aren

التحديث الأطلسي : قراءة في وثيقة المفهوم الاستراتيجي لـ”حلف الناتو” لعام 2022
الخميس - 7 - يوليو - 2022

التجدد الاخباري\ قسم الترجمة الخاصة\

صادقت الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي “الناتو” خلال قمة الحلف التي عُقدت في مدريد بين 27 و30 من حزيران\ يونيو المنصرم على مفهوم استراتيجي جديد ينظم عمل الحلف، وكانت آخر مرة حدَّث فيها الحلف ، مفهومه الاستراتيجي في عام 2010.

وجاء تحديث الحلف لمفهومه بغرض تعزيز التحالف الأمني الغربي، وللإشارة إلى حرص الحلف على مواجهة التحديات الناشئة والمستقبلية والتكيف معها، خاصةً مع احتدام الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

وحذرت وثيقة المفهوم الاستراتيجي للناتو، التي حملت عنوان : “المفهوم الاستراتيجي لحلف الناتو 2022″، للمرة الأولى من التحديات المُثارة بواسطة (الصين) ، كما وصفت (روسيا) للمرة الأولي ، بأنها تُشكل تهديداً مباشراً على مصالح الحلف.

وتضمنت وثيقة المفهوم الاستراتيجي للناتو لعام 2022 ، نظرة عامة على المبادئ التوجيهية للحلف، وأولوياته، والمهام الأساسية المخول بها، فضلاً عن مناقشة تصور الحلف للتهديدات في بيئته الأمنية خلال السنوات المقبلة ، التي تغيرت إثر الحرب الأوكرانية، والتطرق إلى التحديات التي يواجهها، والتغييرات التي أدخلها الحلف في مفهومه الاستراتيجي، ووضعت الوثيقة كذلك أسس التطور السياسي والعسكري للناتو خلال العقد المقبل.

https://www.nato.int/strategic-concept/

أهداف منشودة

وفقاً لما ورد في الوثيقة، يمكن استعراض الأهداف التي يسعي الحلف إلى تحقيقها؛ وذلك على النحو الآتي:

1– ضمان الأمن الجماعي للأعضاء في الحلف: أوضحت الوثيقة أن الهدف الرئيسي للناتو يتمحور حول ضمان الأمن الجماعي للدول الأعضاء في مواجهة التهديدات بغض النظر عن مصدرها. وأشارت الوثيقة إلى أن رؤية الناتو تدور حول “الرغبة في العيش في عالم تُحترم فيه السيادة والسلامة الإقليمية وحقوق الإنسان والقانون الدولي؛ حيث يمكن لكل بلد أن يختار طريقه الخاص، دون التعرض للعدوان أو الإكراه أو التخريب”.

2– تعزيز قدرات الردع والدفاع داخل الحلف: أكد الناتو أنه سيستمر في تعزيز قدرات الردع والدفاع الخاصة به لتحقيق الاستقرار الاستراتيجي عبر تطوير دفاع جوي وصاروخي متكامل بهدف “حرمان أي خصم محتمل من أي فرص محتملة للعدوان”، وهو ما سيتطلب تعزيز الجاهزية الجماعية للأعضاء، وتحسين القدرة على الانتشار والاستجابة والتكامل. وأكدت الوثيقة أهمية تعزيز الردع والدفاع باعتبارهما “العمود الفقري” لدفاع الأعضاء في الحلف بعضهم عن بعض.

وطبقاً للوثيقة، وفي سبيل تمكين الناتو من الاحتفاظ بميزة عسكرية وقابلية التشغيل البيني بين الأعضاء، سيتجه الحلف إلى تسريع عملية التحول الرقمي وتعزيز الدفاعات الإلكترونية والابتكار والتركيز على زيادة الاستثمارات في التقنيات الناشئة، فضلاً عن تعزيز المرونة على المستوى الوطني وعلى مستوى الحلف ضد التهديدات العسكرية وغير العسكرية. وبالإضافة إلى ما سبق، أوضحت الوثيقة أن اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على الاستخدام الآمن للفضاء والفضاء الإلكتروني وضمان الوصول غير المقيد إليه، يعد من أهم الأدوات التي تعزز فاعلية الردع والدفاع.

