التجدد الاخباري- ترجمة خاصة – مكتب واشنطن

الرئيس الصيني شي جين بينغ (يسار) والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز (يمين) يحضران الحفل الختامي “الطريق إلى الجمهورية العربية” للقطع الأثرية المكتشفة في المملكة العربية السعودية في المتحف الوطني الصيني في بكين في 16 آذار\ مارس 2017. AFP
مؤشرات الانخراط الصيني
يعتقد القادة العرب والإسرائيليون (ناهيك عن الإيرانيين) أن الرئيس الصيني؛ شي جين بينج، في طريقه ليحل محل دور الولايات المتحدة بوصفها قوة مهيمنة محلية؛ وذلك في ضوء الاعتبارات الآتية:
1– تنامي العلاقات التجارية الثنائية بين بكين ودول المنطقة: في العام الماضي، كان أكثر من نصف النفط الخام المُصدَّر إلى الصين من المنطقة. وفي عام 2021، بلغ حجم التجارة الثنائية بين العالم العربي والصين 330 مليار دولار، بزيادة قدرها أكثر من الثلث عن العام السابق.
2– مشاركة دول المنطقة في مبادرة الحزام والطريق الصينية: تفتخر الصين في مبادرة الحزام والطريق بأكثر من 20 شريكاً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقد وقَّعت بكين 15 اتفاقية “شراكة استراتيجية” مع الدول العربية في العقد الماضي وحده.
3– المشاركة الحذرة لبكين في الصراع العربي الإسرائيلي: وفقًا للتقرير، أشارت المبادرات الأخيرة التي طرحتها بكين إلى أنها ربما تتجه ببطء نحو مزيد من المشاركة السياسية في المنطقة؛ إذ كان الاقتراح الذي قدمه وزير الخارجية الصيني وانج يي بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والذي طُرِحَ في إطار حرب مايو 2021 بين إسرائيل وحماس، مُثيراً للاهتمام في جوهره؛ لمجرد أن الوزير تحدث عن مسائل استراتيجية جوهرية مثل حل الدولتين، وعاصمة فلسطينية في القدس الشرقية، وأهمية تحرك مجلس الأمن لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكن النقاط المطروحة – بحسب المقال – كانت عامَّة تماماً؛ تحثُّ على الحوار، وتضع حداً لـ”أعمال العنف ضد المدنيين”، وغير ذلك من مسودات عملية السلام.
4– عقد الصين اتفاقية تعاون طويلة الأمد مع إيران: أبرمت بكين العام الماضي مع طهران اتفاقية للتعاون لمدة 25 عاماً، إلا أنها بحسب المقال أثبتت أنها مجرد كلام أكثر من كونها إجراءات؛ حيث أشار الخبراء إلى أن الشركات الصينية “ستضطر إلى استثمار 16 مليار دولار في المتوسط سنوياً في إيران لتحقيق الهدف” لكن على سبيل المقارنة “بلغ إجمالي استثمارات الصين في إيران 4.7 مليار دولار من 2005 إلى 2020”.
5– السعي الصيني إلى المشاركة الأمنية بدرجة أكبر في المنطقة: على الجانب الأمني، بدأت الصين، بالمثل، مشاركة أكبر؛ حيث ساهمت بأكثر من 1800 جندي في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة إلى المنطقة وحولها اعتباراً من عام 2020 (419 جندياً في لبنان، و370 جندياً في السودان، و1072 جندياً في جنوب السودان). وشاركت البحرية الصينية أيضاً في مهمات أمنية بحرية في بحر العرب وخليج عدن، وبنت قاعدتها العسكرية الأولى في الخارج في جيبوتي في عام 2017، بل كان هناك اقتراح بأن بكين قد تبني قاعدة عسكرية سرية في ميناء بدولة الإمارات ذات الأهمية الاستراتيجية.
