aren

التغلّب على اليأس \\ بقلم : سامي مروان مبيّض
الجمعة - 11 - يونيو - 2021

يُعاني المجتمع السوري اليوم من حالة تشاؤم كبيرة، نتيجة الظروف الصعبة التي نمر بها جميعاً. أسمع ذلك التشاؤم يومياً في أزقّة دمشق وفي بيوت دمشق، ومن أبناء دمشق وشيوخها. التشاؤم مُبرر طبعاً ومحق، ولكنهُ ليس قدراً وبامكاننا التغلب عليه نفسياً، إن أردنا ذلك.

التفاؤل ليس سهلاً ، وهو لا يعني الإقلاع الفوري عن التشاؤم، بل مُجرّد النظر إلى الأمور بطريقة مُختلفة. أنا رجل متفائل بالفطرة، وقد تعلّمت ذلك من أبي، الذي كان يرى نقطة بياض مُشعّة في كل بقعة سواد، وفي كل مصيبة كبرى فرصة للتطور والتجديد والابتكار.

عندما صادرت الدولة أملاك اسرته في زمن الوحدة، كان يقول: “الحمد الله، ما زلنا طيبين وبصحة جيدة. أما المصانع والأراضي، فهي مجرد حديد وحفنة تراب.” وعندما انهارت تجارته بعد سنوات طويلة كان يقول: “درس منيح للمستقبل، فلنبدأ من جدبد، وما أرّوع البدايات.”

وعندما بدأت الحرب الأخيرة ودمّرت أرزاقه قال لنا بحزم: “لعلها رسالة من ربّ العالمين أننا كنا على خطأ، وعلينا مراجعة الماضي بدقّة.” حتى وهو على فراش المرض في المستشفى خلال أيامه الأخيرة، دخلت شظيّة في شبّاك غرفته في البيت، وكان تعليقه: “منيح كنّا بالمستشفى مو بالبيت، كنّا أكلناها رعبة والله. شايفين فوائد المرض!”

تقول الدراسات العلميّة أن %24 من منسوب التفاؤل يأتي بالوراثة، أمّا البقيّة فتكون مكتسبة وتُبني مع الإنسان بحسب ظروفه الحياتيّة. وتُضيف هذا الدراسات أن المتفائلين يعيشون أطول من غيرهم، وتكون علاقتهم أفضل مع الأهل والأصدقاء، ناهيك عن انتاجيتهم بالعمل. فيما يلي بعض المُقترحات للمساعدة على التفاؤل، لعلّها تُغني وتفيد من لا يرى حوله إلّا سواداً مُطبقاً وظلاماً دامساً.

1.     حاولوا أن تقضوا وقتاً أطول مع الأطفال، واصغوا جيّداً إلى أصواتهم وهم يضحكون، ففي ضحكاتهم البريئة بلسم للأرواح. هم يصنعون الفرح من أشياء صغيرة، وسيصنعون المستقبل أيضاً، حتى من لا شيء. 

2.     إدخلوا إلى حجرتكم…أغلقوا الباب، وانظروا إلى المرآة ثم تكلموا مع أنفسكم من دون أي تكلّف. تذكروا الأشياء الجميلة في حياتكم، والدكم المتوفى من زمن بعيد، حضن أمكم وأنتم صغار…طعامها…حنانها…حرصها عليكم ومحبتها غير المشروطة واللا متناهية.

حرروا انفسكم من التفكير بالأمور السلبيّة، ولا تفكروا لا بالوقود أو حتى بانقطاع الكهرباء. تغنوا بأنفسكم ومنجزاتكم في الماضي، وأبحروا في تلك الذكريات الجميلة لأنها ستذكركم بأنكم بشر، تخطئون وتصيبون، تفرحون وتحزنون، وأن حياتكم لم تكن دوماً مظلمة وأنّ فيها نقاط مضيئة تستحق أن تُذكر وتُحفظ ، وتروى مرات ومرات.

