التجدد الاخباري- ترجمة خاصة – مكتب بيروت
يعاني الاقتصاد العالمي من ارتفاع معدلات التضخم، كما يكافح من أجل النمو، ولكن يمكن تلخيص الوضع في نقطة واحدة وهي عدد وتنوع التغييرات في السياسات التي أعلنتها البنوك المركزية حول العالم، الأسبوع الماضي.
https://www.ft.com/content/c2049009-e386-4b39-9a1d-3bd3d4770b47
وقد اتخذ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الخطوة الأكثر تأثيرًا، إذ يتوقع مسؤولوه الآن أن يستقر معدل التضخم الأساسي عند 4.3٪ هذا العام، وهذا جزء أساسي من سبب رفعه أسعار الفائدة بنسبة 0.75 نقطة مئوية يوم الأربعاء الماضى، وهي الزيادة الأكبر منذ 30 عامًا تقريبًا، كما أنه بدأ، في الوقت نفسه، في تقليص ممتلكاته من الأصول، وهو شكل آخر من أشكال تشديد السياسات، حيث يريد بنك الاحتياطي الفيدرالي أن يرى الناس أنه لا يزال لديه مسؤولون مثل باول (فولكر)، رئيس البنك في فترة الثمانينيات، والذي وضع الاقتصاد الأمريكي في خضم نزاع للسياسة النقدية المتشددة للغاية لإنهاء إرث التضخم الذي كان موجودًا منذ السبعينيات، حيث قدم رئيس البنك الحالي غاي (باول) وزملاؤه، الأسبوع الماضي، خططا تُظهر أنهم على استعداد لإبطاء الاقتصاد وزيادة معدلات البطالة.
ولكن على الرغم من كل التخفيضات في مستوى التوقعات، فإنه من المهم إبقاء مصير بنك الاحتياطي الفيدرالي في سياقه، فلايزال محددو أسعار الفائدة يتوقعون سيناريو جيدا إلى حد معقول، إذ يعتقدون أن النمو سيستمر وأكثر التوقعات تشاؤمًا هي أن تبلغ نسبة البطالة 4.5٪.
وهي النتيجة السعيدة التي قد يفعل بنك إنجلترا أي شىء لتحقيق نتيجة مماثلة، فقد رفع أسعار الفائدة الأسبوع الماضي بمقدار 0.25 نقطة مئوية فقط، وذلك على الرغم من أنه من المتوقع أن يصل معدل التضخم إلى 11٪، ولكن البنك الإنجليزى يعاني ركودًا اقتصاديًا على أي حال، ولذلك لا داعى للضغط على المكابح بقوة مثلما فعل البنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى.
وفي غضون ذلك، يبدو أن البنك المركزي الأوروبي يشهد إعادة إحياء لبعض فصول كتب تاريخ أزمة منطقة اليورو، حيث يشعر المستثمرون بالقلق من حكومات المنطقة ذات الديون المرتفعة، مما أدى إلى مواجهة بعض الدول في الاتحاد النقدي فجأةً لتكاليف اقتراض أعلى، وقد دعا البنك المركزي الأوروبي إلى اجتماع طارئ للإعلان عن تدابير للتعامل مع هذه المشاكل، وللحفاظ على تماسك النظام المالى للدول التابعة له.
وقد كان من الصعب على المستثمرين التعامل مع كافة هذه التغييرات، ولذا فقد انخفضت الأسهم العالمية بشكل عام وسط مخاوف من ارتفاع تكاليف الاقتراض والركود، وذلك على الرغم من وجود بعض الأمل، إذ أدى قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى ارتفاع أسعار الأسهم، حيث ارتفع مؤشر «S&P 500» بنسبة 1.5٪ يوم الأربعاء، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن باول قال إن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يقوم بزيادات أقل في المستقبل، ولكنه انخفض بمقدار الضعف يوم الخميس بسبب الرفع غير المتوقع لسعر الفائدة من قبل البنك المركزي السويسري.
ويبدو أن الصورة الكبيرة التي تظهر من خلال هذه القرارات هي أن الركود قد بات مرجحًا بشكل أكبر مما كان عليه الأسبوع قبل الماضى، إذ شهد الأسبوع الماضي العديد من التحركات المفاجئة من قبل محافظي البنوك المركزية حول العالم، وذلك بعد فترة طويلة مما يعني أنه من الممكن انتقادهم لكونهم بطيئين للغاية، ومع ذلك، فإنه يجب الترحيب بالتغييرات التي تمت.
فالوقت الحالي يبدو من الصعب فيه على محافظى البنوك المركزية القيام بمهمتهم، حيث لاتزال الحرب في أوكرانيا مستمرة وهو ما يدفع معدلات التضخم للارتفاع، الأمر الذي يلقي بثقله على النمو، كما تستمر عمليات الإغلاق المرتبطة بوباء كورونا في الصين في التأثير على سلاسل التوريد.
وبينما يواجه الاقتصاد العالمي ضغوطًا سريعة الحركة على الإمدادات، ويبدو أن محافظي البنوك المركزية عالقون في قائمة من المطالب بطيئة الحركة، فضلًا عن تزايد عدم اليقين بشكل غير عادى، فلا أحد لديه السيطرة على مدى قوة هذه الضغوط التضخمية الفريدة، ولا التأثير على النمو والتجارة والوظائف والدخل.
وقد جاءت القرارات المفاجئة من قبل البنوك المركزية الأسبوع الماضي ردًا على معلومات اقتصادية جديدة حقيقية وهو أن أسعار المستهلكين باتت أعلى من المتوقع، فضلًا عن الارتفاع السريع في بعض عائدات السندات في منطقة اليورو، والقفزة في توقعات التضخم في الولايات المتحدة، ويجب أن تكون استراتيجيات صانعي السياسات الاقتصادية معتمدة على البيانات المتاحة وليس على التوقعات، وهذا يعني أنه في الوقت الذي تستمر فيه البيانات في التحرك، فإن يجب أن تتحرك السياسات أيضًا، ولذا فإنه للأسف يتعين علينا أن نتوقع حدوث اضطرابات في المستقبل.
افتتاحية الـ«فاينانشيال تايمز»