6– زيادة التعاون العسكري الصيني مع دول المنطقة: من جانبها، تعاملت الحكومات العربية والإيرانية والإسرائيلية بحذر مع الصين، متحمسةً بشأن احتمالات شراء الأسلحة والاستثمارات. ويرى المقال أن تراجع قدرة روسيا على بيع الأسلحة قد يؤدي إلى زيادة حاجة دول المنطقة إلى بكين، كما يؤكد المقال أن الصين مستعدة لبيع طائرات بدون طيار متطورة بنسبة متزايدة إلى الحكومات العربية، بينما كانت الولايات المتحدة مترددة في القيام بذلك. ويشير المقال أيضاً إلى أن صادرات الأسلحة الصينية إلى المنطقة تضاعفت تقريباً خلال العقد الماضي.
7– حرص الصين على عدم الاهتمام بالقضايا الحقوقية: يعتقد المقال أن عدم اهتمام بكين بأمور الديمقراطية أو انتهاكات حقوق الإنسان جعلها شريكاً أكثر جاذبيةً لدول المنطقة، على نقيض الولايات المتحدة، التي تربط دائماً الديمقراطية وحقوق الإنسان بمبيعات الأسلحة، والمساعدات الاقتصادية، وحتى صناديق التنمية.

مؤشرات الانخراط الروسي
على الرغم من أوجه القصور العسكرية لموسكو في أوكرانيا والجهود الغربية لجعلها منبوذة دولياً، يظل فلاديمير بوتين لاعباً مهماً في المنطقة، ولديه شركاء راغبون ومصالح مشتركة، يوضحها المقال على النحو الآتي:
1– تنامي المصالح المشتركة بين روسيا وإيران: في رد مباشر على زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الأخيرة إلى المنطقة، سافر “بوتين” إلى طهران لحضور اجتماع عملية أستانة للسلام مع نظيريه الإيراني والتركي، وهو جهد ثلاثي لإدارة المصالح المتنافسة للحكومات الثلاث في الصراع السوري المستمر منذ عشر سنوات. ويشير المقال إلى أن العلاقات بين الروس والإيرانيين زادت منذ العملية العسكرية الروسية بأوكرانيا؛ إذ تمتلك طهران الخبرة التي تريدها موسكو، وتحديداً أفضل السبل للالتفاف على العقوبات الغربية، كما ينتج الإيرانيون أيضاً معدات عسكرية يحتاجها الروس، على شكل طائرات بدون طيار لمهاجمة الأسلحة المتطورة التي يقدمها الغرب إلى أوكرانيا. كما تمثل إيران أهمية جغرافية تاريخية وحالية لروسيا؛ حيث تعمل كبوابة إلى جزء كبير من الشرق الأوسط ودول الخليج.
2– محاولة التوافق بين روسيا وتركيا حول سوريا: كان للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أجندة خاصة به في الاجتماع مع “بوتين” والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وتمثل هدفه الرئيسي في الوصول إلى اتفاق لشن توغل تركي آخر في شمال سوريا؛ حيث يريد “أردوغان” إقامة منطقة آمنة للعودة القسرية للاجئين السوريين، وهي على الأرجح خطوة تحظى بشعبية في تركيا، ويريد الرئيس التركي التحرك نحوها قبل انتخابات العام المقبل. ولطالما قاومت موسكو أي هجوم تركي؛ لأن سيطرة تركيا على الأراضي في الشمال من شأنها أن تعرض رؤية بوتين للنصر في سوريا كدولة موحدة تحت قيادة الأسد للخطر. ومع ذلك، قد يكون “بوتين” – حسب المقال– على استعداد لقبول غزو تركي محدود ومؤقت؛ لأنه سيُعقِّد مهمة الولايات المتحدة في سوريا، ويؤدي إلى تفاقم التوترات في الناتو بشأن علاقة أنقرة بموسكو.
3– استياء روسي تركي من دور واشنطن في الشرق الأوسط: على الرغم من اختلافهما بشأن سوريا وليبيا وناجورنو كاراباخ، فإن “بوتين” و”أردوغان” كلَيْهما يشعران بالاستياء من النظام الذي تقوده الولايات المتحدة في المناطق المحيطة بهما، لا سيما في أوروبا وشرق البحر المتوسط والشرق الأوسط.
