aren

تماس أمريكي ــ فرنسي في لبنان \\ كتابة : د.خليل حسين
الثلاثاء - 22 - سبتمبر - 2020

ثمة استراتيجية أمريكية تعتبر لبنان جزءاً من مشاريع المنطقة ومن غير الممكن فصله عن الإطار العام.

تمكنت الولايات المتحدة من تحديد حجم الدور الفرنسي في الشرق الأوسط وخاصة في لبنان منذ منتصف خمسينات القرن الماضي، بعد العدوان الثلاثي على مصر 1956 وحلول واشنطن مكان باريس ولندن في المنطقة، وعلى الرغم من المصالح الفرنسية اللافتة ثمة حدود وضوابط لم تتمكن أيضا باريس من تخطيها أو التأثير في مساراتها، ومن بين تلك القضايا المسألة اللبنانية بمختلف فصول أزماتها المتلاحقة. ورغم العلاقات التاريخية المتميزة بين باريس وبيروت، ظل الدور الفرنسي مرتبطاً بالرؤية الامريكية وحاجة هذه الأخيرة لأي سياقات تدخلية ووفقاً لشروطها والحدود التي ترسمها.

ومن بين هذه السقوف المرسومة سلفاً حدود الحراك الفرنسي في الأزمة اللبنانية الحالية بعد انفجار مرفأ بيروت ومحاولة تشكيل حكومة جديدة، حيث برز دخول فرنسا بشكل قوي من خلال مبادرة متكاملة، الا أن ثمة العديد من المؤشرات التي تشي بضبط سرعة المبادرة الفرنسية ووضع ضوابط محددة لها إن لم يكن تحجيمها، رغم أن ثمة من يقول إن محاولات جرت لتجميدها وإنهاء العمل بها، وما عزز هذه الفرضية تأخر انطلاق تشكيل حكومة جديدة الأمر الذي يعزز الخوف أكثر فأكثر من وضع لبنان في مسارات لا تحمد عقباها. وعلى الرغم من استشعار مخاطر تلك السيناريوهات ثمة من يواصل عمليات تصعيد في المواقف ويتكئ على أطراف إقليمية وبالعكس أيضاً.

من الواضح أن باريس مشت منذ بداية مبادرتها في لبنان وفقاً لتنسيق واضح ومحدد مع الإدارة الأمريكية انطلاقاً من معرفتها المسبقة بحجم ومدى الدور المعطى لها أو أقله القادرة عليه، لكن الرؤية الأمريكية تنطلق في الأساس من إعطاء فرصة محدودة النتائج للدور الفرنسي في الوقت الضائع من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، إضافة إلى وجود عناصر أخرى تتيح لواشنطن التأثير بشكل مباشر في الحراك الفرنسي وتحديد أطره ومستوياته وحتى نتائجه إن حصل، وهذا ما تدركه باريس بدقة ولا تتمكن من تجاوزه، فهي وإن وضعت مساراً زمنياً لتنفيذ بعض بنود المبادرة، إلا أنها اضطرت للتخفيف من حجم الضغوط على الأطراف اللبنانية انطلاقاً من عجزها منفردة على الدفع بالأطراف اللبنانية للمضي كما تشاء في تنفيذ مبادرتها، وهو أمر ترافق مثلا مع دفع الولايات المتحدة التدخل مباشرة عبر إرسال موفدين إلى لبنان ومن بينهم مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، عبر ادخال قضية ترسيم الحدود البحرية اللبنانية -الإسرائيلية كموضوع متلازم مع قضايا أخرى ومن بينها الحكومة ومشاريعها وفقا للمبادرة الفرنسية.

في أي حال من الأحوال، ثمة تماس فرنسي أمريكي واضح في الحراك القائم لفرض مسارات محددة للأزمة اللبنانية الحالية، ثمة من يعتبر أن باريس تعتبر نفسها، كما بعض اللبنانيين، «الأم الحنون» التي ينبغي عليها تأمين السبل الكفيلة بإخراج لبنان إلى بر الأمان، وهي حاولت بصرف النظر عن قدرتها منفردة أم لا، في المقابل، ثمة استراتيجية أمريكية تعتبر لبنان جزءاً من مشاريع المنطقة ومن غير الممكن فصله عن الإطار العام، ما يجعله أداة لممارسة الضغوط عليه داخلياً ووسيلة لضغوط خارجية عبره، وهو أمر ليس بجديد أصلا، إلا أن ظهور الموضوع بشكل فج حاليا مرده ترافق أزمته مع متغيرات استراتيجية في المنطقة من بينها مشاريع السلام العربي الإسرائيلي الذي سيكون لبنان جزءاً منه وفقاً للاستراتيجية الأمريكية.

ثمة سباق واضح بين انفجار الوضع في لبنان بشكل واسع ومتعدد الأوجه وانفجار الوضع وفقا لضوابط محددة يمكن السيطرة عليها، وفي كلتا الحالتين سيكون لبنان مرتعا خصبا لحسابات الخسارة والربح للقوى الفاعلة فيه وخارجه، فالتماس الفرنسي الأمريكي ليس وحده من يحدد ضوابط اللعبة في لبنان، بل ثمة أطراف إقليميين لها وزنها ومشاريعها ومصالحها في لبنان والمنطقة، فإيران لن تسمح لفرنسا مثلاً أن تقطف نتائج الوضع القائم، وهي تفضل التعامل مع الأمريكيين في الملف اللبناني بعد الانتخابات الرئاسية، كما لتركيا حساباتها الخاصة في الملف اللبناني ربطا بالتماس مع فرنسا في شرق وجنوب المتوسط، علاوة على المصالح الإسرائيلية مما يجري في المنطقة، وفي أي حال من الأحوال لن تكون باريس قادرة منفردة على رسم حلول لأزمات لبنان المتعددة، وستظل محكومة ومرهونة بمحددات الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة ومن ضمنها لبنان.

“الخليج”الاماراتية