aren

جدوى عقوبات الغرب ضد “روسيا” … الحرب الاقتصادية تمهد لمواجهة محتملة مع “الصين”
الخميس - 8 - سبتمبر - 2022

التجدد الاخباري – (خاص) مكتب بيروت

يثير مشهد أرفف البضائع الخالية في متاجر أوروبية كبرى، وأرقام التضخم المخيفة، والدعوة إلى التقشف العام والفردي، قلق الطبقة السياسية ورجل الشارع في الغرب عموما. وهو ما دفع “الإيكونومست” ، وهي مجلة اقتصادية مرموقة ، إلى تقويم العقوبات المفروضة على روسيا بعد (ستة أشهر) من اجتياحها الأراضي الأوكرانية، ومحاولة الخروج بالدروس المستفادة حتى الآن، مع الأخذ بعين الاعتبار ، أن “الصين” ، هي الهدف الرئيسي لأي مواجهة غربية محتملة، إن عاجلا أو آجلا.

منذ مطلع الثمانينيات، فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية لدواع سياسية متباينة ضد عدة دول من أبرزها : إيران، وليبيا، والعراق، وأفغانستان، وكوريا الشمالية، وفنزويلا . وسبقت كوبا هذه الدول المستهدفة بالتأديب بفارق عشرين عاما تقريبا. وانضمت دول أوروبا الغربية، وباقي الحلفاء (كندا واليابان وكوريا الجنوبية) إلى هذه الإجراءات العقابية تدريجيا، وإن بدرجات متفاوتة.

بمرور الوقت، لاحظ السياسيون الغربيون، ومؤسسات التقويم الائتماني، أن هذه الدول نجحت في التغلب على القيود التجارية والمصرفية، وتعايشت معها سنين طويلة بفضل اقتصاد مواز ، يوفر لها متنفسا حتى تستمر في الحياة. ورغم هذا المتنفس، المكلف ماليا بطبيعة الحال، أصرت واشنطن على مواصلة استخدام العقوبات كسلاح لإخضاع دول أخرى تناهضها سياسيا. وبعد أيام من اندلاع النزاع الروسي الأوكراني الحالي، اتفقت الكتلة الغربية على حزمة شاملة من العقوبات ضد موسكو ، بلغت في مجملها حوالي 6 آلاف عقوبة وقيد، نظرا لفداحة الخطر العسكري الذي يواجه أوروبا لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية.

وتركزت العقوبات على إخراج روسيا من تيسيرات النظام المصرفي العالمي المعروفة ، باسم ترتيبات “سويفت”، وتجميد حوالي 320 مليار دولار من احتياطات النقد الأجنبي الروسية في الخارج، والحد من تصدير التقنيات الغربية، والمستلزمات الصناعية بأنواعها. وتستهدف هذه القيود خنق الاقتصاد الروسي, وتحويل الحرب الدائرة في أوكرانيا إلى مستنقع يعيد موسكو إلى عام 1990 على أقل تقدير.

حرب اقتصادية مفتوحة

في الحالة الروسية الحالية، تحولت العقوبات إلى حرب اقتصادية مفتوحة يجيد طرفاها استخدام أوراقهما ويلحقان أشد الضرر بعضهما ببعض، ثم تتوسع الأضرار لتشمل العالم بأسره. ففي بداية النزاع، منعت الدول الأوروبية الطيران المدني الروسي من استخدام أجوائها، فردت روسيا بإجراء مماثل مما تسبب في خسائر فادحة لكل شركات الطيران الغربية. وأصبح السفر جوا عبئا ثقيلا من جهتي الوقت والكلفة المالية لكل الركاب المتوجهين إلى آسيا انطلاقا من مطارات غربية. كما تحولت دول بعينها في منطقة الشرق الأوسط على سبيل المثال إلى مقاصد مميزة للطيران الروسي، وانتعشت حركة الطائرات المنطلقة منها إلى مدن روسية.

وردا على حظر واردات النفط الروسي، قدمت الشركات الروسية تيسيرات مالية واسعة النطاق لمستوردين في بلدان مثل : الصين والهند ، مما حقق لموسكو إيرادات هائلة من النقد الأجنبي لم تكن فى الحسبان. ومن المتوقع أن تسجل روسيا فائضا في ميزان المعاملات الجارية بقيمة 265 مليار دولار في العام الحالي بفضل صادرات مصادر الطاقة وحدها.

