\التجدد \ قسم الترجمة الخاصة
مخاطر متشابكة

1- ان النظام العالمي خلال العقد الآني يواجه تراجعاً شديداً، وهناك قلقاً من أن يصبح هذا التراجع أكثر حدة، بسبب التقاء التهديدات التقليدية مع التهديدات الجديدة المعاصرة التي يتعرض لها النظام العالمي، والتي تتقاطع في الوقت الآني مع تراجع دور الولايات المتحدة الأمريكية في خضم الأزمات الداخلية التي تواجهها، في مقابل بروز منافسة قوية من قوى عظمى أخرى غير ديمقراطية، ذات طموحات إمبريالية، وعلى رأسها روسيا والصين، على حد ما ذكر المقال.
2- تهديد الطموحات الروسية الحالية استقرار النظام الدولي: من أبرز المخاطر التي تواجه استقرار النظام الدولي القائم، الدور الذي تطمح إليه روسيا تحت قيادة “فلاديمير بوتين” على قمة النظام الدولي، متجاهلةً أسس النظام القائم الذي لا تعترف به. وما يضاعف هذا الخطر هو طموح الرئيس “بوتين”، الذي يتوق إلى إعادة مجال النفوذ الروسي، وربما حتى الإمبراطورية الروسية.

“بوتين” على استعداد لفعل أي شيء لتحقيق هذا الهدف، وقد أظهر بشكل متكرر استعداده لاستخدام القوة العسكرية الغاشمة ضد السكان المدنيين في أوروبا والشرق الأوسط. ولا أدل على ذلك من التدخل العسكري الروسي المتكرر في أوكرانيا ومحاولة ضم أجزاء من البلاد، مستغلاً قدرته على التحرك بحرية إلى حدٍ كبير مع ضعف القيود المحلية التي يواجهها في سبيل تحقيق تطلعاته.
3- تطلع الجانب الصيني إلى تعزيز دوره ومكانته بالنظام الدولي: طبقاً للمقال، شرعت الصين كذلك في عهد الرئيس “شي جين بينج”، في تعزيز سيادتها الإقليمية، ربما تمهيداً للقيام بدور عالمي أكبر، واضعةً نفسها على مسار يؤدي إلى زيادة المنافسة أو حتى المواجهة مع الولايات المتحدة. ورأى المقال أن الرهان على أن دمج الصين في الاقتصاد العالمي سيجعلها أكثر انفتاحاً على الصعيد السياسي، وأكثر توجهاً نحو السوق، وأكثر اعتدالاً في سياستها الخارجية، أخفق بشكل لافت.
الصين اليوم أقل حرية في الداخل، مضيفاً أنها وضعت المزيد من السلطة في يد فرد واحد أكثر من أي وقت مضى منذ عهد حكم “ماو تسي تونج”. وبينما تسعى الحكومة إلى تقييد صناعات القطاع الخاص، زادت قوتها العسكرية التقليدية والنووية بشكل ملحوظ، وعملت على عسكرة بحر الصين الجنوبي، وخاضت صداماً حدودياً مع الهند، ولا تزال تمارس المزيد من الضغط على تايوان.
4- تصادم المخاطر الجيوسياسية التقليدية مع تحديات جديدة: بجانب ما سبق، تتصادم المخاطر الجيوسياسية التقليدية المرتبطة بالدور الذي تسعى إليه كل من روسيا والصين في مخالفة لأسس النظام الدولي القائم، مع تحديات جديدة معقدة ومركزية في الوقت المعاصر، مثل تغير المناخ وانتشار الأوبئة وتنامي خطر الانتشار النووي؛ ما يضاعف خطر التحديات التي تواجه النظام الدولي.
5- تراجع تعاون القوى العظمي لمواجهة التحديات المشتركة: ليس من المستغرب، في ظل الوضع الدولي القائم، أن تؤثر التداعيات الدبلوماسية الناجمة عن الخصومات المتزايدة على فرص عمل القوى العظمى معاً لمواجهة التحديات العالمية المتنامية، التقليدية منها أو المعاصرة، حتى عندما يكون ذلك في مصلحتها. ان وباء “كوفيد- 19” على وجه الخصوص كشف عن القيود التي أثرت سلباً على أداء منظمة الصحة العالمية في التعامل مع الوباء.
