ماتت آمال لبنان في مرحلة ما بعد الحرب في أن يصبح بلدًا حرًا ومزدهرًا، فالانفجار المدمر الذي مزق ساحل بيروت، هذا الشهر، لم يمزق النسيج الهش للمجتمع اللبناني فحسب، بل شوهه بشكل دائم لا يمكن تخيله. لكن هذا الوضع لم يحدث في عام ٢٠٢٠ فقط، بل حدث في عام ٢٠٠٥ أيضًا، وفي ذلك الوقت، لم يكن الانفجار عملاً من أعمال الإهمال أو الفساد، بل كانت جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد.
ففي 14 فبراير ٢٠٠٥، فجر انتحاري شاحنة صغيرة محملة بأكثر من ٢٠٠٠ رطل من مادة «تى.إن.تى» بجوار موكب رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، مما أدى إلى مقتله هو و٢١ شخصًا آخرون. ويوم الثلاثاء الماضي، بعد مرور أكثر من ١٥ عامًا من الاضطرابات وسفك الدماء والعوز، أصدرت أول محكمة دولية على الإطلاق يتم إنشاؤها لمحاكمة الجرائم الإرهابية حكمًا كان متوقعًا لكل اللبنانيين، وهو أن الحريري قد تم اغتياله على أيدي كبار عناصر تنظيم حزب الله.

أوز كاترجي
لكن يبدو أن الحكم قد جاء في ظل ظروف عبثية، فالمحكمة، التى أنفقت أكثر من مليار دولار على المحاكمة، واستغرقت ١١ عامًا لإصدار حكم إدانة واحد، لم يكن لديها اختصاص للتحقيق مع حزب الله كتنظيم، وقد تم تقويض حكمها النهائي حتى قبل قراءته وذلك من خلال البيان السخيف الذي قال إن المحكمة «لم تر أي دليل على تورط قيادة حزب الله» في الاغتيال، ثم تم الحكم بإدانة الناشط البارز في حزب الله، سليم عياش، بتهمة التآمر لقتل الحريري مع الرجل الثاني في التنظيم، مصطفى بدر الدين، والذي تم إسقاط دوره في المحاكمة بعد وفاته في سوريا عام ٢٠١٦.
وعلى الرغم من البيان السريالي للمحكمة، فإن الحكم واضح ولا يمكن إساءة فهمه، فكبار عناصر حزب الله لا يعملون بشكل مستقل عن قيادته، وهذا الحكم، على الرغم من كونه معيبًا ومخيبًا للآمال بالنسبة للعديد من اللبنانيين، فإنه على الأقل قد دق مسمارًا في نعش حزب الله وفي إنكاره تورطه في اغتيال الحريري.
وكما يعد تنظيم حزب الله بمثابة قيد حول رقبة اللبنانيين، فإن اتفاق الطائف، الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، يعد أيضًا بمثابة قيد دائمًا حول رقبتهم، حيث أصبحت الطائفية هي الأساس الدائم وغير القابل للإصلاح لسياسة البلاد، وعلى الرغم من الاتفاقات الخاصة بالانسحاب الكامل لجميع القوات الأجنبية من لبنان، ونزع السلاح الكامل للميليشيات، فإنه لم يتم تنفيذ اتفاق الطائف بشكل كامل، وفي حين أن مشاكل اليوم لا تختلف بشكل كبير عن مشاكل عام ٢٠٠٥، فقد غيَّرت التطورات الأخيرة مثل ثورة الأرز والحرب في سوريا من المعادلة.
وصحيح أنه لا يمكن أبدًا أن يكون لبنان منارة مشرقة للديمقراطية الليبرالية في الشرق الأوسط في ظل نظام ما بعد الحرب الموجود حاليًا، ولكن المزاج العام في المجتمع الدولى تجاه حزب الله قد بدأ فى التحول، حيث تحركت المملكة المتحدة وألمانيا مؤخرًا نحو تبني موقف واشنطن من خلال حظر التنظيم بشكل كامل وذلك بعد سنوات عديدة من محاولة التمييز بين جناحيه العسكري والسياسي، ومع إدانة محكمة دولية له، فإن حزب الله قد بدأ يجد نفسه فى عزلة متزايدة.
ولكن لا يزال لبنان دولة رهينة لمنظمة إرهابية قاتلة مدعومة من الخارج، ولا يوجد فرصة لحدوث إصلاح اقتصادي أو سياسي دون تفكيك تنظيم حزب الله، كما أنه لا يوجد أي فرصة لتفكيكه دون حرب أهلية، وقد بدأت قيادة التنظيم بالفعل في تهديد الشعب اللبناني مرة أخرى برسالة بسيطة: من لن يصطف بجانبنا سيكون التالي.