4– المصالح التجارية الواسعة بين روسيا ودول الخليج: بحسب المقال، تشير النتائج الهزيلة لزيارة “بايدن” إلى المنطقة إلى أنه لا يوجد أي من الفاعلين الإقليميين، وخاصةً في الخليج، على استعداد للتخلي عن تحوطاتهم مع روسيا أو الصين؛ فخلال زيارة “بايدن” أوضح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إلى أن اتفاقه مع الرئيس الأمريكي على إنتاج المزيد من النفط مرهون بظروف السوق واتفاق أعضاء “أوبك+”؛ ما يعني أن العلاقات مع الولايات المتحدة لا تتفوق على علاقته بروسيا. ويعتقد المقال أنه في هذه اللحظة، لدى السعوديين علاقة مصالح مع الروس بشأن سعر النفط أكبر بكثير من اهتمامهم بالولايات المتحدة؛ وذلك لأن السعوديين وغيرهم فقدوا الثقة بأن الولايات المتحدة ملتزمة بالأمن والاستقرار الإقليميين.
5– التعاون العسكري الكبير بين روسيا ومصر: يرفض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أيضاً عزل موسكو؛ إذ بين عامي 2017 و2021، كانت روسيا أكبر مورد للأسلحة لمصر، تليها فرنسا وإيطاليا. و(احتلت الولايات المتحدة المرتبة الخامسة في القائمة بعد ألمانيا)، كما تعاونت مصر وروسيا بجانب الإمارات في ليبيا؛ حيث حاربت مجموعة فاجنر بجانب الجيش الوطني الليبي بقيادة الجنرال خليفة حفتر.
6– حاجة إسرائيل إلى روسيا لتحجيم إيران: يرى المقال أنه لا يزال الإسرائيليون بحاجة إلى الروس في سوريا لشن حرب الظل ضد إيران، وهي محاولة من المرجح أن تصبح أكثر صعوبة مع تقارب موسكو وطهران.

استمرار الهيمنة الأمريكية
يعتقد المقال أنه رغم تزايد انخراط كل من بكين وموسكو في المنطقة، فإنه لا يمكنهما احتلال دور واشنطن في الشرق الأوسط؛ وذلك في ضوء الاعتبارات الآتية:
1– تأكيد الحرب الأوكرانية ضعف روسيا: بحسب المقال، كشفت حرب موسكو على أوكرانيا أن روسيا ضعيفة، وهو الأمر الذي سيُقوِّض حتماً نفوذ “بوتين” العالمي. ومن المرجح أن ينتهي التحوط ضد الانسحاب الأمريكي الذي قام به شركاء واشنطن، وخاصةً في الشرق الأوسط، مع موسكو؛ فمن سيرغب في معدات وعقيدة عسكرية روسية بعد مثل هذه الإخفاقات العسكرية المذهلة في أوكرانيا؟! مثل محاولة عبور نهر سيفيرسكي دونتس التي خسرت خلالها روسيا كتيبة كاملة.
2– أولوية احتواء إيران لدى دول المنطقة: تتلخص المخاوف العربية والإسرائيلية في أولوية عليا واحدة، وهي احتواء إيران. وعلى الرغم من حرص إدارتي “أوباما” و”بايدن” على استرضاء طهران، تظل الولايات المتحدة مع ذلك القوة العالمية الوحيدة المستعدة والقادرة على معاقبة النظام الإيراني على سلوكه الإقليمي الخبيث.
3– قدرة واشنطن على عزل قادة إيران عن السلطة: من منظور القوى العربية السنية في الشرق الأوسط، وكذلك إسرائيل، فإن الإدارة الأمريكية ستكون فاعلاً مثالياً لعزل قادة إيران من السلطة. ورغم أن رد إدارة “بايدن” على طهران، بعيد عن المستوى الأمثل، فإنه لا يزال أكثر مما ستقدمه الصين؛ فعلى الرغم من أن إدارة “بايدن” كانت أقل صرامةً بقدر ملحوظ في التعامل مع إيران من إدارة “ترامب”، كانت مستعدة مع ذلك لمنع شحنات الأسلحة الإيرانية إلى حلفائها في أماكن مثل اليمن، وفرض عقوبات على برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، ومقاومة محاولات الحرس الثوري الإيراني لتخويف السفن في المياه الدولية للخليج العربي.