والدليل على ذلك بعدم استعداد أو عدم قدرة حتى الدول الغنية والمتقدمة على الاستجابة للأزمة التي كانت قد عانت منها جميعها، خاصةً أن ما يقرب من 15 إلى 18 مليون شخص في جميع أنحاء العالم توفوا نتيجة الوباء إلى الآن. وفي ضوء أن الصين ترفض إلى الآن، وبعد ما يقرب من ثلاث سنوات من بدء الوباء، التعاون في تحقيق مستقل لمعرفة كيف نشأ الفيروس وانتشر، فإن ذلك يجعل من الصعب منع تفشي الوباء التالي، ويقدم مثالاً واضحاً على تضافر الاختلالات الجيوسياسية مع المشكلات الجديدة في النظام الدولي.
6- وجود تهديد لقيادة واشنطن للعالم نتيجة انقسامها الداخلي: ان ما يزيد الأمر تعقيداً، هو حقيقة أن التماسك السياسي داخل الولايات المتحدة معرض لخطر شديد يهدد الديمقراطية الأمريكية ذاتها إلى درجة لم تشهدها منذ منتصف القرن التاسع عشر، ولا شك أن لهذا الأمر تبعاته السلبية على النظام العالمي، في ضوء أن الولايات المتحدة هي التي تتولى قيادة النظام الموجود على مدار الـ75 عاماً الماضية، ولا يزال دورها مركزياً إلى اليوم، غير أن مشكلاتها المحلية في ظل تنامي حدة الاستقطاب الداخلي يهدد قدرتها على مواصلة دورها القيادي على المسرح الدولي.
حتى إن كانت البلاد لا تزال تحتفظ بالعديد من نقاط القوة، لكنها تواجه في الوقت نفسه مشكلات أخرى متنامية، مع تنامي المشكلات المرتبطة بانتشار السلاح، والجريمة، وتعاطي المخدرات، والهجرة غير الشرعية، فضلاً عما تعانيه البلاد من انقسامات سياسية خطرة. فإنه نتيجة لذلك، أصبح النموذج السياسي الأمريكي أقل جاذبية، وأسهم التراجع الديمقراطي في الولايات المتحدة في تراجع تأثيرها ونفوذها في أماكن أخرى.
7- كشف أزمة أوكرانيا ضعف قدرة النظام على مواجهة التحديات: محدودية القدرة على التعاون في مواجهة التحديات الدولية تتجلى في محدودية الاستجابة العالمية لمواجهة التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، مضيفاً أن هذا الأمر يختلف عما حدث في أوائل عقد التسعينيات مع غزو النظام العراقي بقيادة “صدام حسين” للكويت، ونجاح واشنطن في الحصول على دعم دولي واسع النطاق، شمل حتى روسيا والصين، للتدخل عسكرياً بهدف إخراج القوات العراقية من الكويت، تحت رعاية الأمم المتحدة، حتى تم القضاء على العدوان العراقي خلال أشهر قليلة وبأقل التكاليف.
يختلف الأمر جذرياً في عالم اليوم؛ فحتى إن كان التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا قد ألهم شعوراً بالتضامن ومستويات جيدة من التنسيق بين الدول الغربية في مواجهته، إلا أن هذا التضامن لم يكن على المستوى المطلوب في ظل تراجع دور مؤسسات النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في مواجهة الهجوم الروسي.
بدلاً من ذلك، انضمت بكين إلى موسكو، ورفضت الكثير من دول العالم التماهي مع العقوبات التي فرضتها واشنطن وشركاؤها على روسيا. ورأى المقال أنه مع انتهاك أحد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي بشكل صارخ للقانون الدولي ومبدأ عدم تغيير الحدود بالقوة، تظل الأمم المتحدة مهمشة إلى حد كبير.
