aren

تبدلات في اللعبة السياسية الأمريكية \\ بقلم : د. عماد فوزي شعيبي
الإثنين - 13 - سبتمبر - 2021

‏اللافت في السياسة الأمريكية الجديدة ، أنها تنحاز إلى السياسة الواقعية ‏بخلاف السياسة المتشدِّدة ، التي ‏كانت أقرب إلى المنحى الإيديولوجي ، او المنحى الُمغاير لطبيعة السياسة الواقعية ، ‏الذي عرفته السياسة الأمريكية لـ(عقد) خلى.

‏وغدا -مؤخراً- هذا الاتجاه غالبًا ‏على السياسة الخارجية الأمريكية ، يظهر الأمر في الانسحاب من أفغانستان دون تمهل وفق القاعدة الواقعية، التي تقول الانسحاب من الحرب لا يمكن الفوز بها‏بعيداً من مقولتي الهزيمة أو النصر ، ‏أفضل من الاستمرار بها. ‏

كذلك الاستجابة السريعة لضرورة فتح ثغرة في الحصار على كل من لبنان وسورية ‏(بدلا) من أحكام الحصار دون أي ثغرات وفق القاعدة الشهيرة في السياسة الواقعية التي تقول : ‏افتح ثغرة قبل أن يكون الحصار (المطلق!) طريقاً لأثمان لاطاقة لك بها. وخشية الخسارة في التنافس الإقليمي-الدولي في المنطقة.

‏اللافت أكثر ، أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد تتدخل بالتفاصيل!!! وأنها تفسح في المجال أمام الدول أن تتحرك ، وفقًا لمصالحها على أن لا تتناقض كليًا مع المصالح الأمريكية، وهذا ما يفسّر اجتماع بغداد الأخير، ‏وهو ما سوف يُفسر لاحقاً قرب عودة العلاقات الدبلوماسية مع “دمشق”، ‏وربما الانسحاب خلال أشهر من الشمال السوري.

‏والامر (نفسه) قد يفسر أن الولايات المتحدة الأمريكية قد لا تذهب إلى صراع ُمباشر مع الصين ، رغماً عن كل الظروف التي تهيئ لذلك؛ ‏على اعتبار أن الصراع المباشر ، ستكون تكلفته عالية وهذا ما لا طاقة لواشنطن على ذلك في مرحلة اقتصادية صعبة عليها ، وعلى العالم معاً. ‏فضلا عن أن الصراع بين الكبار لا يكون مباشراً ‏، وعادةً يُفضل أن يكون التلويح بالصراع ، مدخلاً إلى المساومة ، وإلى مقاسمة الإرادات

‏الكبار لا يتصارعون ، كما يتصارع الصغار مع الصغار، أو الكبار مع الصغار! ‏ثمة لغة أخرى ، فيها رزانة الموقف الذي يستبعد الصدام ! ‏وهنالك قواعد لا يحيد عنها الكبار مع بعضهم البعض ، ومنها عدم كسر هيبة ، أو وزن الآخر كلّياً؛ لأن كسر هيبة الكبير ، تعني الرد بكسر هيبة الكبير ( الثاني)؛ فكسر الهيبة ليس من السياسة الواقعية لأن (الهيبة تتعمم) ! وعالم بلا كبار ‏يفتقد إلى القواعد، وهذا ما تعرضت له السياسة العالمية عند غياب السياسة الواقعية إلى حين. ‏وثمة اليوم عودة من جديد إليها

‏طبعا لا يرضي هذا النوع من التحليل المستند إلى لغة الكبار (الخاصة) ، الميول الإيديولوجية والتعبوية في التحليل، ‏ولكنه واقع الحال، وناقل الكفر ليس بكافر! 

وعمومًا ، لا يبدو من المفاجئ أن ‏نرى ونسمع المزيد من المواقف، التي لم تكن مألوفة لدى المراقبين للسياسة الأمريكية ، وخاصة في مناطق عديدة كانت تعتبر على مدة اكثر من 70 عاماً ، ‏أولوية كبرى في السياسة الأمريكية.

‏الأمريكيون ، ينكفئون ‏أحيانا بعقلانية ، وأحيانا بدونها، ولكن تياراً غالبا ‏اليوم في الدولة العميقة ، ‏يميل إلى السياسة الواقعية ، وهو ياخذ فرصته. ‏و هنالك احتمال لصراع داخل الدولة العميقة (نفسها)، ‏وقد يطيح في لحظة ما بين رواد السياسة الواقعية، الذين ياخذون فرصتهم اليوم.

‏المهم في التحليل الآن ، أن رواد السياسة الواقعية ، هم اليوم في الواجهة. ‏وهؤلاء لا يخضعون للعقلية المتشددة الأيديولوجية ، ‏رغم بعض التدخلات ‏الأيديولوجية هناوهناك ‏التي تشوه اللوحة الواقعية، رغم أن الجرعة الواقعية عالية إلى حد كبير ، حتى الآن.

هذه المقالة تعبر عن رأي صاحبها