في بداية ماراثون النقاش في موسكو بين (بوتين وأردوغان)، يوم الخميس، 2/27، خاطبَ الرئيسُ الروسي فلاديمير بوتين، الرئيسَ التركي رجب طيب أردوغان بما يمكن أن يكون أغرب مناورة دبلوماسية في القرن الحادي والعشرين الفَتِيّ.
قال بوتين: «في مُستهَلّ لقائنا، أودُّ أن أعبّر مرة أخرى عن تعازِيَّ المخلصة بشأن مقتل جنودكم في سوريا. ولسوء الحظ، كما كنتُ قلتُ لكم خلال مكالمتنا الهاتفية، لم يكن أحدٌ، بما في ذلك القوات السورية، يعلم بمكان وجودهم».
هذه هي الطريقة التي يطلب بها زعيم يعيش في العالم الحقيقي، من قائد إقليمي، في وجهه، أن يكُفَّ عن وضع قواته موضع الداعم للإرهابيين، مُتخفّيةً وسْطَ ساحة حرب متفجرة.

بيبي اسكوبار
استمرت المناقشة ،التي جرت بين بوتين وأردوغان ،وجهاً لوجه، ولم يُسمح فيها بحضور أحد في الغرفة سوى المترجمين، ثلاث ساعات، قبل ساعة أخرى مع الوفديْن المعنيّيْن. وآلَ الأمرُ كله في نهاية المطاف، إلى قيام بوتين بطرح طريقة أنيقة؛ لإنقاذ ماء وجه أردوغان على شكل وقف آخر لإطلاق النار في إدلب، يبدأ في منتصف ليل الخميس، موقّع بالتركية والروسية والإنجليزية- «وجميع النصوص ذات قوة قانونية متساوية».
وإذا كان كل ذلك يبدو وكأنه قد حدث من قبل، فذلك لأنه حدث من قبل فعلاً. ويظهر بشكل بارز في عدد وافر من الصور الرسمية لاجتماع موسكو، وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، ووزير الدفاع سيرجي شويغو- وهما الشخصيتان القويتان في القاعة، باستثناء الرئيسين. وفي أعقاب بوتين، لا بُدّ أن لافروف وشويغو، قرآ أعمال الشغب لأردوغان بعبارات لا لبس فيها. ذلك يكفي: تصرَّفْ الآن، من فضلك- وإلّا ستواجه العواقب الوخيمة.
من السمات المتوقعة لوقف إطلاق النار الجديد، أن كلاًّ من موسكو وأنقرة -وهما طرفان في عملية أستانا للسلام، إلى جانب طهران- تظلان ملتزمتين بالحفاظ على «وحدة أراضي سوريا وسيادتها». ومرة أخرى، ليس هنالك ما يضمن التزام أردوغان.
وتمَثَّل ردّ فعل أردوغان بالاستمرار في الهجوم. تلك هي الطريقة التي يعيد بها رسم الهالة من حوله. وإذا دمجنا موضوع “إدلب”، مع ادعاءاته البحرية حول قبرص، وضغط الابتزاز على الاتحاد الأوروبي، عن طريق إغراق «لسبوس» في اليونان باللاجئين، نحصل على العلامة التجارية المميزة لطريقة عمل أردوغان، في ذروة نشاطها.
من الناحية النظرية، سوف يُجبر وقف إطلاق النار الجديد ،أردوغان أخيراً على التخلي عن كل تلك الأورام الخبيثة ،مثل «النصرة» و«داعش»، لن تُترَك أي منطقة في الخلف للإرهابيين.
المؤرخ الممتاز، الدكتور «كان إريمتان»، الذي سُرِرْتُ بمقابلته عندما كان ما يزال يعيش في إسطنبول (هو الآن في منفىً اختياري)، يقدّم خلفية يوراسية لأحلام أردوغان. حسناً، لقد وَفَّر فلاديمير بوتين لأتاتورك الثاني ،فسحة للتنفس. وليس ثمة مَن يعلم ما إذا كان وقف إطلاق النار الجديد، سيتحوّل إلى محرقة جنائزية.
https://www.strategic-culture.org/news/2020/03/08/how-putin-saved-erdogan-from-himself/