aren

المهزومون قبل قرن يثأرون الْيَوْمَ ..\\ بقلم : علي جمالو
السبت - 1 - يونيو - 2019

 

(الجاهلون في التاريخ محكوم عليهم بتكراره) .. هذه العبارة تلخص بتكثيف بالغ ما نعيشه هذه الأيام في بلادنا ، قبل مائة سنة تفككت الدولة العثمانية ، التي كانت تموت ببطء ، بدءا من منتصف القرن التاسع عشر ، بداء الشيخوخة والفساد.

كان بعض العرب يطاردون حلم / سراب دولة عربية ، لن ترى النور أبدا ، قاد الشريف “حسين” ، تجمعا عسكريا بدائيا ، أطلق عليه اسما فضفاضا ( الثورة العربية ) ، استخدمته الدول الغربية ، لتفكيك ما تبقى من الدولة العثمانية قبل الدخول العسكري الغربي ، وبدء مرحلة جديدة من الاستعمار لنهب خيرات الشعوب .

ولدت دول الشرق الأوسط في الشكل الذي نراه هذه الأيام ( نراه مع الأسف للمرة الأخيرة ) ، ولدت الدول تحت الاحتلال وبإرادة المحتلين الجدد ، رسم الدبلوماسيان (مارك) سايكس الإنكليزي و(فرانسوا) بيكو الفرنسي ، حدود هذه الدول ، كان العرب في غيبوبة تامة ، يعيشون حلما ورديا ممنوعا من التحقق ، وكان الروس مشغولين بالحرب العالمية الأولى وبالثورة البلشفية ، فخرجوا من قسمة الشرق الأوسط ، بخفي حنين.

الأمريكان كانوا في بداية مشروعهم الكوني ، كانت قوتهم موزعة بين إخضاع شعوب الدول المحيطة بالبحر الكاريبي وأمريكا اللاتينية من جهة ، ودعم الإنكليز والفرنسيين في الحرب العالمية الأولى من جهة ثانية ، لذلك تقاسم الإنكليز والروس والطليان وباقي الدول الأوربية ، بنسب غير متساوية ، ما كنت تحتله الدولة العثمانية في العالم العربي ، ارتد الأتراك إلى هضبة الأناضول ، وبدأوا يؤسسون جمهوريتهم ، استعصى الأمر عليهم فترة طويلة من الزمن ، إذ لم يستطيعوا أن يغادروا الماضي ، وعجزوا عن دخول المستقبل.

رضي الفرس بتوسع حدودهم نحو الغرب على حساب العرب ، والبلوش وناموا على سرير الانتماء إلى عالم غربي لا مكان لهم فيه ، شطب الكرد من الخرائط الجديدة ، بدأ العمل على إنشاء دولة (إسرائيل) ، وبدأ قرن من الحروب والطاعون والنهب ، ثم الثورات والتحرر ، ثم الانقلابات والاستبداد والعسكر والتوريث والعروش المثبتة بالدم.

قبل مائة عام ، رسم الدبلوماسيان سايكس الإنكليزي وبيكو الفرنسي ، حدود هذه الدول ، كان العرب في غيبوبة تامة حتى كشف الحكاية صحافي روسي اسمه (فلاديمير) إيليتش لينين ، قاد الثورة البلشفية ، وغير وجه العالم ، كشف الأسرار وقال للعرب ، أنتم مجرد دمى ، اذهبوا ودققوا بالدور ، الذي رسمه لكم الغربيون .

الآن إذا أردنا تكثيف الحكاية أكثر ماذا نلاحظ ؟

قبل مائة سنة خسر العثمانيون ، غاب الأمريكان ، غاب الروس ، وربح الأوربيون ، ووكلائهم في المنطقة الفرس – آنذاك !

وإذا نظرنا إلى أحوال المنطقة اليوم ، نرى توافقا في فريق ( الخاسرين قبل قرن ، الرابحين الْيَوْمَ ) ، وبالطبع إضافة إلى الفرس والإسرائيليين ، لقد تجلى ذلك على الأرض السورية ، الأتراك عادوا من الشمال ، واسقطوا الحدود بالعمل العسكري المباشر ، او عبر تنظيمات موالية لهم ، ممولة قطريا ( اسقطوا حدودا لم يعترفوا بها مطلقا ) .