3.     ضعوا لأنفسكم حُلماً واجعلوه في مخيلتكم وأنتم تقضون حاجاتكم اليومية. قد يكون حلماً مادياً أو معنوياً، وقد يكون حلم السفر والبدء بحياة أفضل في بلد جديد. لورانس العرب كان يقول: “هناك نوعين من الناس، من يحلُم في النهار ومن يحلُم في الليل. حالموا الليل لا يصنعون تغيراً في حياتهم ومجتمعاتهم، لأنهم يحلمون وهم نائمون وغائبون عن الوعي. أما حالموا النهار، فهم أداة التغيير في هذه الدنيا، لأنهم يحلمون وأعينهم مُفتّحة، ويسيرون نحو حلمهم بصحو وإدراك كامل.”

4.     خذوا ورقةً بيضاء وقلم، وضعوا قائمة بأسماء عشر أشخاص ترونهم بشكل دوري ومستمر. ثم افرزوا هؤلاء بين “متفائل” و”متشائم” وحاولوا الابتعاد…قدر المستطاع…عن المتشائمين والسوداويين، لأن طاقتهم السلبيّة ستكون عبء عليكم، ومن الطبيعي أن تتأثروا بها.

5.     حاولوا…قدر الامكان…الابتعاد عن نشرات الأخبار، سواء كانت على التلفزيون أو عبر شاشات هاتفكم المحمول. ألا يكفيكم كلّ ما سمعتموه حتى الآن من أنباء موت وتدمير؟ أجدادنا عاشوا حياة أفضل منّا لأن الخبر السيء كان يصلهم في اليوم التالي بعد حدوثة بسعات طويلة. وكان يأتي عبر أعمدة الصحف اليوميّة، ولو وجدت فيه صوراً مزعجة تكون واحدة فقط بالأبيض والأسود، لا شريط طويل من الصور الملوّنة المروعة، عن أشلاء الأطفال والدمار والموت المجاني.

6.     استمتعوا بالأشياء الصغيرة من حولكم، سواء كانت عبارة عن نسيم عليل، أو قطرة ماء لذيذة، أو النظر إلى سماء دمشق الصافيّة، واحمدوا ربّكم على نعمته، لأن هذه الأمور هي فعلاً نعمة، على بساطتها، ولا يقدرها إلى من يحتاج إليها.

7.     أقرأوا أكثر عن تاريخ الشعوب، وما مرّ بها من مآسي وكوارث، من زلازل وفياضانات ومن غزوات وحروب، لم تنتهي ولم تنتهي. ثم اقرأوا كيف نهضت هذه الأمم من جديد، في كلّ مرة، وسيولد عندكم شعور أن ما نمر به اليوم هو مجرد حلقة من حلقات هذا التاريخ البشري الطويل، بحلوه مرّه. هذه هي طبيعة التاريخ وسنة البشر، ولعلها تخفف من شعوركم بالغبن والظُلم أنكم ولدتم وعشتم في هذا الزمن. كل الأزمنة كانت قاسية على البشرية، وأنتم لستم وحدكم في مصائبكم.

8.     عودوا إلى القرآن الكريم، حتى لو لم تكونوا مُسلمين، وتعاملوا معه ككتاب فلسفي، فيه دروس جمّة وعِبر لا متناهية ستساعدكم عن النهوض والمُضي قدماً في حياتكم. أنصح مثلاً بسورة الشرح، حيث يقول تعالى وهو يخاطب رسول الله، الذي مرّ بظروف أصعب من ظروفكم بكثير: ” أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ…وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ…وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ .” ثم يضيف: “إنّ مع العسر يُسرا” ويُكررها لشدّة أهميتهما: “إنّ مع العُسر يُسرا.”

وفي القرآن الكريم…والجميل…آلافُ العبر التي تدعو إلى التفاؤل، ومنها: ” إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ.”

9.     تذكروا كلام صهر النبّي ورابع خلفائه الراشدين عليّ بن أبي طالب عندما قال: “ولا تيأس فإن اليأس كفرٌ، لعل الله يُغني من قليل، وأن العُسر يتبعه يُسر وقول الله أصدق كل قيل.”

10.  وإن لم يكفيكم هذا القول، فعليكم بمقولة ثانية، ينسبها البعض إلى الإمام علي وآخرين إلى الشاعر مسفر بن المهلهل الينبعي، التي تقول: دع الأمور تجري في أعنتها ونم نوماً قريراً هانئ البالِ فما بين غمضة عين وانتباهتها…يُغيّر الله من حالٍ إلى حالِ.”