعية- تعليمية -بيئية” ، اعدتها فرق صحفية مختصة بالعمل الاستقصائي ، في محاولة لرصد خسائر الدولة السورية وما أصاب مؤسساتها ، بعد قرابة عقد من النزاع الداخلي ، المدعوم خارجيا.

سورية

(خاص)

التجدد الاخباري : مكتب (بيروت – اسطنبول – ستوكهولم)

تسـع سـنوات مـن النـزاع السوري، كانت بنتيجتها ، ملايين النازحين داخلياً وفي الشتات، ومليارات الدولارات خسائر اقتصادية، وهبوط مرعبٌ في قيمة الليرة السورية، وملايين العاطلين، وملايين السنوات الدراسية الضائعة، ومعدل فقر عند الذروة.

وعلى الرغم من دور حلفاء الحكومة السورية ، والوكالات الإنسانية ، الى جانب المنظمات الدولية في تخفيف حدة المظالم، وتلبية طلبات الدعم “داخلياً وخارجياً”، إلا أنها فشلت في سد الفجوة بين الاحتياجات والموارد، وعانت من الاستقطاب ، وضعف التنسيق والمساءلة ، وذلك لا بدّ ، مرتبط بتأثرها بهيمنة المؤسسات المرتبطة بالنزاع . وعلى الرغم من أهمية دور هذه المؤسسات والمجتمع المدني في تخفيف معاناة السوريين، إلا أنهم افتقروا إلى الإمكانيات ، والحريات اللازمة لسدّ فجوة غياب “الأمن الاجتماعي”.

انتهاكات حقوق الإنسان من قبل المنظمات والافواج “الجهادية” المدعومة خارجيا ، وتراجع الأداء التنموي ، وتدهور محددات حالة الإنسان، أسهمت جميعها في ظهور متلازمة من الظلم والنزاع، ما حول الحراك المجتمعي إلى نزاع مسلّح عنيف، نقل المظالم السابقة إلى مستويات كارثية.

وقد فشل النظام العالمي في مساعدة السوريين على انهاء الحرب ببلادهم ، وتفعيل دور القانون الدولي الإنساني، وتعزيز احتمالات التسوية العادلة والمستدامة بشكل فعال ، أو في تطبيق أي منها.

وفي جملة خلاصات تقارير راصدة وحديثة عن حال المجتمع السوري الراهنة ، تقدر الخسائر الاقتصادية للنزاع حتى نهاية 2019  بحوالي 530.1 مليار دولار أمريكي، مقارنة مع السيناريو الاستمراري، وهو ما يعادل 9.7 ضعف الناتج المحلي الإجمالي لعام 2010 بالأسعار الثابتة.

انكماش اقتصاديّ … واقتصاد مسيّس

وفي التقديرات الاخيرة ، أدى إلى ظهور اقتصادات مختلفة ومجزأة داخل الدولة المتشظية، وأظهرت أنظمة الحوافز في الاقتصادات الجديدة ، أن واحدة من المصالح المشتركة القليلة بين القوى المتنافسة على السيطرة، كانت إساءة استخدام الموارد الاقتصادية لمصلحة نخبة النزاع على حساب الأنشطة الاقتصادية.

وحولت المقومات الاقتصادية إلى مصادر لاستدامة العنف من خلال تدمير جزء كبير من رأس المال، أو إعادة تخصيصه لأنشطة مرتبطة بالنزاع ، وخسر الكثير من العمال،وظائفهم، فيما سخر جزء كبير من فرق العمل المتبقية في خدمة النزاع، كما غيرت المؤسسات الاقتصادية ، سياساتها وقواعدها لدعم قوى النزاع، ليسمح لها بمواصلة العمل.

ووفق ماجاء في هذه التقارير، فقد انكمش الاقتصاد بشدّة وبنسبة 14.1 في المائة عام 2016، مع اشتداد النزاع على جبهات عدة ، واستمرار السياسات الاقتصادية في رفع أسعار المشتقات النفطية. وفي عام 2017، أدت التحسنات النسبية في الظروف الأمنية لبعض المناطق، خاصة مع اتفاقية مناطق “خفض التصعيد”، إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.3 في المائة تقريباً، ومع ذلك فقد انخفض مرة أخرى في عام 2018 بنسبة 1.9في المائة، ثم شهد عام 2019 ، معدل نمو إيجابياً و بنسبة 7.9 في المائة، بسبب انخفاض وتيرة المعارك وتقلص نطاقها، وبسبب النمو الكبير في قطاع الزراعة.