4– تأكيد واشنطن منع إيران من الحصول على سلاح نووي: يرى المقال أن إعادة تأكيد “بايدن” مؤخراً استعداد الولايات المتحدة “لاستخدام جميع عناصر قوتها الوطنية” لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، كان موضع ترحيب أيضاً، ويتناقض بدرجة كبيرة مع نهج الصين الأكثر حذراً تجاه التهديدات الإيرانية، فضلاً عن نهج موسكو المتقارب بقدر كبير مع طهران.
5– عدم اهتمام “بكين” بممارسة سياسة توازن القوى: يرى المقال أنه لو كانت دول الشرق الأوسط مهتمة في المقام الأول بالمال والسلاح، لكانت الصين محل نفوذ باعتبارها وسيطاً قوياً، لكن بكين غير مهتمة بممارسة سياسة توازن القوى، ناهيك عن توفير مظلة أمنية لدول الخليج. وبدلاً من ذلك، تسترشد بكين بأولوياتها الخاصة في المنطقة، مع إشارة عرضية فقط إلى المصالح الأمنية المحلية. وهذا يضع الصين عند تقاطع طرق التجارة الرئيسية، بصفتها مشترياً لإمدادات الطاقة الحيوية، وبائعاً للأسلحة، ومشاركاً في القضايا الجيوستراتيجية، مثل عملية السلام والمفاوضات النووية الإيرانية. لكنها لا تذهب أبعد من ذلك.
ختاماً.. يشير المقالان إلى أنه في المستقبل القريب من غير المرجح أن يتغير دور الصين على الهامش؛ إذ ستستمر بكين في الاهتمام بشأن أمن مصادر الطاقة في الشرق الأوسط، وتسعى إلى زيادة نفوذها السياسي مع مورديها الرئيسيين، والبحث عن فرص لإبراز قوتها العسكرية على نحو أفضل. لكن طالما ظل الرئيس “شي” عازماً على التنازل بقوة لصالح كلا الجانبين في صراع القوة بين إيران وجيرانها الإقليميين، فلن تصبح الصين لاعباً مهيمناً في الشرق الأوسط. ومع ذلك، يؤكد المقالان أن قادة مصر والخليج لا يريدون أن يجبروا على الاختيار بين الولايات المتحدة وبين روسيا والصين. ويرجع هذا جزئياً إلى الاستفادة من تجربة “الحياد الإيجابي” للرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر؛ إذ سعى إلى اللعب مع القوى العظمى المتنافسة للحصول على أكبر قدر ممكن من المساعدة.
ملاحظة :
هذه المادة هي خلاصة موجزة لمقالين نشرهما موقع مجلة الـ” فورين بوليسي” الامريكية المرموقة :
الأول بعنوان: “لن تحل الصين محل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط”، للكاتبَين “دانييل بليتكا” الباحثة كبيرة في معهد أمريكان إنتربرايز، و”دان بلومنتال” مدير الدراسات الآسيوية في معهد أمريكان إنتربرايز.
https://foreignpolicy.com/2022/07/20/china-us-middle-east-relations-hegemon-saudi-iran/
والثاني بعنوان: “لا يزال لدى روسيا شركاء راغبون في الشرق الأوسط” للكاتبَين “ستيفن كوك” الزميل الأقدم في زمالة “إيني أنريكو ماتي” لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في “مجلس العلاقات الخارجية”، و”بيث سانر” الباحثة الأولى في مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية بجامعة هارفارد؛ وذلك في 20 يوليو 2022.
https://foreignpolicy.com/2022/07/20/putin-meeting-iran-turkey-russia-middle-east-syria-ukraine/