التجدد الاخباري – (خاص) مكتب بيروت

تفاصيل اللحظات الأخيرة لفشل حوار القاهرة
كشفت “مصادر خاصة” مقربة من جهاز المخابرات العامة المصرية ، المسؤول عن ” الملف الفلسطيني ورعاية حوارات المصالحة” ، ان الحوار الثنائي الأخير بين حركتي (حماس وفتح)، فشل، وأن قادة المخابرات العامة ، تدخلوا لمنع ظهور هذا الفشل إلى العلن، وأنه تم التوافق على إصدار “بيان مشترك” بلغة عامة من دون أن يحمل جديدا ، أو أية تفاصيل.
وكان قوبل قرار السلطة الفلسطينية بشأن عودة العلاقات مع (إسرائيل) بانتقادات شديدة من الفصائل الفلسطينية المعارضة لاسيما حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ، التي تسيطر على قطاع غزة.
وعقب إعلان القرار المذكور بوقت قصير ، أعلنت حركتا التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) وحماس ، انتهاء لقاءات ثنائية في القاهرة دون إحراز أي تقدم بشأن تحديد موعد الانتخابات العامة ، وتحقيق المصالحة.
المصادر ذاتها، ذكرت ان “مصر غاضبة بالأساس من ممارسات الحركتين في الفترة الأخيرة، وخصوصا عقدهما لقاءات في بيروت وإسطنبول، تعتبرها القاهرة قفزا عن دورها”. وأضاف “عندما فشل الحوار الأخير، تحدث مسؤول كبير في المخابرات العامة مع وفدي الحركتين بلغة حاسمة، أن مصر لن تسمح أن يرتبط الفشل بالقاهرة، وكان التوافق على صدور البيان المشترك” ، جاء فيه : ان الحوار حقق “تقدما” في عدد من القضايا العالقة.
ووفق جهات مواكبة للحوار الثنائي بين (فنح) و(حماس)، فان هذا الفشل ، يعود إلى عدم توافق الحركتين على قضايا رئيسية وأخرى تفصيلية، أبرزها يتعلق بالانتخابات التشريعية والرئاسية، وآليات إجراء انتخابات المجلس الوطني وطريقة توزيع مقاعده في المناطق ، التي لا يمكن إجراء الانتخابات فيها، مثل الأردن و(غيرها) من دول الشتات، فضلا عن ملفات تتعلق برواتب الموظفين ، والعقوبات التي تفرضها السلطة على غزة منذ مارس/آذار 2017.
وتقول تلك الجهات (المصرية) : إن حركة حماس تريد “ضمانات” بأن تلتزم حركة فتح بتطبيق كل “مخرجات اجتماع بيروت وتفاهمات إسطنبول” بعد إجراء الانتخابات التشريعية، وأن تتخذ خطوات “حسن نية” عبر رفع العقوبات عن غزة.
وكانت اتفقت القوى الفلسطينية في اجتماع بيروت في 3 سبتمبر/أيلول الماضي على “تشكيل لجنة تقدم رؤية إستراتيجية خلال 5 أسابيع، لتحقيق إنهاء الانقسام”، و”تشكيل لجنة وطنية لقيادة المقاومة الشعبية الشاملة”. كما أجرت الحركتان حوارا ثنائيا في إسطنبول التركية في 24 من الشهر ذاته، واتفقتا على “رؤية ستقدم لحوار وطني شامل، بمشاركة القوى والفصائل الفلسطينية”.
وعلى ضوء ما تقرر في الاجتماعين، كان من المفترض أن يصدر الرئيس (محمود) عباس ، مرسوما ، يحدد موعدا للانتخابات، وبررت (فتح)، التأخر في صدوره، بانتظار رسالة رسمية من (حماس)، تتضمن موافقتها على “تفاهمات إسطنبول”.
مع إعلان السلطة الفلسطينية عودة العلاقة مع إسرائيل بعد “قطيعة علنية” استمرت 6 أشهر، يبدو من المواقف الحادة للقوى وقطاعات فلسطينية مختلفة أن “جهود تحقيق المصالحة تراجعت للمربع صفر”.
طاهر (النونو)، المستشار الإعلامي لرئيس المكتب السياسي لحركة (حماس)، كان أعلن يوم الجمعة، أن قيادة الحركة ستعقد اجتماعًا خاصًا برئاسة إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة، وذلك لدراسة “التطورات الأخيرة، خاصة الملف السياسي وملف المصالحة الفلسطينية”، وذلك في ظل إعلان السلطة الفلسطينية عودة العلاقات مع إسرائيل وأثر ذلك على مسار المصالحة الفلسطينية.

