لعله “كازوو ايشيغورو” الياباني البريطاني ، الحائز على نوبل للآداب ، هو من قال : ان البريطانيين لا يمتلكون تاريخا أكيدا لكونهم أمة ، ولهذا فقد عكفوا منذ قرون على صياغة رواية تاريخية ، تشكل الاساس لهويتهم القومية كأمة.

وحسب هذا الرأي ، فان الرواية التاريخية المصاغة ، هي ماخلق للبريطانيين هويتهم كأمة ، وهي ما مد جذورهم في التاريخ كجماعة ، بنت تلاحم مكوناتها ، ووحدت اراض اماراتها ، لتصبح أمة على أرض ، ودولة بقوانين وأعراف.
صياغة التاريخ ، كوثيقة مؤسسة من أهم فواعل بناء الامم ، واستمرارها.
في الرويات التاريخية ، التي ألفها البريطاني (برنارد كورنويل) ، والتي لاحق عبر اجزائها الخمسة عشرة ، مسار تشكيل انكلترا الموحدة عبر توحيد الممالك حول “مملكة وسكس” ، حيث قاد هذه العملية ، الملك (ألفريد) منذ القرن الثامن الميلادي ، بعد انهيار وسقوط الامبراطورية الرومانية.
وألفريد الملك ، حسب روايات كورنويل (قصص الساكسون)، وكما ظهر في المسلسل المبني عليها ، والذي انتجته قناة “بي بي سي الثانية” البريطانية ، كان يدير “مملكة وسكس” ، ويقود الحروب ، ويسعى لتوحيد الممالك ، وفي نفس الوقت ، يصرف حيزا واسعا من يومه في توثيق التاريخ وأحداثه ، وفق رؤيته الساعية لتوحيد الممالك ، والوصول الى انكلترا الواحدة.
وفي حوار له مع بطل هذه الروايات ، والدراما المأخوذة عنها ، يخبره عن أهمية التوثيق التاريخي ، وعن فعالية الصياغة التاريخية في خلق المستقبل وصيانته ، خاصة اذا كان هذا التوثيق مبينا على رؤية سياسية ، واستراتيجية حضارية .
وكما كان يقول الكاتب العربي الكبير “محمد حسنين هيكل” ، فان (الخبر اليومي) ، ماهو الا (تاريخ قيد الصنع) ، لذلك كلما كان “اعلام” أمة أو بلد ، موضوعيا وذكيا ، ويعمل وفق رؤية تاريخية حضارية ، كلما قدم موادا أولية فاعلة ، لصياغة تاريخ يعمق الهوية الوطنية ، ويقوي اليقين الوطني ، ويحصن الضمير الفاعل في تعمير الوطن ، وشحن طاقته الروحية.
وبالفعل فقد طبق الراحل “هيكل” ، رؤيته هذه في كل ماكتب عن تاريخ العرب القومي الحديث ، وكانت تجربته غنية ، وملهمة في سياق التعامل مع الصياغة التاريخية.
بغض النظر ان كان للبريطانيين ، أصل تاريخي كأمة ، أو اذا كانوا بنوا تاريخهم عبر صياغة تؤدي الى الامة ، فان للامة العربية عامة ، ولكل بلد عربي خاصة ، تاريخ واضح ، أصيل ، وعريق.
فلماذا لا نجعل صياغاته المفترضة ، أن تكون حية بشكل مستدام ؟ لماذا لا نجعلها صياغة توحد ، تقوي ، وتشق العقل والفعل ؟ لماذا لا نحيي صياغة تاريخنا الحاضر ، ليكون قوة لهويتنا الوطنية؟
……………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………..
برنارد كورنويل – حائز على رتبة الإمبراطورية البريطانية ، وهو مؤلف إنجليزي لروايات تاريخية وتاريخ حملة “واترلو”. اشتُهر برواياته عن حامل البندقية في الحروب النابليونية، ريتشارد شارب كتب أيضًا قصص الساكسون حول الملك ألفريد ، وبناء إنكلترا.
مملكة وسكس – هي مملكة أنجلوسكسونية في جنوب بريطانيا العظمى، منذ عام 519 حتى توحيد إنكلترا على يد أثيلستان عام 927.
قصص الساكسون – معروفة أيضًا باسم حكايات ساكسون / سجلات ساكسون في الولايات المتحدة ، وهي سلسلة روايات تاريخية كتبها برنارد كورنويل عن تاريخ إنجلترا الأنجلوسكسونية