\ترجمة\ التجدد الاخباري –
الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي عن منظوره للمسألة، ويرى أن على الرئيس الأمريكي مقاومة نصائح مستشاريه، والتخفيف من حدة التوترات في الخليج العربي.
منذ 21 عامًا، اختارت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بناءً على توصية مني، اسمًا للعام 2001، ليكون عام «حوار الحضارات»، وأبدت التزامها بالسلام ورفضها للحرب وأعمال العنف. ومن جانبه، فتح الشعب الإيراني صحفة جديدة مفعمة بالأمل من التواصل والحوار مع الدول العظمى «الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا»، وذلك على الرغم من مظالمها القديمة وتاريخها المضطرب.
لكن هذه الآمال تبددت بسبب الأعمال الإرهابية التي وقعت يوم 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وما تلاها من تداعيات مفجعة في الحروب المدمرة التي وقعت في غرب آسيا.
فقد تفاقمت المشكلات العالقة بالفعل من جراء الحروب الكارثية في العراق وأفغانستان، والتدخلات الأخرى في المنطقة، التي مهدت الطريق أمام نمو الإرهاب الدولي، والحروب الأهلية في سوريا والعراق، وأعمال النهب وجرائم الحرب التي لا تزال متوالية في اليمن. وما فعلته هذه الصراعات هو أن جعلت المنطقة غير آمنة وأثّرت على الأمن في أنحاء العالم.
في ذلك الوقت نفسه، صار تطور برنامج إيران النووي المُسالم اختبارًا لحوارات السلام. فمن أجل بناء الثقة مع المجتمع الدولي، سعت إدارتي إلى الحوار، وبعد سنواتٍ من المفاوضات الشاقة المضطربة، نجحت حكومة الرئيس روحاني في التوصل إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة» -التي عُرفت بالصفقة النووية الإيرانية- مع ست قوى عالمية أخرى.
أعلنت إيران مرارًا أنها لا تسعى إلى صناعة سلاح نووي. وفضلًا عن احترام التزامها بمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وافقت -في بادرة على حسن النية- على تدابير «خطة العمل الشاملة المشتركة» للتأكد من إمكانية التحقق بشفافية من الطبيعة المسالمة لبرنامجها النووي المدني. وكان التوصل إلى ذلك بنجاح، إنجازًا كبيرًا أثبت أن الثقة المتبادلة والمعاملة بالمثل بين إيران ودول مجموعة 5+1 لم يكن فقط ممكنًا، بل مطلوبًا أيضًا.
الأكثر من هذا أنه كان بمثابة أساس مهم يبنى عليه، ويحوي في إطاره احتمالات إقامة علاقات أكثر إثمارًا وإيجابية بين أممنا في المستقبل. ولكن للأسف، كانت إيران الدولة الوحيدة التي التزمت بجميع نصوص «خطة العمل الشاملة المشتركة»، بينما الأطراف الأخرى الموقعة إما انتهكتها وإما تنصلت من مسؤولياتها بموجبها.
وبينما كانت إيران تلعب دورًا حاسمًا في دحر إرهاب تنظيم «داعش» في المنطقة، قررت إدارة ترامب أن تبدأ جولة جديدة من أعمالها العدائية ضد بلدي، وذلك بانسحابها غير الشرعي من الاتفاق النووي، منتهكةً قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231، الذي اشتركت الولايات المتحدة بنفسها في رعايته، بالإضافة إلى شن حملة من العقوبات الاقتصادية ضد الشعب الإيراني.
وهكذا يعاقب الرئيس ترامب إيران، بل والمجتمع الدولي، ليس على انتهاك نصوص خطة العمل الشاملة المشتركة، وإنما على الالتزام بهذه الاتفاقية القانونية الدولية الخاضعة لعقوبات الأمم المتحدة. وبخروجها من الصفقة الإيرانية، تعدت إدارة ترامب على مبادئ الحوار والتواصل وبناء التحالفات. وقد ازدرت قضية السلام؛ إذ تفرض العقوبات الصارمة، وما يُعتبر فعليًّا حصارًا على إيران، وعقابًا جماعيًّا على بلدٍ لم يرتكب أي خطأ على الإطلاق.