تغيير متدرج
في النهاية هذه مجموعة من المقترحات، ضرورية للحفاظ على النظام الدولي القائم :
1- الرهان باستمرار على الدور الأمريكي للحفاظ على النظام: برغم الفجوة المخيفة بين التحديات العالمية وكيفية استجابة العالم لها، لا يزال الرهان على الدور الأمريكي لتجنب مزيد من التدهور في النظام الدولي قائماً. ضرورة أن تكون مهمة صانعي السياسات في الولايات المتحدة هي إعادة اكتشاف مبادئ وممارسات فن الحكم، من خلال حشد القوى الوطنية والعمل الجماعي ضد النزعة نحو الفوضى، على أن يكون الهدف هو إدارة الجغرافيا السياسية التقليدية والعمل لمواجهة التحديات الجديدة عبر التعاون في إطار المؤسسات التي يوجد حولها إجماع كافٍ.
2- إعطاء أولوية للواقعية على تعزيز الديمقراطية بالخارج: في إطار الدور المطلوب أمريكياً، سيتعين على واشنطن إعطاء الأولوية للحفاظ على النظام الدولي بناءً على أسس واقعية تتجاوز الأهداف المثالية الخاصة بتعزيز قيم الديمقراطية في الخارج، وهذا في الوقت الذي تعمل فيه واشنطن على تعزيز هذه القيم في الداخل لتجاوز الاستقطاب الحاد الذي تشهده البلاد؛ حيث يجب أن يكون الترويج للديمقراطية في الداخل بدلاً من الخارج هو محور اهتمام الولايات المتحدة.
3- تجنب السعي لإحداث تغييرات جذرية في روسيا والصين: في سياق النهج الواقعي المطلوب من الولايات المتحدة في التعامل مع تحديات النظام الدولي، فإنه لا يتعين على السياسة الأمريكية السعي إلى إحداث تغييرات جذرية في روسيا أو الصين، على اعتبار أن الدعوة إلى تغيير الأنظمة من المرجح أن تكون غير ذات صلة أو تأتي بنتائج عكسية. أيضا ضرورة أن تتعامل الولايات المتحدة مع روسيا والصين كما هي، لا كما تفضل واشنطن أن تكون، مضيفاً أنه لا ينبغي أن ينصب التركيز الأساسي للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه روسيا والصين على إعادة تشكيل مجتمعاتهما، بل التأثير على خيارات سياستهما الخارجية.
على الإدارة الأمريكية إلى الاستمرار في تقديم الدعم العسكري والاقتصادي المكثف لأوكرانيا لضمان استمرار قدرتها على البقاء دولة ذات سيادة. وانه بمرور الوقت، من الممكن أن يؤدي الحد من النجاح الخارجي لكل من روسيا والصين، بالتوازي مع تجنب المواجهة معهما، إلى بناء ضغوط داخلية قد تؤدي إلى إحداث التغيير المرغوب، مثلما حدث مع الاتحاد السوفييتي على مدى أربعة عقود.

جَسْر الانقسامات
مع الوضع في الاعتبار ، أن أكبر خطر على أمن الولايات المتحدة في العقد القادم سيكون من داخل الولايات المتحدة ذاتها؛ حيث لا يمكن لدولة منقسمة على نفسها أن تكون ذات موقف فعال ومؤثر على قمة النظام العالمي، ولن يُنظر إليها على أنها شريك أو زعيم يمكن الاعتماد عليه؛ فإن ذلك يتطلب في المقام الأول مواصلة الجهود لأجل جَسْر الانقسامات داخل البلاد من جانب السياسيين والأكاديميين وحتى المواطنين الأمريكيين، الذين يمكنهم مكافأة أو معاقبة السياسيين وفقاً لسلوكهم.
– ريتشارد هاس”– هو دبلوماسي أمريكي، يشغل منصب رئيس مجلس العلاقات الخارجية منذ يوليو 2003، وقبل ذلك كان يشغل منصب مدير تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأمريكية