التجدد الاخباري – ترجمة خاصة – مكتب بيروت
الهجمتان التان نسبتا الى اسرائيل، والتي اصيب فيها هذا الشهر المطار الدولي في دمشق، لم تمر بدون ضرر دبلوماسي معين. أمس (الاحد) اتضح ان روسيا تبلور مشروع قرار في مجلس الامن بحيث يتضمن ادانة للهجومين وتحذيراً من زعزعة الاستقرار الاقليمي ومساً بالسيادة السورية. هذه خطوة روسية ثانية، بعد محادثة توبيخ لسفير اسرائيل في موسكو في الاسبوع الماضي.

حسب تقرير جيلي كوهن من هيئة البث كان، فإن احتمالات نجاح روسيا في تجنيد اغلبية لهذا القرار ليست مرتفعة. الولايات المتحدة واعضاء دائمين اخرين في المجلس من شأنهم ان يعارضوا مشروع القرار الروسي، والذي بالتأكيد يكسر رقم قياسي ما في النفاق، في الوقت الذي تخرب فيه بنى تحتية وتقتل الاف المواطنين في الحرب التي فرضتها على أوكرانيا. وحتى الان الخطوة الروسية تدلل على ان موسكو تواصل معارضتها للهجمات الاسرائيلية في اراضي سوريا وأنها لن تمر مر الكرام على الهجمات المتعمدة لمركز حكم بشار الاسد.
اسرائيل لا تستطيع ان تتجاهل تماماً الاحتجاج الروسي حتى ولو بسبب وجود طائرات لسلاح الجو الروسي في شمال غرب سوريا وايضا بسبب العدوانية التي يظهرها الكرملين في خطواته في الساحة الدولية.
من المرجح ان الرد الروسي الشديد مرتبط ايضا بخيبة امل موسكو من ان اسرائيل تحاول السير بين النقاط وعدم اتخاذ موقف صريح بخصوص الحرب في اوكرانيا. للمفارقة، اسرائيل تتعرض ايضا لنقد من الولايات المتحدة لأنها لا تسوي خطها مع الغرب وتدين بصورة صريحة العدوان الروسي ضد اوكرانيا. الحذر الاسرائيلي هو كبير جداً. الى درجة انه أرسل الى اللقاء الشهري الذي تجريه وزارة الدفاع الامريكية في اوروبا، لتنسيق المساعدة الامنية لأوكرانيا، في الاسبوع الماضي، موظف بمستوي متوسط في وزارة الدفاع.
اسرائيل اوهمت نفسها طوال سنين بأن الهجمات في سوريا ستنجح في نهاية الامر في دق إسفين في الحلف الثلاثي ما بين روسيا وإيران ونظام بشار الاسد. من الواضح تماما ان هنالك التقاء في المصالح وان الرئيس الروسي بوتين لا يذرف دمعة عندما تقيد اسرائيل خطوات إيران في سوريا. ولكن رغم الفوارق بين موسكو وطهران ، فإن لكلتيهما مصلحة واضحة في استمرار وجود النظام. في المكان الذي فيه تتحدى الخطوات الاسرائيلية مباشرة الاسد، او تعرض للخطر حسب رأي بوتين، الاستقرار النسبي في سوريا، فإن روسيا ستدخل.
الاحتجاج الروسي الرسمي يطرح ثانيةً علامات تساؤل بخصوص درجة المخاطرة والفائدة الكامنة في استمرار سياسة (المعركة بين حربين) الاسرائيلية. الهجمات المتكررة على المطار اضرت بمسارات الاقلاع واخرجتها من العمل طوال عدة اسابيع. يبدو انه كان هنا اشارات واضحة للأسد، على خلفية محاولات متكررة لإيران لتهريب “منظومات دقيقة” لتطوير الصواريخ الموجودة بأيدي حزب الله في لبنان. عن طريق حقائب اليد للمسافرين المتجهين من اوروبا الى سوريا.
ولكن ” المعركة بين حربين ” مستمرة منذ عقد تقريبا، وربما ان نتيجتها ليست عالية مثلما كانت في الماضي. المستوى السياسي وجهاز الامن سيضطران الى دراسة هل استمرار الهجمات لم يتم من خلال ميل الى البقاء ومواصلة وضع ثابت دون تغيير (يهاجمون لأنهم يستطيعون) وإذا تطلب الامر اعادة فحص للسياسة وللتعقيدات المحتملة النابعة منها.
