ما كان ينبغي لمحاولة حزب الله ارسال ثلاث مسيرات نحو طوافة الغاز كريش ان تكون مفاجئة. فالخلفية العامة هي الخلاف بين اسرائيل ولبنان على الحدود البحرية بينهما. في صيف 2000 انسحبت اسرائيل من طرف واحد من لبنان، واتفق على خط الانسحاب البري بعد مفاوضات مضنية مع الامم المتحدة. وسمح الخط المتفق عليه لمجلس الامن أن يقر بان اسرائيل تنفذ قرار الامم المتحدة 425 وان ذاك الخط هو بحكم الامر الواقع الحدود المعترف بها من الاسرة الدولية (وان لم يكن من جانب لبنان).
حاولت اسرائيل منذئذ، دون نجاح، الاتفاق مع الامم المتحدة على الحدود البحرية. الحدود البحرية ينبغي ان تكون متفقا عليها بين الدولتين ولا يوجد سبيل واحد ملزم لترسيم هذه الحدود. ولما كانت الفجوة بين الطريقة التي اختارتها اسرائيل وطريقة الامم المتحدة (بضغط من لبنان) واسعة جدا، فقد اتفق على الا يكون الاتفاق، لكن اسرائيل اوضحت للجميع بانها ستعمل وفقا لطريقتها في الترسيم، وبموجبها ترسم الحدود البحرية من رأس الناقورة باتجاه الشمال الغربي.

بعد سنوات من ذلك تبين انه يوجد الكثير من الغاز الطبيعي في البحر امام شواطئ اسرائيل. هكذا اكتشف بئر تمار وبعده لافيتان وبعد ذلك ايضا كريش وتنين. اكتشاف الغاز والفهم بانه على ما يبدو ايضا توجد آبار غاز كبيرة امام شواطئ لبنان منح حزب الله اداة دعائية جديدة. يجدر بالذكر ان حزب الله هو تنظيم مدعوم تماما، ماليا وعسكريا، من إيران ولهذا فهو ملتزم بالعمل وفق المصالح الايرانية. من جهة اخرى يعرض حزب الله نفسه كوطني لبناني “يحمي لبنان من العدوان الاسرائيلي”. يفهم التنظيم بانه إذا ما شن حربا ضد اسرائيل فقط لان إيران تطلب منه ذلك، فان الامر سيمس بشدة بمكانته في لبنان. بالمقابل، إذا ما عمل عسكريا ضد ما يسميه “السطو الذي تنفذه اسرائيل على مقدرات الغاز اللبناني” فسيكون له اسناد واسع في الدولة. هذا هو السبب الذي جعل نصر الله حتى قبل سنين يدعي بان قيمة الغاز الذي “تسطو” عليه اسرائيل هي 9 مليار دولار.
الفجوة الحقيقية بين اسرائيل ولبنان بالنسبة لموقع الحدود البحرية ضيقة جدا، وذلك عقب النشاط الامريكي الذي اقنع الطرفين بتقديم تنازلات ذات مغزى. ظاهرا، من المجدي للبنان ايضا ان يوافق على الخط المقترح الان من الولايات المتحدة. فالأمر سيسمح له بان يطور حقل الغاز الذي يوجد في مياهه الاقتصادية وان يخفف بشكل كبير من الوضع الاقتصادي الصعب في الدولة. اتفاق كهذا بين اسرائيل ولبنان لا يحصل لان حزب الله يفرض الفيتو ويهدد كل سياسي لبناني مستعد لحل وسط.
لحزب الله سببان لعمل ذلك: هام للتنظيم ان يكون توتر بين اسرائيل ولبنان، الامر الذي يسمح له بان يبقي كما أسلفنا صورة الوطني اللبناني. السبب الثاني السابقة – إذا كان اتفاق رسمي، فان هذا الفعل يشكل نوعا من الاعتراف بإسرائيل، ما من شأنه أن يؤدي الى مزيد من الاتفاقات، بما في ذلك بالنسبة للحدود البرية، وربما ايضا التعاون الاقتصادي. وعليه، فان حزب الله يدعي بان الطوافة التي وصلت لتوها الى كريش تؤدي الى السطو على مقدرات لبنانية ولهذا فانه لن يسمح لذلك ان يحصل. من هنا يمكن أن نفهم لماذا ارسلت المسيرات باتجاه الطوافة، وينبغي الافتراض بان هذه لن تكون العملية الاخيرة في هذا الاتجاه. خير ان يكون الجيش الاسرائيلي مستعدا، لكن لا يقل اهمية عن ذلك اقناع الرئيس بايدن الذي يصل قريبا الى اسرائيل، بمزيد من الضغط على حكومة لبنان لإجمال الحدود البحرية بين الدولتين وهكذا سحب البساط من تحت اقدام حزب الله. الوضع الاقتصادي اليائس في لبنان يسمح بالتأكيد للأمريكيين بعمل ذلك.
يديعوت