3– لعب دور محوري لمنع وإدارة الصراعات: أكدت الوثيقة أن للناتو مصلحة مشتركة في المساهمة في الاستقرار ومنع وإدارة الصراعات والاستجابة لها عندما يكون من المحتمل أن تؤثر على أمن الأعضاء والحلفاء. وبحسب الوثيقة، فإن إدارة الأزمات تتم في أحد جوانبها عبر الاهتمام بالأمن البشري وحماية المدنيين، وهو ما يتطلب تعزيز التعاون مع الجهات الفاعلة لمعالجة الظروف التي تؤجج الأزمات وتقوض الاستقرار في مختلف الدول.

4– تحقيق الأمن التعاوني من خلال شراكات: أعادت الوثيقة تأكيد سياسة الباب المفتوح للحلف، مع التشديد على أن قرارات العضوية تُتخذ بواسطة أعضاء الناتو؛ حيث لا يكون لطرف ثالث رأي في هذا الإطار. وأضافت الوثيقة أن الناتو سيتجه لتعزيز التعاون والحوار السياسي مع الدول الراغبة في الانضمام إلى الحلف، فضلاً عن مساعدتها في تعزيز قدرتها على الصمود لمواجهة التدخلات الخبيثة، من منطلق أن أمن هذه الدول متشابك مع أمن الحلف.

ومن ثم سيواصل الناتو تطوير شراكاته مع البوسنة والهرسك وجورجيا وأوكرانيا لتعزيز المصالح المشتركة، ودعم التطلعات الأوروبية الأطلسية للبلدان المهتمة في غرب البلقان والبحر الأسود للانضمام إلى الناتو. وتؤكد الوثيقة أهمية الاستمرار في تعزيز الشراكة الاستراتيجية والتعاون مع الاتحاد الأوروبي والدول الشريكة التي تؤمن بقيم الحلف ومساعيه لدعم النظام الدولي القائم على القواعد، وللتغلب على “التهديدات والتحديات الأمنية المشتركة في المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية للحلف، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنطقة الساحل”.

تحديات عسكرية

أشارت الوثيقة إلى مجموعة من التحديات العسكرية التي يواجهها الحلف وفقاً لتصوره للتهديدات في بيئته الأمنية خلال الفترة الحالية والعقد المقبل. ويمكن استعراض هذه التحديات على النحو الآتي:

1– تهديد روسيا أمن الحلف مباشرةً: أوضحت وثيقة المفهوم الاستراتيجي للناتو لعام 2022 أن روسيا تُشكل تهديداً مباشراً لأوروبا وللمنطقة الأطلسية بأكملها؛ حيث تستخدم موسكو “الوسائل التقليدية والإلكترونية والهجينة ضد الناتو وشركائه، تحقيقاً لمساعيها في إنشاء مناطق نفوذ وسيطرة مباشرة من خلال الإكراه والتخريب والعدوان والضم، بما يقوض النظام الدولي القائم على القواعد، لا سيما مع استمرار موسكو في تحديث قدراتها النووية واستخدام “الإشارات النووية القسرية”، وفق ما ورد في الوثيقة.

وأضافت الوثيقة أن الناتو لا يسعى إلى مواجهة روسيا، لكنه – ومع ذلك – سيستمر في الرد على التحركات الروسية على نحو موحد ومسؤول، مع الإشارة إلى أن الحلف “لا يزال على استعداد للإبقاء على قنوات اتصال مفتوحة مع موسكو لإدارة المخاطر وتخفيفها ومنع التصعيد وزيادة الشفافية”. ويمثل هذا الأمر تحولاً حاداً في موقف الناتو مقارنةً بالنسخة السابقة للوثيقة في عام 2010 عندما أكد الناتو أنه يسعى “إلى شراكة استراتيجية مع روسيا”، وأوضح أنه “سيتصرف وفقاً لذلك، مع توقع المعاملة بالمثل من روسيا”. وتجدر الإشارة إلى أن الوثيقة الجديدة لم تذكر القانون التأسيسي للعلاقات بين حلف الناتو وروسيا.