تتكون الخسارة الاقتصادية الإجمالية ، المقدرة بحوالي 530 مليار دولار أمريكي، من الخسارة في الناتج المحلي الإجمالي، والتي تعادل 420.9 مليار دولار، والزيادة في الإنفاق العسكري بحوالي 37.8 مليار دولار، والأضرار التي لحقت بمخزون رأس المال، وتقدّر بحوالي 64.6 مليار دولار، وأخيراً، الإنتاج غير الرسمي للنفط والغاز، والذي يقدّر بـ 9.9مليار دولار خلال الفترة ما بين 2011 و 2019.

أما الدعم الحكومي، فقد شهد تراجعاً مطّرداً، كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية من 20.2 في المائة عام 2011 إلى 13.1 في المائة عام 2014، ثم شهد انخفاضاً حاداً بسبب تحرير الأسعار إلى 5.1 في المائة عام 2015، و 4.9 في المائة عام2019 . ونتيجة لذلك، انخفض عجز الموازنة العامة مع الدعم من خارج الموازنة من 23.6 في المائة عام 2013 إلى 8.8 في المائة عام2019.

إلى جانب كل ماسبق، شهدت قيمة العملة ، موجة انخفاض بنسبة 43 في المائة في أيلول\سبتمبر 2019 مقارنة بشهر تموز 2018 على الرغم من أن هذه الفترة ، شهدت توسعاً في مساحة المناطق التي تسيطر عليها الحكومة ، واستقراراً نسبياً في العديد من المناطق ، بالإضافة إلى موسم زراعي جيد بصورة استثنائية ، وانتعاش بطيء في قطاع الصناع.

تالياً ، شهدت الفترة الواقعة ما بين أكتوبر (تشرين الأول) 2019 وكانون الثاني 2020 ، تسارعاً في تدهور قيمة العملة ، ويرجع معدو التقارير الحيادية حول الاقتصاد السوري، جذور ذلك الى عوامل رئيسية ، تعتبر هي المسببة لهذا التدهور، بما في ذلك هيمنة المؤسسات المرتبطة بالنزاع، وديناميكيات الاقتصادات ، ذات الصلة به، والأضرار الكبيرة التي لحقت بمقومات الاقتصاد، وتراجع أداء المؤسسات العامة، وتقلص تدفقات الدعم الخارجي، الذي تفاقم مؤخراً بفعل عقوبات الولايات المتحدة الأمريكية، والازمة الاقتصادية في لبنان.

سجّل إجمالي العمالة ، انخفاضاً حاداً ، أثناء النزاع من 5.184 مليون عامل عام 2011 إلى 2.568 مليون عامل عام 2016، وارتفع تدريجياً إلى 3.058 مليون عامل في 2019. وارتفع معدل البطالة من 14.9 في المائة عام 2011 إلى 51.8 في المائة في عام 2016، وانخفض تدريجياً إلى 42.3 في المائة – عام 2019.

ومقارنة بـ”السيناريو الاستمراري”، فقد سوق العمل 3.7 مليون فرصة عمل، ورفعت الخسارة الضخمة لفرص العمل، نسبة الإعالة الاقتصادية من 4.13 شخص لكل مشتغل في عام 2010 إلى 6.4 شخص في عام 2019.

وتظهر الخلاصات الاقتصادية الاستقصائية ، أن معدل الفقر الإجمالي ، بلغ ذروته عند 89.4 في المائة في نهاية العام 2016، وانخفض عام2019 إلى 86 في المائة بسبب النمو الاقتصادي، لكنه بالرغم من ذلك، شهد انتكاسة في الربع الأخير من 2019 حين ارتفعت الأسعار . وبلغ متوسط خط الفقر الكل للأسرة الواحدة في الشهر 280 ألف ليرة سورية مع نهاية عام 2019.

كان معدّل الفقر المدقع -كمؤشر للحرمان من الغذاء- أقل من 1 في المائة في سوريا عام 2010، وخلال النزاع ، شهدت سوريا انتشاراً للفقر المدقع ، حيث بلغ 44.9 في المائة في عام 2016، فقد أدت الزيادة في أسعار المواد الغذائية بمناطق مختلفة إلى تدهور قدرة الناس مايكفي من السعرات الحرارية.

سورية

أكبر عدد من النازحين داخلياً بسبب نزاع في العالم

تسببت سنوات النزاع في نزوح قسري لأكثر من 5.6 مليون شخص ، بحثاً عن الأمن في (لبنان وتركيا والأردن) ودول أخرى مضيفة، ووصل عدد النازحين داخلياُ بحلول آب\اغسطس 2019 إلى 6.14 مليون شخص، وهو أكبر عدد من النازحين داخلياً بسبب نزاع في العالم، بحسب تقديرات تقارير صنفت بانها محايدة .

