aren

تحديات الحكومة اللبنانية الجديدة\\ كتابة : د.خليل حسين
الجمعة - 14 - فبراير - 2020

ثمة ظروف من الصعب على الحكومة مواجهتها، في وقت يحتاج لبنان إلى معجزة من العيار الثقيل لتكوين بيئة مبدئية لإنقاذه، وهو أمر غير متوفر، للأسف، حتى الآن

ليست سابقة أن تنال الحكومة اللبنانية ثقة هزيلة وصلت إلى 63 صوتاً، أي أقل من الأغلبية المطلقة، إلا أن غريب المفارقات أن حملة المعارضة التي وُجهت إليها كافية لحجب الثقة عنها، وبحساب بسيط لو حضر من عارضها الجلسة وصوتوا ضدها لسقطت. ما يفسر الانقسام العمودي الحاد بين اللبنانيين سلطة وشعباً، في ظل ظروف هي الأصعب والأسوأ التي يمر بها في تاريخه السياسي الحديث.

في واقع الأمر، ثمة تحديات كبيرة تواجه الحكومة، وهي من مستويات رفيعة تستلزم توحّداً وإجماعاً حول الرؤى والمواقف التي ينبغي أن تتخذ؛ فالوضع المالي والاقتصادي على حافة الهاوية وينذر بسقوط ذريع، في وقت يختلف اللبنانيون على من يتحمّل المسؤولية، وكيفية تحميلها، علاوة على غياب مشاريع الحلول القابلة للتنفيذ سريعاً، في وقت يشعر البعض بترف سياسي متمادٍ، يقابله حراك بدأ يتخذ شكل ثورة يمكن أن تجتاح ما تبقى من سلطة تبدو هزيلة، وآيلة للسقوط.

ثمة 27 استحقاقاً مالياً على الدولة خلال عام 2020، يصل مجموعها إلى ستة مليارات دولار، أكثرها حراجة في التاسع من مارس/ آذار المقبل، وقيمته 1.2 مليار دولار كاستحقاق لسندات اليوربوندز، إضافة إلى استحقاقات داخلية للمصارف، في وقت لا يملك مصرف لبنان سوى 30 مليار دولار في الاحتياط من العملات الأجنبية، وينبغي أن تكون مخصصة لتمويل السلع الأساسية للمجتمع اللبناني، في وقت يتخبط المصرف والواقع المالي بسعرين لسعر صرف الدولار تجاه العملة الوطنية.

والأنكى في هذا المجال، ليس هناك قرار، أو رؤية واضحة حول كيفية التعاطي مع مجموعة الاستحقاقات الداهمة. فثمة من يدعو إلى المضي في دفع الاستحقاقات، ولو على حساب المتطلبات الأساسية للشعب، وهو إجراء بالتأكيد غير شعبي، وسيؤدي إلى حالات وصور أقرب إلى أزمة غذاء حادة، إن لم نقل مجاعة، على قاعدة حماية سمعة لبنان المالية، وملاءتها الدولية؛ في مقابل من يعترض على الدفع ويدعو إلى التفاوض على جدولة الديون عبر استشارة من صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، باعتبارهما المنقذ في اللحظة الأخيرة التي يمكن أن يعطيا إنعاشاً مرحلياً عبر شراء الوقت. وفي واقع الأمر، فإن الخيارين كلاهما مُر، والنتيجة نفسها على المدى الطويل.

إن قراءة سريعة للبيان الحكومي، تظهر عدم إمكانية مواجهة اقلّه الاستحقاقات المالية الداهمة، والحكومة التي ورثت في الأساس ملفات لا طاقة لأي حكومة على مواجهتها، ستكون عاجزة عن تقديم حلول جزئية، في وقت تسابق الزمن مع معارضة شعبية وازنة، وسياسية من بعض القوى المنافسة لها، وبالتالي لن تجد فرصة حتى لبعض الملفات الإجرائية التي يمكن أن يعوّل عليها، كإجراء انتخابات نيابية مبكرة مثلاً، وفق قانون انتخابات جديد عجزت حكومات جبارة سابقاً عن إنجازه، وبالتالي لا إمكانية لإعادة تكوين السلطة كما تأمل قوى الانتفاضة في الشارع.

وعلاوة على الضغوط الداخلية الشعبية، ثمة كلام كثير، وعالي النبرة، بدأ يرتفع حالياً، مفاده أن قوى دولية وإقليمية فاعلة بدأت ترفع الغطاء عن الواقع اللبناني الذي تم تحييده نسبياً عن حراكات المنطقة سابقاً، وبالتالي يمكن أن تشكل هذه المواقف قريباً، زيادة منسوب الخوف من تسارع الأوضاع نحو الانهيار الكبير الذي تخوّف منه اللبنانيون عملياً، منذ منتصف العقد الماضي، والذي يراه كثير من المتابعين وأصحاب الحل والربط أنه أمر بات واقعاً ملموساً لا مفر منه. وما يمكن أن يسهم أيضاً في تسريع هذه الصورة المقلقة، الواقع الاجتماعي اللبناني الذي وصل إلى أسوأ صوره: بطالة غير مسبوقة تصل إلى أكثر من 50%، وهجرة مرعبة وصلت إلى السبعين ألف شخص العام الماضي، وتآكل العملة الوطنية في ظل تضخم متسارع، وتفشي المظاهر الاجتماعية السلبية كحالات الانتحار، والسلب، والقتل. باختصار، ثمة ظروف من الصعب على الحكومة مواجهتها ووضع الحلول لها، في وقت يحتاج لبنان إلى معجزة من العيار الثقيل لتكوين بيئة مبدئية لإنقاذه، وهو أمر غير متوفر، للأسف، حتى الآن.

“الخليج”الاماراتية