بمعنى آخر، أن سلاح العقوبات أفاد الخزانة الروسية وليس العكس. كما رفضت قرابة مائة دولة الانضمام إلى مختلف صور الحظر التي حددتها واشنطن ضد الصادرات الروسية بأنواعها. وتستأثر هذه الكتلة بنسبة 40% تقريبا من الناتج المحلى الإجمالى للعالم. وتعد روسيا من أكبر مصدري المنتجات الأولية ومنها النفط، والغاز، والفحم، والمنجنيز، وعدة معادن نادرة تستخدم في صناعات إستراتيجية كالطائرات وأشباه الموصلات. وبالنسبة لانسحاب شركات غربية كبرى من السوق الروسية، نجحت موسكو في تشجيع رجال أعمال محليين على الشروع في تأسيس شركات بديلة تسد الفجوة التي تركها المنسحبون في قطاعات الأغذية، والأدوية، والصناعات الخفيفة بأنواعها.

ورغم صور النجاح الروسية، مازالت التكنولوجيا الغربية المتقدمة كصناعات الرقائق الإلكترونية والبرمجيات تشكل نقطة ضعف أمام الاقتصاد الروسي، ويهدد حظرها قطاعات محلية مهمة كصناعة الطائرات والسيارات. ويؤكد محللون غربيون أن حظر هذه الصادرات سوف يوجع روسيا، ولكن على المدى البعيد . ومن جهة أخرى، فقد استفادت أوروبا بصورة غير مباشرة من سلاح الغاز الذى تستخدمه موسكو بكل فعالية حتى الآن من خلال البحث عن مصادر بديلة لتدبير احتياجاتها منه كبلدان شمال أوروبا، والشرق الأوسط، وإفريقيا، والولايات المتحدة (مستقبلا). ومن المتوقع أن يسرى حظر الاستيراد الأوروبي الشامل للغاز الروسي في شباط\ فبراير المقبل إذا قبلت كل دول الاتحاد الأوروبي بتطبيقه. ويرى خبراء فى الطاقة الجديدة والمتجددة أن أزمة الغاز الأوروبية الراهنة سوف تفيد بالإسراع فى تطوير منظومات الطاقة النظيفة وتخفيض كلفتها العالية. وسوف يستغرق هذا وقتا بطبيعة الحال.

الصين مستقبلا

تمثل “تايوان” قضية شديدة الحساسية بالنسبة إلى الصين بوصفها جزءا لا يتجزأ من أراضيها، تسعى لاستعادته إن سلما أو حربا. وتعمد واشنطن إلى إشعال فتيل التوتر بشأن الجزيرة بين وقت وآخر كأداة للضغط على بكين. وإذا ما وقع أسوأ سيناريو محتمل بتفجر نزاع عسكرى عبر مضيق تايوان، يصبح سلاح العقوبات بديلا متاحا أمام الغرب (كالمعتاد). ولكن الدروس المستفادة من الحالة الروسية تجعل الأمر بعيد المنال إن لم يكن مستحيلا من الناحية العملية.

ويشار في هذا الصدد إلى أن فرض عقوبات ضد الصين يصبح ضربا من الوهم لدواع لا حصر لها. فإذا قررت الولايات المتحدة اتخاذ نفس الإجراءات السابقة، وجمدت أرصدة الصين الدولارية ، وتقدر بنحو ثلاثة تريليونات دولار، مع فصلها عن ترتيبات نظام “سويفت” المصرفي، فمن المستبعد أن ينهار الاقتصاد الصيني لضخامته وتشعب أنشطته. العكس هو الصحيح، إذ تستطيع بكين الانتقام على الفور بحرمان الدول الغربية من صادرات الأدوية والمستحضرات الطبية، والإلكترونيات بأنواعها، وبطاريات السيارات الكهربائية، وغيرها وتتميز بأسعارها التنافسية. ويعني هذا عمليا خلو أرفف المتاجر الغربية من مئات الأصناف، ونشوب حالة من الفوضى التجارية لا يتحمل عواقبها أحد . وإذا قررت الولايات المتحدة إسباغ طابع دولي شامل على عقوباتها ، فلن يتيسر لها ذلك أيضا لأن عدد شركاء الصين التجاريين فى العالم أكبر بكثير من شركاء روسيا ولن يلتفتوا إلى إجراءات قد تلحق بهم أضرارا قاتلة (اقتصاديا).