بالإضافة إلى ذلك، نزح 202 ألف شخص في تشرين الأول 2019 بسبب العملية العسكرية التي قام بها النظام التركي داخل ارضيي الجمهورية العربية السورية ، والمسمّاة «نبع السلام» في المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا. وفي أوائل عام 2020، أدت العمليات العسكرية العنيفة في إ”دلب وريف حلب الغربي” إلى تشريد مئات الآلاف باتجاه شمال (إدلب وحلب). ويعاني اللاجئون ، أشكالاً متعددة من الظلم ، تتمثل في الوصول والتنقل والتنمية البشرية والاعتبار والتعبير والمشاركة، على الرغم من أنها مترابطة جميعاً، إلا أن دراسة كل منها ، يسمح بفهم الحرمان الكبير والمتزايد ، الذي يعاني منه اللاجئون.

فقدان الملايين من سنوات التعليم

يستمر السوريون في فقدان ملايين السنين من التعليم، إذ بلغ عدد الأطفال ممن تتراوح أعمارهم ما بين 5 أعوام و 17عاماً، ممن هم خارج المدرسة ، حوالي 2.4مليون طفل في عام 2019. وتعتبر الحصيلة الحالية ،كارثية، لأن ملايين الأطفال ، سيعانون من نقص المهارات والمعرفة، بالإضافة إلى الآثار الأخرى للنزاع.

وخلّف النزاع ، فقداناً في اتساع المناهج الدراسية في أنحاء سوريا، بسبب إنشاء أنظمة تعليمية مختلفة في كل منطقة بحسب القوى المسيطرة فيها، فقد أبرز تقرير الاحتياجات الإنسانية لعام 2018 ، وجود 6 مناهج دراسية مختلفة ، تستخدم في المدارس في سوريا.

ويقدّر الخبراء ، الخسارة المباشرة لسنوات التعليم الأساسي بحوالي 1.47مليون سنة في عام 2019. وعليه تقدّر الخسارة الإجمالية في التعليم الأساسي 25.5 مليون سنة دراسية حتى عام 2019 مقارنة بالسيناريو الاستمراري . وفي الوقت نفسه، بلغت الخسارة الإجمالية في سنوات التعليم لجميع المستويات التعليمية حوالي 46.0 مليون سنة بين عامي 2011 و 2019، وتقدّرت كلفة هذه الخسارة بنحو 34.6 مليار دولار أمريكي.

سورية

رأس المال الاجتماعي ظلمٌ اجتماعي

تعدّ الزيادة في معدل الوفيات بين الفئات السكانية المختلفة، واحدة من أكثر آثار النزاع كارثية ، وتكشف التقارير الموضوعة حول هذا الملف ، ارتفاع معدل الوفيات الخام من 4.4 لكل ألف نسمة في عام 2010 إلى 10.9 لكل ألف نسمة في عام 2014.

وتظهر التقديرات للفترة الواقعة بين 2016 و 2019 انخفاض معدل الوفيات الخام إلى9.9 لكل ألف نسمة في عام 2017، و 7.0 لكل ألف نسمة في عام 2019. من جهة أخرى، ارتفعت معدلات الإصابة بالأمراض المعدية وغير المعدية، مثل فيروس شلل الأطفال، والحصبة، والأمراض الشبيهة بالإنفلونزا، والإسهال الحاد، والتيفوئيد، والليشمانيا (حبة حلب) والشلل ، والرضوض النفسية.

ويقدر المختصون ، انخفاض مؤشر رأس المال الاجتماعي بنحو 43 في المائة خلال الفترة مابين 2010 و 2019 مع استمرار القوى المسيطرة في استخدام العنف ، والتخويف لإخضاع الناس، وكانت سياسات التمييز القائم على الهوية واحدة من السياسات الرئيسية ، المستخدمة في تأجيج النزاع من خلال إساءة استخدام تنوع الأديان والأعراق والمناطق والخلفيات الاقتصادية والاجتماعية والعلاقات التقليدية، لخلق التشظي والاستقطاب اللازمين «لإقصاء الآخر وتجريده من إنسانيته». وقد انعكس هذا التدهور في رأس المال الاجتماعي ، تفاقماً كبيراً للظلم الاجتماعي، فأدى إلى تدهور العلاقات الاجتماعية والقيم المشتركة، وأضرّ بالتضامن الاجتماعي ، وقوّض قدرات الناس ، ومشيئتهم.

الضحايا الرئيسيون..النساء

واجهت النساء ، انتهاكات خطيرة، واعتبرتهم التقارير الموضوعة في شأن المرأة السورية خلال سنوات الحرب ، ضحايا رئيسيون للنزاع، فقد تعرضن للقتل والاعتقال والاختطاف والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والعمل في ظروف قاسية وزيادة المسؤولية الاقتصادية، خاصة في حالة العائلات النازحة والنساء أشكال الاستغلال، إلى جانب معاناتهن من الإقصاء السياسي والاجتماعي ، والاقتصادي.