2– الطموحات التوسعية للجانب الصيني: أفردت الوثيقة مجالاً واسعاً للحديث عن التحديات الاستراتيجية التي تثيرها الصين للمرة الأولى؛ حيث أكدت أنها “تثير تحديات منهجية أمام الحلف”، وهو تغيير في موقف الناتو تجاه بكين؛ وذلك مقارنةً بعدم الإشارة إلى الصين أو منطقة الهندو–باسيفيك في النسخة القديمة من الوثيقة. واستشهدت الوثيقة المحدثة بطموحات بكين على كافة المستويات، وبالسياسات القسرية الصينية التي تتعارض مع مصالح وقيم وأمن الحلف، خاصةً مع وجود حالة من الغموض بشأن استراتيجية الصين وأهدافها من وراء الحشد العسكري.

كما انتقدت الوثيقة تعميق الصين شراكاتها الاقتصادية مع روسيا. ورغم أن الوثيقة أكدت أن الناتو يتطلع إلى تعزيز التعاون والعمل المشترك مع الشركاء الجدد والحاليين في منطقة الهندو–باسيفيك لمواجهة التحديات عبر الإقليمية، والتصدي لمحاولات توسيع النفوذ الصيني، وتعزيز القدرة على الصمود والاستعداد، فإنها لفتت إلى أن الناتو “يظل منفتحاً على المشاركة البناءة، بما فيها بناء الشفافية المتبادلة مع الصين لضمان المصالح الأمنية للحلف”.

3– التهديدات الإرهابية لأمن دول الحلف: رأت الوثيقة أن الإرهاب يُشكل تهديداً استراتيجياً مباشراً على أمن مواطني الدول الأعضاء بالحلف وعلى السلام الدولي. وسلطت الوثيقة الضوء على مساعي التنظيمات الإرهابية لمهاجمة أعضاء الحلف وشركائه أو التحريض على استهدافهم، لا سيما في ظل حرص هذه التنظيمات المستمر على تطوير قدراتها والتعويل على التقنيات الجديدة لتحسين قدرتها على الوصول واستغلال الصراعات في مختلف المناطق لتوسيع نفوذها. ويُلاحظ أن الوثيقة لم تحدد كيفية مواجهة الإرهاب بأسلوب تفصيلي.

4– الصراعات في أفريقيا والشرق الأوسط: أشارت الوثيقة إلى التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تثيرها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والساحل على أمن الناتو وشركائه باعتبارهم الجناح الجنوبي للحلف، لا سيما مع تفاقم التهديدات التي تواجه الدول في هذه المناطق؛ نظراً إلى انعدام الأمن الغذائي والتغير المناخي وهشاشة المؤسسات بما يوفر أرضاً خصبة للتنظيمات الإرهابية للنمو والانتشار. ولفتت الوثيقة إلى الأضرار التي تنبثق عن عدم الاستقرار في هذه المناطق، وما يتبعه من نزوح جماعي وهجرة غير شرعية وزيادة عمليات الاتجار بالبشر.

5– خلل نظام نزع الأسلحة وعدم الانتشار: أطلقت الوثيقة تحذيراً من تراجع فاعلية نظام نزع الأسلحة وعدم الانتشار النووي، لا سيما بالنظر إلى انتهاكات روسيا المستمرة في هذا الإطار، وما تلاها من تأثير على الاستقرار الاستراتيجي، على حد قول الوثيقة. واعتبرت الوثيقة أن إمكانية الاستخدام المحتمل للمواد الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية ضد الناتو من قبل أطراف معادية وغير حكومية يمثل تهديداً لأمن الناتو.

كما أشارت الوثيقة إلى مخاطر استمرار مساعي “إيران وكوريا الشمالية” في تطوير البرامج الصاروخية والنووية الخاصة بكل منهما، فضلاً عن توسيع ترسانة الأسلحة النووية الصينية في ظل الافتقار إلى الشفافية. وفي سبيل تحقيق أمن الناتو ضد هذه النوعية من التهديدات، تعهدت الوثيقة بأن الحلف سيواصل الاستثمار في المجال الدفاعي، وسيتخذ كافة الخطوات اللازمة لضمان مصداقية وفاعلية مهمة الردع النووي.