وقال النونو في تصريح صحفي : ” تؤكد الحركة التزامها بإنجاز الوحدة الوطنية على أساس الشراكة الكاملة والثوابت والمقاومة، وهذا ما عبرت والتزمت به خلال اجتماع الأمناء العامين وحوار اسطنبول، ومؤخرا في الجولة التي عقدت في القاهرة برعاية الإخوة المصريين بين وفد قيادي من حركة حماس وحركة فتح.”
وأضاف “كما أن قيادة الحركة سوف تجري مشاورات واسعة مع الفصائل الفلسطينية والشخصيات والمجاميع الوطنية للبحث في الاستراتيحية الوطنية للتعامل مع الأحوال المتغيرة التي تعيشها قضيتنا الفلسطينية، وعلى قاعدة التمسك بالركائز الأساسية متمثلة بالقدس والأرض والعودة ورفض التطبيع.”
بدوره، قال رئيس مجلس العلاقات الدولية القيادي في الحركة باسم (نعيم)، في تصريح صحفي : إن هذا القرار( عودة العلاقة مع إسرائيل ) كان له “تداعيات سلبية جدا”، ووجهت السلطة به “ضربة قاصمة لكل المسار الذي اختطته فصائل العمل الوطني في الفترة الأخيرة التي بدأت من اجتماع الأمناء العامين في بيروت، وما نتج عنه من مقررات”.

ويعتقد نعيم أن “مسار المصالحة تضرر كثيرا، وقد ننتظر طويلا قبل استئناف هذا المسار من جديد”، متسائلا كيف يمكن الجمع بين التنسيق الأمني والمقاومة بأشكالها المختلفة، بما فيها المقاومة الشعبية؟، وكيف يمكن الجمع بين المفاوضات وإعادة بناء منظمة التحرير؟
وبرأي نعيم فإن السلطة تعجلت بهذا القرار في “قطف ثمار المرحلة الجديدة بعد فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، حتى قبل اتضاح معالمها”.
وسائلا اعلام نقلت عن مصادر قريبة من مؤسسة الرئاسة في (رام الله) ، أن الرئيس عباس ، اتخذ قراره بوقف التقدم في ملف المصالحة، منذ اللحظات الأولى التي اتضح فيها “ميل الكفة” لصالح بايدن في السباق الرئاسي الأمريكي- حسب قولها

غير أن عضو المجلس الثوري لفتح عبد الله (عبد الله)، رفض ربط “ملف المصالحة بالانتخابات الأمريكية”، واتهم حماس بالتراجع عن “تفاهمات إسطنبول” ، ومخرجات اجتماع بيروت.
وقال عبد الله في تصريح صحفي : إن (حماس) ماطلت طوال الفترة الماضية في إرسال رسالة واضحة ورسمية بالموافقة على إجراءات الانتخابات والالتزام بها، وتراجعت عن تفاهمات “الانتخابات المتتالية”، وتطالب بانتخابات متزامنة للتشريعي والرئاسة والمجلس الوطني. وبحسب عبد الله ، فإن (حماس)، وضعت اشتراطات جديدة “تنسف” التفاهمات، أبرزها يتعلق بطلبها الحصول على نسبة تتراوح من 30 إلى 35% من مقاعد المجلس الوطني، لتتساوى مع فتح.
دوافع سياسية واقتصادية وراء القرار
مراقبون فلسطينيون ، يجمعون على وجود دوافع سياسية واقتصادية ، وراء قرار السلطة الفلسطينية عودة العلاقات مع إسرائيل بعد نحو (ستة أشهر) من القطيعة بين الجانبين.
ونشر مسئولون فلسطينيون ، رسالة مكتوبة من (إسرائيل) تفيد بالالتزام بالاتفاقات الثنائية الموقعة مع السلطة الفلسطينية ، التي ردت بالإعلان عن عودة العلاقات مع الطرف الإسرائيلي.
وصرح رئيس الوزراء الفلسطيني محمد (اشتية)، استئناف الاتصالات مع إسرائيل بناء على الرسالة الموجهة إلى السلطة الفلسطينية، بما يشمل مختلف مجالات التنسيق. وأعلنت القيادة الفلسطينية في 19 أيار- مايو الماضي التحلل من كافة الاتفاقيات والتفاهمات مع إسرائيل احتجاجا على الخطة الإسرائيلية لضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية.
“مصلحة متبادلة”
وبحسب العديد من المتابعين لتطورات الشأن الفلسيطني ، فإن قرار عودة العلاقات بين السلطة الفلسطينية و(إسرائيل)، شكل مصلحة للطرفين معا ، وأن قرار السلطة الفلسطينية بعودة العلاقات ، جاء لانتهاء الأسباب التي أدت إلى القرار الفلسطيني بشأن وقف العمل بالاتفاقيات بعد وقف مخطط الضم ، والدعم الأمريكي له في عهد الرئيس الأمريكي (دونالد) ترمب.
ويشير هؤلاء ، إلى أن وقف العلاقات مع إسرائيل “تسبب بآثار سلبية عميقة على الاقتصاد الفلسطيني نتيجة عدم دفع رواتب الموظفين الحكوميين كاملة بسبب عدم تسلم أموال عائدات الضرائب”. وأن السلطة الفلسطينية ، ترى أن مصلحتها الملحة في الظرف الراهن استمرار قدرتها على الوفاء بخدماتها للمواطنين الفلسطينيين ، وحمايتهم من الفقر والعوز وما قد يسببه ذلك من تدهور أمني.
بموازاة ذلك يرى هؤلاء ، أن في عودة العلاقات الثنائية “حاجة لإسرائيل في ظل تخوفها من انفجار ميداني في الأراضي الفلسطينية بفعل التدهور الاقتصادي الحاد فيها”.
وأفاد مصدر فلسطيني لـوكالة الانباء الصينية (شينخوا)، بأن عودة العلاقة مع إسرائيل يشمل عودة التنسيق الأمني بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي استئناف استلام أموال المقاصة (الضرائب) الفلسطينية. وذكر المصدر، أن استلام أموال الضرائب يعني زيادة قيمة الرواتب للموظفين الحكوميين في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد أن كان يصرف لهم نصف راتب على مدار 5 شهور.

