aren

بين (الياسين وبدران) : كواليس “لحظة الانفجار” … وسرديتان تاريخيتان لـ”الغلطة الكبرى”
الأحد - 20 - يونيو - 2021

(خاص – حصري)

التجدد الاخباري

صدر في العاصمة الأردنية عمان كتاب ( 40 عاماً مع صدام حسين) للدكتور “نديم أحمد الياسين” عن دار دجلة – ناشرون وموزعون. وجاء الكتاب في 176 صفحة ليوثق جوانب مهمة من الاحداث التي عاشها (الياسين) برفقة الرئيس الراحل صدام حسين على مدى اربعين عاما من العلاقة بينهما.

فقد شغل (الياسين)، مواقع في العراق، قبل الاحتلال كان ابرزها : رئاسته لدائرة المراسم والتشريفات في رئاسة الجمهورية ، التي استقى منها أغلب المعلومات الواردة في كتابه. كما يتحدث الكتاب بسردية سلسة عن مرحلة مهمة من حياة العراق ، وحياة الرئيس صدام من خلال معايشة الياسين لبعض الاحداث، وقسم منها يماط اللثام عنه للمرة الاولى ما أعطي الكتاب أهمية خاصة. وضم الكتاب ملحقا من الصور التي توثق جانبا من العلاقة وبعض الاحداث المهمة في حياة صدام حسين ، مع إيراده معلومات بقيت خفية و(تنشر لأول مرة) ، خصوصا لجهة كواليس الايام الاخيرة ، التي سبقت قرار الغزو العراقي للكويت.

على جانب مواز ، ظهرت في دور النشر والمكتبات ، مذكرات رئيس الوزراء الأردني الأسبق “مضر بدران”، تحت عنوان (القرار) ، والتي يتناول فيها بـ”جرأة” واحدة من أكبر الازمات التي عاشتها المنطقة والعالم ، والتي اصطلح على تسميتها “الغزو العراقي للكويت في حرب الخليج الثانية 1990 “.

مذكرات” مضر بدران”

في مذكراته ، يتطرق (بدران) الى قصف صدام لإسرائيل بثمانية صواريخ. ويتابع القول: «كنّا على يقين بأن صدام حسين لن يضرب جيشاً عربياً، لكنه سيدمر أي جيش أجنبي وسيشتبك معه». ثم يربط (بدران) بين انسحاب صدام من الكويت وانسحاب إسرائيل من الضفة الغربية والقدس، وبينما يذكر (بدران- رئيس الوزراء الاردني – يومذاك) بالتفصيل ، نصائحه لصدام وقادته العسكريين ، فانه بالآن نفسه ، يضيف دعمه الكامل لهم في مواجهة الكويت والسعودية ودول الخليج والتحالف الدولي.

ويتابع ، ان أكبر الخونة (إبان) غزو صدام للكويت ، كانت “جماعة الإخوان المسلمين” – الأم ، وخصوصاً فرع الجماعة في الأردن ، فقد تجلت خيانة الجماعة بكل فروعها أثناء احتلال الكويت من تنظيم الإخوان الكويتي والدولي والأردني (تحديداً).

هكذا تعرّفتُ على صدام

توازيا . هنا يبدو “نديم الياسين”، شاهدا يسرد ويكشف ويشرح ما سمعه حاضرا ، أو ما استرق السمع عنه، ويوضح أكثر فأكثر لينقل الكاتب عن صدام أن كل دول الخليج بلا استثناء شاركتْ حسب زعمه في ما سماه “مؤامرةَ” خفْضِ أسعار النفط ، لكنه يكشف في أكثر من موقع أنه أراد التركيز فقط على (الكويت)، ولذلك حاول تحييد زعماء خليجيين – ظناً منه- أنهم يمكن أن يمنحوه غطاء للغزو.

وحول هذه المحاولات الملتبسة – يروي الياسين – انه تم استكمالُها بإعداد ورقةٍ سريعة تسمى « معاهدة تعاون وعدم اعتداء بين الكويت والعراق » خلال زيارة أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد قبل أشهر من الغزو إلى بغداد ، وتوسيمه بأرفع وسام عراقي شكراً له على دعم صمود بلاد الرافدين.

وعندما طلب الشيخ جابر من صدام أن تُترك المعاهدة للمختصين ، كي يدرسوها قبل التوقيع، هزّ رأسه باسماً وقال لمرافقيه وهو يودّع الشيخ جابر إن هذه المعاهدة كانت لمصلحة الكويت… كان يدرك ماذا يفعل تماماً، كما كان الشيخ جابر الأحمد يدرك ماذا كان صدام يفعل.