وكانت صحيفة «فايننشيال تايمز» قد نشرت مطلع العام الماضي 2019 ، تقريراً كتبته “كلوي كورنش” من العاصمة – دمشق ، عن تناقص عدد الرجال في سوريا بسبب الحرب، الأمر الذي خلق ظروفاً دفعت النساء إلى العمل خارج المنزل بشكل لم يعرفه المجتمع السوري التقليدي، ويقول تقرير “كلوي” : إن الحملة العسكرية التي شنتها الحكومة السورية والتجنيد الإجباري ، أحدثا أزمة ديموغرافية.

لم يسلم الأطفال بالطبع من انتهاكات متنوعة، مرتبطة ببيئة النزاع ، التي دمرت حياة الأطفال ، وهو نوع انتهاكات صنّفه الخبراء بـ«انتهاكات خطيرة»، مثل اقتصاديات النزاع ، كعمل الأطفال وانعدام الأمن الغذائي، الذي وصل إلى مستويات المجاعة والتهجير القسري، والتفكك الأسري أو فقدان أفراد الأسرة، والفقر، والظروف المعيشية السيئة، ونقص الخدمات الصحية والتعليمية، والتصدع الاجتماعي.

كما تعرض الأطفال لـ«الانتهاكات الجسيمة»، التي تمثل تعرضهم للاختطاف والاعتقال والتجنيد القسري والحصار، إلى جانب «الانتهاكات المأساوية»، التي تمثل تعرضهم لفقدان حقهم في الحياة بشكل مباشر، حيث قتل النزاع العديد منهم.

دمشق

تهديد بيئي خطير

ترصد التقارير ، أيضا، التدهور البيئي ، كأحد جوانب النزاع، فكمية الأسلحة المستخدمة ونوعيتها ، شكل تهديداً بيئياً خطيراً للأراضي الزراعية، إذ تسببت المواد السامة في تلوث التربة، ما يؤثر سلباً على جودة الأراضي الزراعية وقابليتها للزراعة والإنتاج، وأدى النزاع إلى هدر العديد من الموارد الطبيعية، مثل الغابات والموارد المائية نتيجة التدمير أو سوء الاستخدام، مثل قطع الأشجار للتدفئة أو حفر الآبار الارتوازية بطرق غير مستدامة. وتؤثر عوامل الهدر والتلوث على الإمكانات طويلة المدى لاستدامة البيئة، وتنشئ حالة من الظلم ، الذي يطال الأجيال المقبلة.

العدالة لتجاوز النزاع

وفي مقاربات ناشئة للموضوع السوري الحالي مع عدد من دول المنطقة ،التي عانت ومازالت من ظلم النظام العالمي وسياساته، يرى معدو هذه التقارير ، أن سوريا ليست حالة فريدة ، فقد عانى الناس في هذه المنطقة من الظلم على أيدي النظام العالمي في (فلسطين والعراق ولبنان واليمن وليبيا) وغيرها، ويقترح «إطار حالة الإنسان» ، نهجاً تضمينياً ، قائماً على الأدلة ، لتحليل تأثير النزاع وديناميكيته، من منظور العدالة.

ويخلص تحليل النزاع – وفق هذا المنهج – إلى أن الظلم ، كان جذراً أساسياً للنزاع، وسبباً في اندلاع النزاع ، والحفاظ على ديمومته.ويمكن أن يسهم هذا الإطار والتحليل في تشكيل سردية للنزاع مقبولة على نطاق واسع، ومن ثم تكوين مسارات بديلة لتجاوز الاستعصاء، من خلال معالجة الظلم ، كأساس رئيسي للتحول نحو سلام مستدام.

ويقترح الخبراء ، مقاربات بديلة ، لبدء عملية تجاوز النزاع ، بناء على تحليل ديناميكياته والاقتصاد السياسي للقوى الرئيسية الفاعلة فيه، منها التوافقات الاجتماعية وفق نهج تشاركي، تفكيك اقتصاديات النزاع، استراتيجية مراكز التلاقي التنموية، والعدالة للأطفال.

…………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………..

ملاحظة : بعض الاحصائيات والارقام الواردة في هذه التقارير ، تقدم معطيات حتى العام 2016 من عمر الصراع السوري ، نظرا لآليات عمل بعض الجهات الحكومية المعنية ، ونتائج عملها ، ومسار تطور الاحداث وتشابكها ، والتعقيدات التي وصلت اليها، وصبت فيها ، ومن خلالها بالواقع الحياتي اليومي للسوريين.