ضغوط مالية فلسطينية
وتشير التطورات الحاصلة على المسار الاقتصادي الفلسطيني في الأشهر الأخيرة ، الى حصول أزمة حقيقة وجدية ، فقد توقفت السلطة الفلسطينية عن استلام أموال الضرائب ، التي تجمعها (إسرائيل)، والبالغة 3 مليارات شيكل (الدولار =3.40 شيكل)، ونتيجة لذلك وجدت السلطة صعوبة في دفع الرواتب ، والتعامل مع تداعيات أزمة مرض فيروس كورونا.
ولجأت الحكومة الفلسطينية إلى صرف جزئي لرواتب موظفيها الحكوميين بفعل أزمتها المالية ، التي دفعتها للاقتراض عدة مرات من البنوك المحلية لتأمين الأموال اللازمة للرواتب.
وبحسب المسئولين ، فإن السلطة الفلسطينية تقدمت مؤخرا إلى الاتحاد الأوروبي للحصول على قروض لتغطية العجز، إلا أن طلبهم قوبل برفض أوروبي، ودعوهم إلى أخذ أموال الضرائب من إسرائيل.
ويعتبر الدبلوماسي الفلسطيني السابق (نبيل) عمرو لـ (شينخوا)، أن قرار عودة العلاقات مع إسرائيل انطلق من دوافع أن السلطة الفلسطينية لم تستطع خارج الحاضنة الرئيسية التي تأسست فيها.
ويقول عمرو ، إن مكونات هذه الحاضنة تقوم على علاقات مع إسرائيل والتنسيق معها بكافة الأشكال وانتظار علاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية في ظل عهد انتخاب رئيس أمريكي جديد. ويضيف أن السلطة الفلسطينية لم تجد في الفترة الماضية أي بديل عن أموال الضرائب الفلسطينية في ظل تراجع المساعدات الخارجية لها ما شكل ضغطا كبيرا على المجتمع الفلسطيني.
لكن عمرو ، يرى أن عودة العلاقات بين الفلسطينيين وإسرائيل “لا يحمل بالضرورة مؤشرات جدية باستئناف أفق مفاوضات السلام بينهما في المرحلة المقبلة ورسالة إسرائيل الموجهة للسلطة الفلسطينية لم تكن على قدر سياسي عالي المستوى”.

تأثيرات سلبية على ملف المصالحة
وبخصوص التأثيرات المحتملة لهذه العودة على ملف المصالحة الفسلطينية ككل ، يرى بعض المحللين، أن قرار عودة العلاقات مع إسرائيل “يثير القلق والخوف العميقين في أوساط الشعب الفلسطيني بشأن إنهاء الفرص الجدية لتحقيق المصالحة”. وان السلطة الفلسطينية لا تزال تراهن على العودة إلى طاولة المفاوضات، وإعادة إحيائها ضمن صيغ مختلفة، إمّا عبر الشرعية الدولية، أو إحياء الاتفاقات السابقة، أو البناء على ما وصلت إليه المفاوضات.
ويشدد هؤلاء على أن الشعب الفلسطيني ” يريد التركيز على بناء مشروع وطني موحد وفق رؤية وطنية توافقية، وبوصلة مُحددة، تنهي الانقسام بشكل فوري، وتوحد الشعب على الكفاح الوطني من أجل ممارسة حقه الجماعي في تقرير المصير”.
ويخلص هؤلاء الى ان توقف جهود المصالحة ، “يفاقم من الإحباط في صفوف الفلسطينيين ويعزز الرأي القائل بأن التوجه نحو تلك المصالحة كان تكتيكيًا الهدف منه التلويح لأطراف خارجية”.