عاد الأتراك الذين – ويا للمصادفة – يعودون في اللحظة ، التي يغادرون فيها مفهوم الجمهورية الى مفهوم السلطنة ، حيث يستعيد الرئيس (رجب) طيب أردوغان ، صولجان السلطان عبد الحميد وطربوشه الأحمر وعباءته المتخمة بالنياشين والهزائم والخصوم ، بدعم وتشجيع روسي إيراني منقطع التنظير ، يبيع تركة أتاتورك وأسماله ونياشينه وقبعاته ، الفرس تمددوا داخل الدولة السورية بالتمويل والميليشيات ، الأمريكان احتلوا (شرق الفرات) ، ودافعوا عن هذا الاحتلال الكلاسيكي ، مرة بالشكل المباشر ، ومرة باللباس الكردي.

الروس احتلوا غرب الفرات ، وكافة مناطق الساحل والوسط والجنوب ، مرة باسم دعم السلطة ، ومرة باسم المصالحات ومفهوم خفض التوتر ( !! )

وأما إسرائيل ، فقد كانت ولا تزال تحتل أجزاءا من الجنوب الغربي ، وهي تحاول بالتنسيق مع الروس ، وضع شروطها التي تتعدى المناطق التي تحتلها ، وتقوم بقصف الأهداف العسكرية داخل الأراضي السورية ، بصمت وتواطأ روسي بل مع غزل يومي مع ( الرفيق ) فلاديمير بوتين ، الذي يمارس الوصاية الكاملة على سورية ، دون أن يعلنها .

ليس من الصعب إدراك شكل المنطقة في السنوات القادمة ، لان التاريخ يقدم تلميحات تنبيء بشكل ما عما ينتظرنا ، الخرائط لا تزال ترسم بالحرب ، بالدم ، بالصفقات والمكائد .. والضحايا من وجهة نظر الدول المتورطة في الحرب مجرد أرقام في سياق ، ما يسمونه الآثار الجانبية !

قبل قرن غاب الرفيق فلاديمير (لينين) عن وليمة الشرق الأوسط ، بداعي الثورة ولملمة قطع السلاح القديم ، وحصار القيصر ، الْيَوْمَ حضر الرفيق فلاديمير بوتين ، الوليمة بداعي العودة إلى نادي الكبار ، وإسقاط حالة هيمنة القطب الواحد واستعادة لقب القيصر ، وتجربة الأسلحة الحديثة !

قبل قرن ، سقطت السلطنة العثمانية ، وغاب الأتراك خلف هضبة الأناضول ، يبحثون عن الجمهورية ، الْيَوْمَ باع الأتراك جمهوريتهم ، واستعادوا بشكل كاريكاتوري ، فكرة السلطنة ، وعادوا يتمددون جنوبا ، في مسار ثأري فاقع .

قبل قرن ، كان الأوروبيون يسرحون ويمرحون في هذا الشرق ، المتدثر بجهله ، يرسمون الخرائط ويقيمون الممالك ، الْيَوْمَ أصبحوا مجرد كومبارس صغار ، يكثرون من الضجيج بلا فائدة .

قبل قرن ، كان الفرس يشحذون سيوفهم ، وينظفون بنادقهم لإخضاع ما يمكن إخضاعه من السهول والصحاري المتخمة بالكنوز غرب الخليج العربي ، الْيَوْمَ ما بدلوا مهنتهم لا زالوا يشحذون سيوفهم ،ويطلقون نيرانهم ، وقد تمددو في العراق وسورية ولبنان واليمن .

قبل قرن ، كانت إسرائيل فكرة على طاولة السير بلفور ، الْيَوْمَ إسرائيل ( دولة ) ، تُمارس العربدة في كل اتجاه من غير حسيب ، ولا رقيب .

قبل بضع سنوات ، كنّا دولا ، ولنا سياسات . اليوم تحولنا إلى أنقاض .

لا اعرف من قرأ التاريخ ومن فاته ذلك .. ، الوقائع تقول انه ما من احد قرأ التاريخ هنا ، وما من احد تفحص وقائعه،  ولذلك ولأننا نجهل التاريخ ، محكوم علينا تكراره .. الخرائط لا تزال ترسم بالحرب ، بالدم ، بالصفقات والمكائد .. والضحايا من وجهة نظر الدول المتورطة في هذه الحرب ، مجرد أرقام في سياق ما يسمونه ، الآثار الجانبية .. ، والآتي أعظم .

من صفحة الكاتب على الفايس بوك

هذه المقالة تعبر عن رأي صاحبها