تهديدات غير تقليدية

سلطت الوثيقة الضوء كذلك على التهديدات غير العسكرية، التي يأتي على رأسها الأمن السيبراني والتغيرات المناخية، فضلاً عن التحديات التي تشكلها الأنظمة السياسية غير المتوافقة مع الأنظمة السياسية في دول الحلف. ويمكن إجمال هذه التهديدات وفقاً لما أوردته الوثيقة على النحو الآتي:

1– ارتباط التغير المناخي بزيادة الصراعات: ذكرت الوثيقة الجديدة “التغير المناخي” 11 مرة مقارنةً بالإشارة إليها مرة واحدة في النسخة السابقة، بل أكدت الوثيقة المحدثة أن الناتو يجب أن يلعب دوراً رائداً عندما يتعلق الأمر بفهم تأثير تغير المناخ على الأمن والتكيف معه، لافتةً إلى ضرورة إيلاء العلاقة بين تغير المناخ والأمن البشري مزيداً من الاهتمام، من منطلق أن التغيرات المناخية والظواهر الجوية المتطرفة ستفضي إلى تفاقم الصراعات بما يهدد المجتمعات وقدرة الجيوش على العمل؛ لذلك شددت الوثيقة على ضرورة تدريب الجيوش على العمل في الظروف المناخية القاسية واستدعائهم باستمرار للمساهمة في الإغاثة من الكوارث.

2– الهجمات السيبرانية لخصوم الحلف: منح المفهوم الاستراتيجي الجديد الهجمات السيبرانية اهتماماً لافتاً؛ حيث أعاد تأكيد سياسة الناتو في هذا الإطار التي تنطوي على إمكانية تفعيل المادة الخامسة الخاصة بالدفاع المتبادل في حال التعرض لهجمات سيبرانية خبيثة أو عمليات عدائية في الفضاء أو قادمة منه. وأشارت الوثيقة إلى المخاطر والفرص التي تجلبها التكنولوجيا وتأكيد أهميتها في تحديد المنتصر في ساحة المعركة فضلاً عن التحذير من توظيفها من جانب الخصوم والمنافسين الاستراتيجيين لتقويض مصالح الناتو.

3– مخاطر الأنظمة غير المتوافقة سياسياً: أولت الوثيقة المحدثة كذلك اهتماماً متزايداً بالمخاطر التي تشكلها الأنظمة السياسية غير المتوافقة مع الأنظمة السياسية في دول الحلف، مقارنةً بعام 2010، عبر التحذير من إصرار هذه الأنظمة على تطوير القدرات التقليدية والصاروخية والنووية، وما يعنيه من مخاطر على مواطني الدول الأعضاء بالحلف؛ نظراً إلى إمكانية استهدافهم عبر التقنيات الهجينة، علاوةً على استخدام الإكراه الاقتصادي وشن أنشطة خبيثة في الفضاء الإلكتروني، فضلاً عن تعمد الفاعلين في هذه الدول تقويض المنظمات الدولية المتعددة الأطراف بهدف تعزيز نماذج حكمهم.

وختاماً.. ، يعكس تحديث الناتو لمفهومه الاستراتيجي استجابته للتحولات التي شهدتها الأولويات الأمنية للحلف ، ورؤيته للتهديدات بالتزامن مع احتدام الحرب الأوكرانية، وتوسع النفوذ الصيني في آسيا. ويدلل على ذلك دعوة الناتو إلى قادة اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية ونيوزيلاندا لحضور قمة الحلف للمرة الأولى.

وأوضحت الوثيقة، عدداً من التغيرات التي شهدها المفهوم الاستراتيجي للحلف، ويأتي على رأسها النظر إلى روسيا على أنها تُشكل تهديداً مباشراً على الناتو، وتأكيد أن الصين تفرض تحديات منهجية على الحلف. ويضمن المفهوم الاستراتيجي الجديد، استمرار الناتو في تطوير الأدوات المناسبة في سبيل ضمان الاستجابات الجماعية للتهديدات العابرة للحدود الوطنية.