aren

الطبقة السياسية اللبنانية كمشكلة دولية: لن يساعدوكم كي تساعدوهم السيد الوزير \\ كتابة : جهاد الزين
السبت - 11 - يوليو - 2020

جان إيف لودريان

جان إيف لودريان

ما قاله وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أمام مجلس الشيوخ الفرنسي يعكس وعياً أكيداً بكون الطبقة السياسية اللبنانية بكاملها غيرَ قابلة بالإصلاح وعصيَّةً عليه. ما قاله الوزير الفرنسي بديبلوماسية هو حتما الجزء الظاهر من جبل التعامل الدولي مع لبنان. الوضع معقّد جدا: دعك من الصراع الأميركي والخليجي مع إيران، فمعضلة فساد الطبقة السياسية اللبنانية هي مسألة قائمة بذاتها. المشكلة التي على الغرب أن يحاول معالجتها، ولا نعرف ولا يعرف هو كيف، هي أن واشنطن وبرلين وباريس في صراعها مع إيران في لبنان تتحالف مع سياسيين فاسدين أي مع جزء من هذه الطبقة ضد الجزء الآخر الذي يسيطر عليه حزب الله. هكذا وبمعزل عن القوى النخبوية الإصلاحية التي قادت حراك 17 تشرين فإن الصراع الأميركي الإيراني حين يلجأ إلى قوى سياسية لبنانية يصبح المشهدُ صراعَ حلفاء فاسدين مع حلفاء فاسدين. حلفاء فاسدون على الجبهتين هم جميعاً تركيبة نظام وصل بالبلاد في جميع مرافقها، بما فيها مرفق الإدارة المالية لأعباء الصراع مع إسرائيل، إلى الانهيار الكامل.

أتصور أن الغرب ينظر اليوم إلى الفساد اللبناني،بما هو بالنتيجة مانع لإنقاذ لبنان، على أنه مشكلة مستفحلة. إذا كان الغرب صادقاً(؟) في دعم الأفكار الإصلاحية لإنقاذ الدولة اللبنانية، فإن الطبقة السياسية المتحكّمة بلبنان هي إذن مشكلة دولية. لا نعرف كم يهتم الدهاء الإيراني بالأفكار الإصلاحية اللبنانية، ولكن هذا الدهاء المنشغل بمشروع الحفاظ على مواقع نفوذ في بعض المنطقة، ولاسيما في مشرقها، لن يعنيه كثيرا إنقاذ دولة متهالكة لأن التهالك رغم المصاعب التي يواجهها استثمارُه الاستثنائي في لبنان “حزب الله”، فهو بات، أي الدهاء الإيراني، محترفاً في التغلغل الديناميكي بين نقاط ضعف بُنى الدول التي تحيط به من أفغانستان إلى العراق وسوريا ولبنان، ولن تضيره إدارة انهيار لبناني، لأنه هو نفسه وُلِد كنفوذ في لبنان خلال الفرصة التي أتاحتها له الحرب الأهلية اللبنانية، بين العام 1979 تاريخ انطلاق الثورة الإيرانية وعام 1990. الخاسر الكبير هو دائماً الفكرةالإصلاحية في وضع مأزقي كهذا تتبادل فيه حالتان مختلفتان، الموضوع الإسرائيلي والفساد، تفاعلاً حمائياً يمنع التغيير أو يساهم في تجميده.

هناك لاعب آخر يتفرج ويضرب وكأنه ينتظر انحلال كل المنطقة ليبقى وحده الدولة القوية المتماسكة فيها، هو العدو الإسرائيلي، كأن طيرانه يحرس يوميا وفي خطة استراتيجية التفتت في سوريا والعراق ولبنان. وبمعنى ما يحرسه في فلسطين إذا سجّلنا الانقسام الجغرافي السياسي بين غزة “حماس” وضفة السلطة الوطنية الفلسطينية.

لاعبون إقليميّون ثلاثة في الواقع، هم إيران وتركيا وإسرائيل، والأخيرة هي أقواهم عسكريا واقتصاديا. الأولى أي إيران تلعب لعبة الغيريللا في محيط قابل لكل أنواع الحروب الأهلية. والثانية تركيا الجديدة على “المهنة التفتيتيّة” منذ سيطر رجب طيب أردوغان وحده على السلطة وقرّر، كما قال مرةً وزير خارجيته (المنشق الآن) أحمد داوود أوغلو لصحافي تركي مقرب منه في بداية الانفجار السوري وقبل قليل من بدء الهجوم المنسَّق تركيّاً على مدينة حلب، “علينا أن نذهب إلى السوق لكي نتمكن من البيع والشراء”.

