aren

“الوصيّة”… من وحي “الريّس” \\ بقلم : سامي مروان مبيض
الأحد - 25 - أكتوبر - 2020

وصلت أمانة…، الناشر الكبير ، الأُستاذ “رياض نجيب الريّس”، أوصى أن تَذهب إلى دِمَشق . وهي عِبارة عن مجموعة صور وأوراق ، تعود مُلكيتها إلى (والده)، صاحب جريدة “القَبس”، وصديقة المرحوم (نصوح بابيل)، صاحب جريدة “الأيّام”.

ورثها رياض الريّس عن أبيه ، الذي توفي سنة 1952، وعن الأُستاذ بابيل، الذي رحل عام 1986، ليوصي بأن تذهب إليّ قبل رحيله ، متأثراً بمرض (كورونا) في شهر أيلول الماضي. طَلب أن تُعاد من بيروت إلى حيثما جاءت قبل ستة عقود ونيّف…إلى دِمَشق، ففيها كان المُبتَدأ ، وفيها أراد أن يكون الختام. 

وجدتُ بين تلك الأوراق ، الكثير من الكنوز، من قوائم الإنتخابات النيابية، التي خاضها نجيب الريّس مع الرئيس شكري القوتلي سنة 1943، وصور موقعة مع إهداء من قبل فخري البارودي وفريد الأطرش. فيها خواطر بخطّ اليد… مع نوطة نشيده الشهير “يا ظلام السجن خيّم” ، وأوراق أخرى رسميّة مطبوعة على “الدكتيلو” لتأسيس جريدتي “الأيّام” و”القَبس.” فيها مُراسلات مع حاكم دولة دِمَشق المرحوم حقي العظم إضافة لمنشورات جيش الاحتلال الفرنسي وتهديداته لأهالي دِمَشق خلال العدوان على البرلمان عام 1945.

لا أعرف ماذا سيكون موقف نجيب الريّس ونصوح بابيل، لو قيل لهما أن أوراقهم الشخصية ، سيتنهي بها المطاف في مكتب صغير في حيّ سوق ساروجا بدِمَشق، بين يديّ شخص لا يعرفونه ، ولا تربطهم به أي صِلة. هل سيفرحان بأنها عاشت طوال هذه المُدة، أم يحزنا بأنها ليست في مركز دراسات ، وأبحاث ، يليق بهم ، وبمسيرتهم؟

اسأل نفسي هذا السؤال، وأنا أعيش حالة فضول دائم على مصير مكتبتي… بعد الرحيل… ، والأوراق التاريخية ، والمُقتنيات ، التي هي حاليّاً ، أمانة برقبتي؟

لا أعتقد أنّ (ابنتاي) ، سيكون لهما أيُ اهتمامٍ بها، فما بال ليلى الصغيرة بطقم فناجين عبد الرحمن باشا اليوسف، الذي قُتل قبل مجيئها إلى هذه الدنيا بمئة عام، وما حاجتُ صفيّة للطبعة الأولى من مُذكرات فخري البارودي ، التي عليها إهداء من صاحبها إلى “المطرب الصاعد” فهد بلّان؟

لقد حافظتُ على أوراق الناس…بكل أمانة وصدق… ، تماماً كما حافظتُ على كلّ أوراقِ أسرتي ، والدليل ، هو وصيّة رياض الريّس. عندي “حجج” (سندات مُلكية) ، تعود إلى القرن التاسع عشر، وصور فوتوغرافية لكل أفراد أسرتي، وبينها رسم جميل مُهدى إلى جَدي من قبل إمبراطور ألمانيا “غليوم الثاني”، خلال زيارته التاريخية إلى دِمَشق عام 1898.

عندي مصحف الأُسرة، وفيه تاريخ ولادة أبي وكل شقيقاته… ، وما تبقى من “جهاز” جدتي، من سجّاد عجمي وصمديات صينيّة ، كانت تزيّن رحاب منزلنا الكبير في دِمَشق. عندي قرارات التأميم ، التي صدرت بحق أجدادي في زمن الوحدة مع مصر، وتفصيل دقيق لكمية الدُنمات ، التي صادرتها جمهورية الوحدة في غوطة دِمَشق الشرقية قبل اكثر من ستة عقود، بهدف نشر “العدالة الاجتماعية” ، وإزالة الفروقات الطبقية في المجتمع السوري.

والأهم من كلّ ذلك…في إحدى أركان مكتبي الصغير، يوجد عُكاز بنيّ اللون، لا قيمة مادية له، موجود إلى جانب أريكة البروكار المفردة (والتي باتت نادرة أيضاً).

الحبيبات (صفيّة وليلى)، بإمكانكم التخلّي عن كل شيء -لو أردتم- من كتب وصور وأوراق…، حتى المؤلفات التي وضعتها أنا، بإمكانكم التصرف بها، ولكن إياكم ، وهذا العُكاز القديم، فقد كان صديقاً حميماً لأبي في أيامه الأخيرة، يضعُ يدهُ اليُمنى على قبضته الخشبية واليُسرى على كتفي في الصباح الباكر. نعم كان هذا العُكاز ، شريكي في الرضا، ، وشريكي في المُصاب.  

هو أغلى ما عندي من مُقتنيات، وعليكم أن تحافظوا عليه ، وكأنه كنز سُليمان نفسه.

هذه المقالة تعبر عن رأي صاحبها