aren

العريضة المُعَتَّمًُ عليها \\ كتابة : جهاد الزين
الأحد - 6 - يونيو - 2021

في العريضة – الوثيقة التي وقّعتها حسب صحيفة “اللوموند” أكثر من مائة شخصية لبنانية “من المجتمع المدني” والتي رفعتها إلى رئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكرون، مقارنة مذهلة من حيث النتائج بين القدرة الشرائية لمشروع مارشال الأميركي الذي وُضِع لمساهمة الولايات المتحدة  في إعادة بناء خمسة عشر بلدا في أوروبا الغربية بينها بريطانيا وألمانيا الغربية وفرنسا وهولندا من أنقاض الحرب العالمية الثانية وبين القدرة الشرائية لمجموع ما حصل عليه لبنان بين عامي 1993 و2012 من رساميل من ضمنها رساميل مؤتمرات باريس 1 و 2 و 3 والمقدرة بِ 170 مليار دولار. قروض مشروع مارشال كانت، أي قبل أكثر من سبعين عاما 16,5 مليار دولار بالقدرة الشرائية التي للأموال ال 170 مليار دولار التي تدفقت على لبنان خلال ما يقارب العشرين عاماً.

تقدّم هذه المقارنة، وأكرر المذهلة، مادة غير مسبوقة لفداحة النهب والفساد اللذين تعرّض لهما لبنان على يد منظومته السياسية والاقتصادية واللذين أدّيا إلى الانهيار الاقتصادي والمالي الذي نعيشه.  هذه العريضة  التي نُشِرت في “اللوموند” في السابع من نيسان المنصرم، تطالب الرئيس ماكرون بوضوح تجميد كل الأموال والأملاك المشكوك فيها للسياسيين اللبنانيين وأصحاب ومساهمي المصارف  بما فيها العائدة لحاكم مصرف لبنان عبر تشجيع فتح ملفات تحقيق قضائية على المستوى الأوروبي ضمن ما تعرّفه بأنه “الأموال المكتسَبة بشكل سيء” لتحديد ذلك وخصوصاً طلبات التحقيق التي قدّمتها الوزارة المختصة في الاتحاد السويسري حول عمليات معينة من تحويل الأموال الآتية من لبنان.

لم تأخذ هذه العريضة- الوثيقة الأهمية التي تستحق في لبنان، وأظن أن التعتيم عليها كان مقصودا (و”طبيعياً”!) في بيروت، مع أنها من وجهة نظري، تمثّل واحدة من أهم وأدق الوثائق التشخيصية للانهيار اللبناني على نمط بونزي (Ponzi) و”تلميذه النجيب” برنارد مادوف أو كما تقول العريضة “تابعه الشهير” برنارد مادوف، ومع أن الرئيس ماكرون كان مبادراً بعد زيارته الأولى لبيروت في التوصيف البونزي الصريح للسلوكيات المالية الرسمية اللبنانية.

تُظهِر فرنسا رغم كونها دولة عظمى منخرطة في العديد من الصراعات الدولية والإقليمية المبنية على مصالح ضخمة، أنها بلد قابل للمراجعة والنقد في مجال الأخلاقيات السياسية كما فعل مؤخرا الرئيس ماكرون في اعترافه الشجاع بمسؤولية فرنسا في المجازر التي وقعت في رواندا وذهب ضحيتها عشرات بل مئات الألوف بين قتلى وجرحى واغتصابات لنساء من أقلية التوتسي على يد طغمة حاكمة من الهوتو بين عامي 1990 و 1994 وخصوصا في فترة محددة من العام 1994 عندما كانت قوات الهوتو تحظى بدعم مدربين فرنسيين وعتاد فرنسي في عهد الرئيس فرانسوا ميتران ضمن صراع يقول الكثير من الوثائق المنشورة عن تلك المرحلة أنه حصل في إطار صراع فرنسي أميركي عندما كان الأميركيون يوجّهون سياستهم المركّزة في قلب القارة السوداء من أوغندا الخاضعة لنفوذهم وبعض مناطق الكونغو زائير المجاورة. صراع على الموارد الأولية التي بعضها استراتيجي للصناعة النووية. وماكرون كما تقول الفيغارو أمس الأول عاد “يملأ” الواجهة الإعلامية بسبب حجم القضايا الكبرى الداخلية والخارجية التي يثيرها.

لبنان في الوجهة الشجاعة التي اتخذها الخطاب السياسي الفرنسي الرسمي بقيادة ماكرون حيال أزمته، وهي الوجهة غير المضمونة النتائج في السياسة الواقعية، يشهد محاولة رئيسية غير مألوفة في السياسة الدولية ولكنها تعطي فرنسا رصيدا مهما لدى النخب اللبنانية ستكون له نتائجه على المدى الأبعد. والعريضة التي نحن بصددها هنا هي حصيلة الظاهرة نفسها.

تصرفت فرنسا حتى الآن وكأنها لا تريد بعد انفجار 4 آب أن تكون شاهداً على “الجينوسيد” السياسي والاقتصادي اللبناني. وهي المنخرطة في صراعات شرق المتوسط فيما يحدث شيء بل أشياء ضدها في منطقة نفوذها في الصحراء الكبرى كما توحي مؤخرا أحداث تشاد ومالي.

أقترح أن تُعمّم عريضة المائة لبناني بأوسع ما يمكن وحتى باليد على الجامعات وعلى المدارس الثانوية اللبنانية مع كامل التواقيع المائة ونيِّف عليها، وإن كنتُ أتمنى أن يبادر أحد واضعيها إلى شرح تلك المقارنة مع أموال مشروع مارشال ومصادرها لأنها مقارنة تحتاج إلى تدقيق علمي، هذا على الرغم من أن هَوْلها سيبقى كبيراً حتى لو نزل تقدير الرقم اللبناني من حيث القوة الشرائية إلى نصف رقم مشروع مارشال. فأي لعبة دولية  هذه كانت تسمح بتدفق أموال غير خاضعة لمراقبة ومحاسبة بهذه الضخامة و”الأريحية” آنذاك على بلد صغير كلبنان في قلب الشرق الأوسط وتحت النفوذ الأميركي السوري والامتدادات الإيرانية والسعودية؟

“النهار”اللبنانية