وتُصعّد الإدارة الأمريكية الحالية من حدة التوترات في الخليج العربي؛ مما يزيد معه احتمالية الاصطدام، أو حتى قيام حرب شاملة بين بلدينا. لكن إعادة فرض العقوبات القاسية وتجدد التهديدات العسكرية لن يُخضع الحكومة الإيرانية أو الشعب الإيراني. فالعقوبات، مثلها مثل الإرهاب، عشوائية في أهدافها وعواقبها وخيمة.
وفي يومنا هذا، يواجه الشرق الأوسط مرة أخرى أزمة ليست من صنيعه؛ أزمة لم تكن ضرورية وكان من الممكن تجنبها. فلا يجب أن تكون الأمور على هذا النحو، ولا تزال ممكنة إلى الآن تهدئة التوترات المتصاعدة. ينبغي أن يسود الهدوء، حتى لا تجد المنطقة نفسها متورطة في دوامة أخرى من العنف. أما هذه الدائرة من النزعة الأحادية المتعجرفة، واستبدال الحلول العسكرية بالسياسية، فينبغي أن تتوقف، وينبغي لإدارة الولايات المتحدة احترام الالتزامات الدولية باختيار لغة الحوار بدلًا عن دبلوماسية الإرغام والتهديدات بالحرب.
وبصفتي شخص كرّس حياته للدفاع عن الحوار بين الثقافات والحضارات، والسلام العالمي، والديمقراطية، والتسامح وحقوق الإنسان، أُعرب عن قلقي البالغ إزاء مستقبل الأمة الإيرانية والبلدان الأخرى في منطقتنا. وانطلاقًا من هذه الروح، أدعو ذوي الضمائر في الولايات المتحدة وحول العالم إلى الدعوة للسلام و«حوار الحضارات»، بدلًا من الدعوة إلى فكرة «صدام الحضارات».
وينبغي أن نشكّل تحالفًا من أجل السلام ينادي بعدم الدخول في حرب مع إيران لتفادي كارثة. وبالنظر إلى حدة مستوى التوترات في منطقة الخليج العربي، فإن الوضع دقيق ومتفجر على السواء.
على الرغم من الضغط الذي يشكله بعض مستشاريه، لا يزال الرئيس ترامب يملك خيار العودة في تصعيدات إدارته غير الضرورية. وعليه أن يكون واعيًا بأن الإيرانيين صامدون. حارب الإيرانيون لما يزيد على القرن منذ الثورة الدستورية عام 1905، للحفاظ على كرامتنا واستقلالنا. وكانت عملية التفاوض على خطة العمل الشاملة المشتركة دليلًا على حسن نوايا إيران والتزامها بالسلام الدولي القائم على الاحترام.
والسؤال هنا هو ما إذا كانت الإدارة الحالية للولايات المتحدة على استعداد للرد بالمثل، وليس بمواصلة الإهانات والتهديدات واستخدام لغة استعمارية تناسب القرن التاسع عشر أكثر مما تناسب القوى العالمية في القرن الحادي والعشرين.
يسهل التدمير، بينما البناء أصعب بكثير. والصعوبات التي تواجه إقامة سلام مستمر هي صعوبات حقيقية. لكنها صعوبات ليست عصية على الحل، وعلينا كذلك أن نكون استباقيين في دعوتنا إلى السلام والحوار لمصلحتنا الخاصة ومصلحة الأجيال من بعدنا؛ إذ إن الحوار والتعاطف وإبداء أحدنا الاستعداد للاستماع إلى الآخر، هي الطرق الوحيدة نحو آفاق مفعمة بالأمل لمسقبلٍ مشرق.
الرئيس الإيراني الأسبق
https://www.theguardian.com/commentisfree/2019/jul/22/trump-punishing-iran-risks-full-scale-war