aren

“بيروت ١٩٥٨” … ودروسها
الثلاثاء - 18 - فبراير - 2020

جد

غلاف الكتاب

“التجدد الاخباري” + مركز “كارينغي” للشرق الاوسط

يتحدث “بروس ريدل”، في مقابلة معه، عن كتابه الأخير حول نشر قوات المارينز الأميركية في لبنان قبل 62 عاماً.

أجرت “ديوان،  مقابلة مع ريدل عن كتابه الأخير “بيروت ١٩٥٨” (Beirut 1958) ، الذي صدر العام الماضي، لسؤاله عن الدروس التي يمكن استخلاصها من التدخل الأميركي في العام 1958 ، وفرص تطبيقها على السلوك الأميركي في الشرق الأوسط اليوم.

young_color_medium

يونغ

مايكل يونغ: ما الذي دفعكم إلى نشر كتاب في العام 2019 عن التدخل الأميركي المنسي في لبنان العام 1958؟

بروس ريدل : كان التدخل الأميركي في لبنان العام 1958 أول عملية قتالية تشنّها القوات الأميركية في الشرق الأوسط. اليوم، يخوض الأميركيون عمليات قتالية خطيرة في مختلف أنحاء المنطقة، في إطار مايُسمّى بـ”الحروب المتواصلة”. كانت العملية في عام 1958 واسعة النطاق، فقد تمركزت ثلاث مجموعات قتالية تقودها حاملة طائرات قبالة الشاطئ في البحر المتوسط، ووُضِع الجنود الأميركيون في أوروبا وأميركا في حالة جهوزية للتوجّه إلى منطقة الإنزال، وكانت الأسلحة النووية في طريقها إلى لبنان. هبط مظلّيون بريطانيون في الأردن في عملية تمت في إطار من التنسيق المُحكم. وكانت هذه العملية بمثابة نموذج أولي لعمليات شُنَّت لاحقاً مثل عاصفة الصحراء وحرية العراق.

كان الرئيس دوايت أيزنهاور أول رئيس أميركي يُحدّد الأهمية الحيوية التي يرتديها الشرق الأوسط بالنسبة إلى مصالح الولايات المتحدة، مشيراً إلى موارده النفطية الضخمة ودوره بوصفه مهداً للأديان الثلاثة (علمًا بأنه لم يُدرج بقاء إسرائيل ضمن هذه المصالح الحيوية). إذن، بيروت في العام 1958 هي المنطلق لفهم الأسباب التي دفعت بواشنطن إلى التورط في الشرق الأوسط، وربما استنباط سبل الخروج.

يونغ: تستخلصون دروساً من التدخّل في لبنان، وبعضها يمكن تطبيقه اليوم على إدارة ترامب. هلاّ تحددون لنا ماهي الدروس التي تنطبق على إدارة ترامب؟

ريدل: الدرس الأول هو عدم الهلع. في العام 1958، فوجئت إدارة أيزنهاور بانقلاب دموي في بغداد أدّى إلى القضاء على الأسرة الملكية الهاشمية العراقية. وقد حذّر كبار مستشاري الرئيس، بينهم وزير خارجيته ومدير وكالة الاستخبارات المركزية، من أن الانقلاب سيقود إلى انهيار جميع الحكومات الموالية للغرب في المنطقة وإلى سيطرة الشيوعيين. وزعم هؤلاء خطأً أن الرئيس المصري جمال عبد الناصر هو القناع الذي يتخفّى الاتحاد السوفياتي خلفه. في اليوم التالي، وصلت قوات المارينز لتقديم الدعم إلى الرئيس المسيحي في لبنان الذي كان يواجه حرباً أهلية. الشرق الأوسط مليء بالمفاجآت، لكن قلّة منها فقط تنذر بالأسوأ للولايات المتحدة. يجب الترقُّب في انتظار ماستؤول إليه التطورات قبل الاستعجال في استخدام القوة.

thediplomat_2016-01-13_07-11-40

ريدل

الدرس الثاني هو الحوار مع الخصوم والبحث عن تسويات. لم تستمر عملية بيروت طويلاً، لأن الأميركيين قبلوا سريعاً بالنتيجة التي أسفرت عنها الحرب الأهلية اللبنانية والتي أرضت المعارضة المسلمة من دون تهديد الأقلية المسيحية. وقد لقي أميركي واحد فقط مصرعه في القتال في عام 1958، والسبب الأساسي هو أن قوات المارينز وافقت على التعاون مع القوات المسلحة اللبنانية وتجنّبت القيام بدوريات في المناطق الخاضعة إلى سيطرة المسلّحين في بيروت. وفي نهاية المطاف، تخلّى أيزنهاور عن الرئيس المسيحي الماروني كميل شمعون الذي كان هو مَن طلب قدوم المارينز إلى البلاد، وانتقل لدعم فؤاد شهاب، قائد الجيش الماروني الذي كان يحظى بتأييد المسلمين وعبد الناصر.

يونغ: عادت قوات المارينز الأميركية إلى بيروت في العام 1982 خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان. كيف كان يمكن لدروس 1958 أن تحول دون وقوع المشكلات التي ارتبطت بالتدخل الثاني؟

ريدل: في العام 1982، سادت على نطاق واسع في المنطقة نظرةٌ تعتبر أن الهدف من التدخل الأميركي هو دعم الاجتياح الإسرائيلي الكارثي للبنان والحرب الإسرائيلية للقضاء على منظمة التحرير الفلسطينية. وقد زعمت الولايات المتحدة أنها أرسلت قوة لحفظ السلام، لكن نُظِر إليها بأنها تقف إلى جانب الإسرائيليين، ولهذه النظرة أسباب وجيهة. فالولايات المتحدة كانت لاتزال ترفض التعامل مع منظمة التحرير الفلسطينية، وكانت سورية تُعتبَر دولة تدور في الفلك السوفياتي، ولذلك كان الانخراط معهما مستحيلاً بالنسبة إلى إدارة ريغان في العام 1982.