كما أن في إرث السياسة الخارجية الفرنسية، عاطفة خاصة حيال البلد الذي أسّسته في الواقع، وهو لبنان، ففي إرث الوسط التركي الحاكم اليوم في أنقرة واسطنبول مرارة عميقة دَفَنَتْها خلال القرن العشرين النخبة الأتاتوركية وأعادت إحياءها النخبة الإسلامية بقيادة الرئيس رجب طيِّب أردوغان، مرارة حيال دول جنوب تركيا الحالية باعتبارها دولاً كانت ولاياتٍ عربية في الأمبراطورية العثمانية واللعب والتلاعب فيها أو في بعضها، لا يثير أحزاناً بل ربما يعيد فرض نفوذ ضائع عبر “الإخوان المسلمين”، فإذا لم ينجح الدخول السياسي العسكري ينجح النفوذ التجاري وهو ما بقي من الأتاتوركية الراحلة.

وحدها روسيا تعيد اليوم تصويب البعد الدولي في الصراع الإقليمي على المنطقة من خلال وجودها على الشاطئ السوري الذي أصبح قاعدة للنفوذ الروسي. وقليلون انتبهوا في لبنان إلى معنى تمركز غير مسبوق لقوة دولية مثل روسيا قادرة على تعداد الأسماك العابرة ذهابا وإياباً بين طرابلس وطرطوس.

على هذه الخارطة وفي جزئها اللبناني هناك دائرتان للاهتمام الغربي في لبنان اليوم: إضعاف النفوذ الإيراني وربما إعادة إنقاذ الدولة اللبنانية من براثن طبقة سياسية فاسدة تديرها.

تتقاطع الدائرتان لكن الأمر المحتمل أن انهيار الدولة اللبنانية قد يصبح عبئاً على الغرب ولاسيما الغرب الأوروبي. سمّت إسرائيل تدخّلَها العسكري في سوريا “الحرب بين حروب”. ماذا ستسمّي الانهيار اللبناني الذي يجعلها تحصد مجدّداً مكاسب في الاقتصاد والثقافة والتعليم؟ فيما أضيف مخزون الغاز إلى خارطة المكاسب الإسرائيلية المحقّقة بينما لا يزال على جهتنا مجرد احتمال.

ينبغي طبعاً التفريق بين الدائرتين. فبينما الدائرة المتعلقة بالنفوذ الإيراني هي مصلحة غربية كبرى فإن الانهيار اللبناني هو موضع اهتمام غربي كبير ولكنه ليس انشغالاً استراتيجيا. انهيار دولة كأمر واقع أو كاحتمال واقعي ليس شأناً بسيطاً في أي منطقة في العالم. فكيف دولة مثل لبنان مجاورة لإسرائيل وهي في الوقت نفسه مركز تراكم ثقافي مبني على مؤسّسات عريقة وموقع تعايش ديني ومذهبي حسّاس . كل هذا قد لا يكوّن مصلحة كبرى غربية. لكن ضمن النطاق المطروح لمسألة المطالب الإصلاحية كمعيار لإعادة دعم الدولة اللبنانية فإن الطبقة السياسية هي مشكلة دولية أياً يكن حجم هذه الطبقة قاتلاً للشعب اللبناني ولنخبه المتحرِّكة اليوم بديناميّة فكرية وشارعية رغم ثورتها الجهيضة.

الحقيقة يريد جزء حيوي من الشعب اللبناني أن يكون فسادُ التركيبة السياسية التي تدير الدولة، مشكلةً دولية. قال وزير الخارجية الفرنسي للطبقة السياسية اللبنانية: ساعدونا كي نساعدكم.

الجواب : لن يساعدوكم كي تساعدوهم. وبالحد الأقصى لن يسمحوا لحكومة حسان دياب أن تساعدكم لتساعدوا لبنان. الفساد لا يُصلِح نفْسَه ولا نَفَسَه.

لبنان في ورطة مصيرية. في مأزق عميق. مأزق مأزقي؟

“النهار”اللبنانية