ليس في الولايات المتحدة حزب «حقيقي» بالمعنى الإجرائي والسياسي للكلمة, يتسلِّح بـ«الأيديولوجيا», او يُحركه منظِّرون وقيادة مركزية, كما حال التجربة السوفياتية التي اقتدت بها أحزاب شقيقة وأخرى تابعة وثالثة أطلّت من بعيد على الماركسية اللينينية, حاذرت التقدّم بخطوات جذرية ونوعية باتجاه اعتناقها وتعميمها, في مجتمعات لم تنضج بعد للسير على هديها, لأسباب اجتماعية واقتصادية وأخرى لها علاقة بالتراث الشعبي والعقيدة الدينية. لهذا لم يكن مفاجئاً وصول تلك الأنظمة/الأحزاب الى طريق مسدود, أدّى للفشل وانفضاض المناصرين سريعاً عنها, ولم تترك سوى سمعة الفساد والإستبداد والصراع على السلطة الذي رافقها حتى انهيارها, ومُطاردة قادتها الذين وصل معظمهم الى السلطة عبر انقلابات عسكرية.
إلا انه صحيح أيضاً بعد هذه المقدمة الطويلة, أن الولايات المتحدة بما هي الدولة الإمبريالية الأولى ومعقل النيوليبرالية المتوحشة, وأعتى قوة عدوانية في التاريخ, كانت لها إسهاماتها في ايصال العالم أجمع, الى ما هو عليه من أزمات واحتقانات وتوترات وحروب وإرهاب, قادته وموّلته ورعته, على نحو أفضى ضمن أمور أخرى, لسقوط ملايين الضحايا وانهيار إقتصادات وزحف المجاعة والأمراض والأوبئة, وارتفاع غير مسبوق في ثروات وجشع طبقة الأثرياء, واحتكارات الشركات والأرباح الخيالية لشركات السلاح, ودائما دعمها أنظمة الإستبداد والقمع الفاسِدة والمُفسِدة, التي تعمّ دول الجنوب أو ما اصطلح على تسميته العالم الثالث.
ما علينا..
لم يكن ليُصدّق أن ما يجري الآن في الولايات المتحدة, من تجاذبات وتراشق الإتهامات بالكذب والتزوير, واللجوء الى المحاكم وتسيير «العرّاضات» المليشياوية المناصرة لتنظيمات فاشية وأخرى عنصرية, وثالثة ذات دوافع دينية مُتصهينة كالأفنجليين, إضافة الى العُنصريين الذين يؤمنون بسيادة وتفوّق «الرجل الأبيض”, الذي لا يرى «الألوان» البشرية الأُخرى مساوية له في القيمة والدور والذكاء, فضلاً عن رد الفعل الذي أبداه هؤلاء «المنبوذون» والمُطاردون الذين باتت حيواتهم لا تزيد قيمتها عن ثمن رصاصة واحدة, من مُقاومة واستعداد للدفاع عن حقوقهم, في بلد يزعم أنه بلد الحريات والديمقراطية ونموذج قِيم الديمقراطية والحُرّيات وحكم القانون.
كل هذا بات الآن أمام الإختبار, بعد ان أوصلت الإنتخابات الرئاسية أميركا الى «فوضى», تكاد تشبه – الى حد كبير–, تلك التي سادت الإتحاد السوفياتي في زمن البيريسترويكا, فضلاً عن كثيرين لم يَستبعدوا حدوث «ثورة مُلوّنة», كتلك التي برَعتْ السفارات الأميركية في ترتيبها ودعمها في دول اوروبية وعربية (ثورات الربيع العربي المزعومة),خصوصا في مجتمع من الُمهاجرين وصل فيه الاستقطاب والإنقسامات العِرقية والإجتماعية والثقافية.. الذروة.
قد تكون ثمة مبالغة في الذهاب بعيداً في احتمال قيام إحدى الولايات أو أكثر, إعلان إنفصالها عن الحكومة الفدرالية, وما قد يّجرّه ذلك من استعادة لأهوال الحرب الأهلية الأميركية قبل قرن ونصف, إلاّ أنه احتمال وارد بعد ارتفاع منسوب التصدّعات على نحو غير مسبوق..أفقياً وعامودياً, ولم يعد ثمة شيء مُستبعّداً, في بلاد طالما عملت على إثارة الفوضى وإشعال الحروب في العالم… وربما يكون دورها حان الآن.
“الرأي”الأردنية