أدرك الرئيس رونالد ريغان متأخراً أنه يتوجّب عليه العمل على معالجة النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني الجوهري. وقد روّجت خطة ريغان، التي قدّمها في ذلك الوقت، للخيار الأردني – الذي تُضَم بموجبه الضفة الغربية وغزة في إطار اتحاد كونفدرالي مع الأردن – لكنها جوبهت بالرفض من جميع الأفرقاء، بما في ذلك العاهل الأردني حسين. وقد أوجد الإيرانيون وكيلاً جديداً عنهم مستخدمين الطائفة الشيعية المهمَلة من أجل طرد القوات الأميركية. ويُسجَّل لريغان أنه أقدم، في خطوة سديدة من جانبه، على الانسحاب بعد تفجير ثكنات المارينز في تشرين الأول/أكتوبر 1983.

يونغ: تُظهر عمليتا الانتشار العسكري الأميركي هذا في لبنان الذي لم تعتبره الولايات المتحدة قط ذا مصلحة حيوية لها، أن المنطقة تَستَدرج، بصورة شبه طبيعية، التدخل الخارجي، على الرغم من التباس موقف واشنطن بشأن التدخل العسكري في الشرق الأوسط. فما هي الرسالة من وراء ذلك؟

ريدل: أصبح الشرق الأوسط تدريجاً أكثر انقساماً وعنفاً منذ العام 1958. واليوم ينتشر أكثر من 50000 جندي أميركي في المنطقة. لقد عمد الرئيس دونالد ترامب إلى زيادة عديد الجنود، بما في ذلك في العراق، مع أنه قطع وعداً بإنهاء الحروب المتواصلة. وبعد أكثر من عقدٍ من الزمن، عادت القوات المقاتلة الأميركية أيضاً إلى السعودية، على الرغم من تحقيق أميركا الاستقلالية في مجال الطاقة، والسيطرة العسكرية المطلقة التي تمارسها إسرائيل في المنطقة.

لدى أميركا مصالح في هذا الإقليم، لكن هذه المصالح أصبحت أقل بكثير مقارنةً بالأعوام السابقة. فالحوار والمفاوضات هما وسيلتان أفضل إلى حد بعيد لحماية المصالح والقيم الأميركية. ويجب أن يكون الدبلوماسيون الذين حالوا دون تورّط المارينز في مستنقع العام 1958، القدوة التي يُحتذى بها من أجل انخراط أميركي أكثر نجاحاً في المستقبل.

المصدر\ مركز “كارينغي” للشرق الاوسط

………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………..

بروس ريدل – مدير مشروع استخبارات مركز بروكينغز، وزميل أول في مركز سياسات الشرق الأوسط. تقاعد في العام 2006 بعد 30 عاماً من الخدمة في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أيه). كان مستشاراً أول لشؤون جنوب آسيا والشرق الأوسط في فريق مجلس الأمن القومي في عهود آخر أربعة رؤساء للولايات المتحدة. شغل أيضاً منصب نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا في البنتاغون، ومنصب مستشار أول في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في بروكسل.

مايكل يونغ- محرّر مدوّنة ‘ديوان’ و مدير تحرير في مركز كارنيغي للشرق الأوسط.

………………………………………………………………………………………………………………………………………

\المحرر \

“ما لم يتم تعلمه من التدخل الأمريكي الذي نجح”

يروي كتاب بروس ريدل \ Bruce Riedel الجديد ، القصة المنسية (التي تُنسى ، أي في الولايات المتحدة) عن أول عملية قتالية أمريكية في الشرق الأوسط. حينما أرسل الرئيس “آيزنهاور” ، قوات المارينز في أعقاب الانقلاب الدموي بالعراق ، وهو حدث زلزالي ، غيرت السياسة ليس فقط في ذلك البلد ، ولكن في المنطقة بأسرها في نهاية المطاف.

خشية أيزنهاور من الانقلاب ، إلى جانب المؤامرات والأحداث الأخرى ، التي بدت غامضة في واشنطن ، وتهديد المصالح الأمريكية بالشرق الأوسط ، كان الدافع وراء أفعاله ، وأفعال الآخرين ، الذين جزء كبير منهم ، كانوا مجموعة من الشخصيات ، التي برعت في أعمال التجسس والسرية الخاصة في هذه القضية.

وعلى الرغم من أن تدخل أيزنهاور في لبنان ، كان حدثا فريدًا ، وبالتأكيد كان له نتائجه الحميدة ، نسبيًا ، إلا أنه يحمل دروسًا مهمة، لواضعي السياسات اليوم في سعيهم للتعامل مع التحديات غير المتوقعة دائمًا بالشرق الأوسط.

يصف المحلل المخضرم “بروس ريدل”، المشهد -كما ظهر- منذ ستة عقود ، ويقترح أن بعض الدروس المستفادة ، لا تزال صالحة اليوم. درس رئيسي؟ : ” عدم التسرع في الحكم ، عندما يفاجأ ما هو غير متوقع. ولا يجب أن تفترض الأسوأ”.