ستة مبعوثين قادوا بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا «أونسميل»، أولهم الأردني عبدالإله الخطيب ولن يكون آخرهم غسان سلامة اللبناني المستقيل بـ«تغريدة» قيل أنها كانت مفاجئة، وكأن شيئاً في وقائع يوميات المتاهة الليبية المتمادية فصولاً منذ تسعة أعوام غير مُفاجئ,ترفع التدخلات الأجنبية من فاتورة الدم التي تدفعها ليبيا الوطن والشعب، فيما الآخرون وخمصوصاً عرب اليوم الذي استقال معظمهم من عروبته ويستعد من تبقّى منهم للالتحاق بهؤلاء الذين يديرون ظهورهم لشعب شقيق تكالبت عليه الأمم, ولم يُخفِ احد منهم اطماعه في ثروات ليبيا وموقعها الجيوسياسي, ناهيك عن اولئك الذين تُراودهم أحلام إحياء أمجاد امبراطورياتهم الغابرة سواء ذلك العثماني السلجوقي في أنقرة بنسخته الاسلاموية المُقنّعة ام القابعون في قصر الإليزيه.
وحده عبدالإله الخطيب الذي مكث في موقعه اكثر من مائة يوم بقليل، والذي أدرك مبكراً ان ليبيا توشِك الدخول بل دخلت أو أُدخِلت متاهة دموية لا نهاية لها، ما استدعى منه بعد قراءة عقلانية وعميقة وخصوصاً باردة, غاصت في تفاصيل المشهد ووقفت على طبيعة التركيبة الديموغرافية الليبية ذات الجذور القبائلية والعشائرية المتجذِّرة وبخاصة تربص الدول الخارجية عربية كانت أم أجنبية بليبيا وأطماعها في ثرواتها, وما سيرافق ذلك من تسعير للصراع واستيلاد ميليشيات وتنصيب امراء حرب, واللعب على الغرائز الدينية التي ستجد طريقها بسهولة في بلد كليبيا, لم تعرف طوال اربعة عقود من حكم القذافي حياة سياسية او وجود احزاب, او تشكيلات مدنية، ما سيُرهقه ويستنفِد طاقته ويحيله إلى صندوق بريد لا أحد يقرأ رسائله أو تثير اهتمامه. دون إهمال حقيقة ان الدبلوماسي الأردني المُخضرَم، تفحصّ جيدا المشهد العراقي بعد الغزو الاميركي/ البريطاني وكيف تحوّل العراق الى ساحة لتصفية الحسابات وبؤرة للصراع الطائفي والمذهبي, على نحو لن يبرأ منه.
استدعى ذلك من «الخطيب» اتخاذ القرار الذي لم يكن يتّخِذه لو كانت الحال الليبية أقل سوءا مما قدّر (وكان مصيباً في تقديره) فأبلغ بان كي مون اعتذاره عن عدم استكمال مهمته, وإذ كان الدبلوماسي الكوري الجنوبي يعرف قدرات الخطيب وإمكاناته وخصوصا خبرته, فان عرض عليه مهمات أخرى رفَضَها الخطيب لإدراكه العميق ان الأمم المتحدة لا تحظى بدعم (دع عنك الاحترام او الإعجاب) من أحد, وبخاصة الدول الكبرى التي ترى فيها ساحة لتعزيز نفوذها او لتصفية الحسابات في ما بينها. او «التوافق» ضد دول اقل شأنا.
من بين المبعوثين الخمسة الذي تسلّموا مهماتهم بعد الخطيب, لم «يصمد» احد منهم وكلهم «هربوا» يأساً وإحباطاً، وربما يُحسب للإسباني (المبعوث الرابع) برناردينو ليون «إنجاز» اتفاق الصخيرات, لكن الاتفاق بقي حبرا على ورق لانعدام جدية الطرفين الليبيين وارتهانهما لتحالفاتهما وارتباطاتهما الخارجية. اما إيان مارتن البريطاني وطارق متري اللبناني ومارتن كوبلر الالماني وغسان سلامة اللبناني, فاصطدموا بالحائط, ولم يعد لديهم ما يقدمونه فاختاروا الاستقالة وبرّروها بأسباب وذرائع مُختلفة.
“الرأي”الأردينة