ويروي الكاتب أن صدام ، استدعى “حسين كامل”، (صهره) ومسؤول الحرس الجمهوري – آنذاك، الى لقاء يُعقد بينه وبين الحسين ملك الأردن الراحل ، الذي كان يحاول نزْعَ فتيل الأزمة، وقال له حرفياً – كما ورد في الكتاب-  : “حضر العصي” أي تهيئة الحرس الجمهوري للغزو، ثم أدخل نائب رئيس الأركان (حسين رشيد)، وطلب منه إخراجَ الخرائط العسكرية وذلك قبل أسابيع من (الغلطة الكبرى).

وهنا يتابع الكاتب ، سرد المحضر ، الذي – للمفارقة – كان (مضر بدران)أحد الحاضرين والشاهدين فيه بصفته رئيسا للوزراء الاردني (حينها ) ، وكيف أن الملك الحسين ، أبلغ صدام ، بأن غزو الكويت ، سيضرّ العراق أولاً ومنظومة الأمن العربي ثانياً، وكيف شرح “مروان القاسم”، وزير خارجية الأردن – آنذاك للوفد المحيط بصدام ، ماذا سيكون عليه رد الفعل الأمريكي والدولي.

وعندما ردّ عليه وزير الإعلام العراقي – آنذاك “نصيف لطيف الجاسم” بمقولة صدام نفسها: “سنلقّنهم درساً لن ينسوه”، عقّب القاسم: “هذه ليست حرباً تقليدية سيقاتلونكم دون أن تروهم”، ليكتشف غياب أي فكرةٍ لدى قادة العراق عن حرب الصواريخ المسيَّرة من البحار ومقاتلات الشبح.

ويتفرد الياسين – الكاتب ، برواية ، مفادها : ان خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك فهد بن عبد العزيز، اتصل برئيس ديوان الرئاسة العراقية ، يسأل عن صدام في يوم الغزو، فردّ الأخير أنه في الجبهة ، ولا يَعرف الوصول إليه.

ثم ينسب للملك فهد ، أنه طلب من هذا الموظف أن يُبْلِغ إلى صدام بأن يوقف الغزو ، مقابل مجموعة إجراءات ، واضح انها محمولة على صيغ مبالغ فيها ، وخصوصاً عروض توزيع (الجُزُر)، وتقسيمها. ويستمر الكاتب في كشف نيات صدام ورفاقه ، رغم المبررات الاقتصادية التي أُعطيت لجريمة الغزو، فينسى الاقتصاد وأسعار النفط وحقل الرميلة ، ويكشف الحقيقةَ في لحظة تخلي وعدم تركيز.

هنا حسين كامل عندما يتحدّث عن خور عبدالله يصرخ: “الحل ان نأخذ الكويت كلها ونصحّح الظلم التاريخي”. وهنا طارق عزيز يدخل ديوان الرئاسة ، ويقول إن القيادةَ قررت، في اللحظة التي يعطي فيها صدام العالمَ ، وعوداً بالانسحاب، “ضمّ الكويت واعتبارها المحافظة 19″… أي ان الكاتب يكشف أن كل مبررات الغزو كاذبة، وأن الهدف هو “تصحيح وضع تاريخي وإعادة ضم المحافظة 19”.

مرة أخرى، في الفصول المعنونة : “هكذا تعرّفت على صدام”، يعرف الكاتب العالم مجدداً بصدام الحقيقي واستيعابه للأمور، فبعد أيام، فقط أيام، من بدء حرب تحرير الكويت، ينقل الكاتب عن “حسين كامل” ، أنه دخل ديوان الرئاسة ، وقال : إن كل الدفاعات الجوية العراقية تدمّرت ، وإن “العدو كسب الحرب”.

\بالخلاصة \

لم تزل الأسئلة ، تتوالى دون إجابات على تلك الأسئلة ، التي يثيرها نشر هذه المذكرات وتضاربها، وعن توقيت النشر ، وفوائده ، فثمة من يريد إعادة رواية التاريخ كاملة ، أو لنقل رواية تنفع للاستهلاك المحلي ، ولا يعلم عنها الآخرون شيئا. وثمة من يسرد في سبيل الاضاءة على زوايا معينة في حياة من حكم العراق ، تمجيدا وتخليدا ، بل واقترابا من “التقديس” أحياناً .

هي ، اذن مشكلة ثقافة عربية… – للاسف – تستمر.