ابراج في الهواء
في ساحة اخرى اسرائيل اكتفت، كما هو متوقع، بهجوم سلاح الجو على قطاع غزة يوم السبت صباحاً وهي لا تنوي اتخاذ خطوات اخرى رداً على إطلاق الصاروخ نحو عسقلان. الصاروخ أطلق كما يبدو من قبل نشطاء الجهاد الاسلامي في القطاع، في اعقاب مقتل ثلاثة فلسطينيين مسلحين في مواجهة مع قوات جولاني في جنين قبل ساعات من ذلك هذا الصاروخ تم اعتراضه على يد بطارية قبة حديدية ولم يتسبب بإصابات.
الرد الاسرائيلي المحسوب شمل ايضا قصف ورشات لإنتاج السلاح والى جانب ذلك قصف ثلاثة مواقع مراقبة لحماس على طول الحدود. في هذه الهجمات لم يكن هنالك إصابات. ثمة وظيفة مزدوجة من ناحية سلطة حماس في القطاع للمواقع التي قصفت. تجاه الخارج هذه المواقع تستخدم كمناطق مراقبة للأراضي الإسرائيلية (وبدرجة ما للردع). وتجاه الداخل هي تصعر اجتياز فلسطينيين من القطاع الى اسرائيل دون مصادقة، سواء لأهداف تنفيذ عمليات او بهدف كسب الرزق. ولكن ايضا بالنسبة لإسرائيل فإن هذه المواقع مفيدة. هي تشكل هدفاً سهلاً لنيران رد رمزية، والتي فيها كما يبدو يتم اخذ ثمن من حماس، على الرغم من ان الجيش الاسرائيلي في الغالب يتأكد من ان الحراس قد أخلوها قبل ان يتم فتح النار.
في فجر يوم السبت تشوش شيء ما. الاطلاق نحو مواقع حماس في شمال القطاع، والتي تشرف على “موشاف نتيف هعسرا” المجاور، دمر العريشة الموجودة على قمة برج المراقبة، ولكنه لم يمس بالأعمدة التي تثبته. فورا ثارت عاصفة محلية. سكان في الموشاف احتجوا على عجز الجيش الإسرائيلي. وسائل الاعلام غطت غضبهم بانفعال معين.
فعليا، لقد سبق مررنا بهذه التجربة عدة مرات. حماس وضعت هذه المواقع قبل سنين والجيش الاسرائيلي غير منزعج منها بشكل خاص. عندما ريد هذا التنظيم الفلسطيني إطلاق قذيفة هاون او استخدام قناصة، فإنه يختار لرجاله نقاط اختباء أفضل. هناك يكمن الخطر الأمني الحقيقي. الخطر الذي يتعرض له سكان المستوطنات الاسرائيلية المحاذية للحدود تقريبا لا يتأثر من وجود برج امامهم. السؤال ليس درجة المخاطرة (القليلة) الذي يشكلها برج كهذا او ذاك، بل ما هو الوضع الامني الحالي في مستوطنات غلاف غزة (حاليا معقول جدا، إذا اخذنا بالاعتبار البدائل).
هذا لم يزعج قنوات التلفزة في ان تملأ دقائق في نشرات منتهى السبت الطويلة والمنهكة، بمساعدة مادة اخرى مهندسة ليس فيها قيمة كبيرة. حماس كعادتها استغلت الوضع. في نفس ذلك اليوم اعيد اقامة البرج من جديد وفي اليوم التالي علق عليه يافطة كبيرة وفيها تهديدات بعبرية مكسرة. اليافطة ترى ايضا من الجانب الاسرائيلي – وبالتأكيد ستثير الان بعض المخاوف الزائدة في القطاع او على الالق في وسائل الاعلام. باختصار، النقاش كله هامشي، ولكن إذا أصبح مطلوب من الجيش الاسرائيلي الانشغال بهذا الامر فمن المفضل ان يقوم بعمله كاملاً وليس بنصفه فقط.