\خاص \
التجدد الاخباري – مكتب (بيروت +واشنطن)
قلل البعض من قيمة (ثورة 17 تشرين الأول \ أكتوبر) اللبنانية ، عندما خرج المحتجون إلى الشوارع ضد “الأوليغارشية الحاكمة” هناك ، وهم يهتفون بمطلب مشترك ، هو تنحي المسؤولين ومحاسبتهم. وفيما أخذت هذه الانتفاضة الشعبية ، الطبقة السياسية على حين غرة، ثمة من كان داخل تلك المافيا اللبنانية التقليدية و(الحاكمة) ، يرى بهذه الحركة\الثورة ، التي بلا قيادة ، بأنها “ثورة واتس آب”، باعتبار ان شرارة انطلاقتها ، جاءت على خلفية قرار الحكومة فرض ضريبة على مستخدمي هذه الميزة. بينما كانت المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، التي يعاني منها هذا البلد ، عميقة الجذور ، وهي التي دفعت الكثير من اللبنانيين إلى الشعور ، بأن الأمور وصلت حداً لا يمكن تحمله ، واحتماله.
لا ريب ، بان التأثيرات الخارجية ، قامت بدور حاسم في تغيير جوهر “حكم الأوليغارشية” في لبنان على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، ففي العام 2014، وافقت كل من : (الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وإيران) على صيغة تتضمن تمكين السياسيين المحايدين (نسبياً) لقيادة البلاد.
وفي العام 2016، جددت (واشنطن وطهران) هذه الصفقة، التي جلبت إلى السلطة ، اثنين من المتنافسين، وهما ، (الرئيس ميشال عون ورئيس الوزراء سعد الحريري)، وليصبح “حزب الله” تدريجياً ، هو صاحب الكلمة العليا في السياسة اللبنانية ، في حين تراجعت القوى الخارجية.
في هذه الأثناء، حدث تراجع تدريجي في نفوذ الزعيمين ، الأكثر أهمية في لبنان، (سعد الحريري) والأمين العام لـ”حزب الله”، (حسن نصر الله)، وقد أضعف هذا التراجع ، النظام السياسي في البلاد. فقد انسحبت الرياض تدريجياً من لبنان (سياسياً ومالياً)، مع تراجع النفوذ الإقليمي للمملكة العربية السعودية، وقطعت الرياض دعمها الكلاسيكي لـ”آل الحريري” ، (بل ودفعته إلى الاستقالة سابقا ) من على أراضيها. وبعد أن أصبح يواجه تقلصاً في الدعم المالي الحاسم، بدأت قاعدة الحريري في الانكماش هي الأخرى، كما كان واضحاً في الانتخابات البرلمانية للعام 2018 ، وشهدت المدن والبلدات ، التي تدعم الحريري تقليدياً احتجاجات في الشوارع بالأيام القليلة الماضية، وليس هناك شيء يمكن أن يوقف الناس عن الاحتجاج.
كما أصبحت طهران، تخصص للبنان ، وقتاً وموارد أقل ، خلال السنوات القليلة الماضية ، خصوصا مع توسيع ايران لأنشطتها الإقليمية ، بينما أصبحت تخضع للعقوبات الأمريكية القاسية والصارمة. ما تسبب في ضغوط مالية واقتصادية في البيئة الحاضنة والاساسية لحزب الله.
عدا عن تراجع القبول الوطني لـ”حزب الله” وأمينه العام ، منذ ان تحول هذا الحزب ، في العام 2005 ، تحت عنوان : ضرورة الانخراط في الشأن العام اللبناني ، إلى طرف في الانحيازات الحزبية بالسياسة اللبنانية ، اقتضاه الحاجة الى ملء الفراغ ، الذي خلفته (دمشق) .
بمواجهة ذلك ، عمد (نصر الله والحريري) الى التخلص من التنافس السياسي بينهما ، الذي لطالما غذته الروايات الطائفية، ليحشدا قواعدهما، ويحصلا على دعم رعاتهما الإقليميين، لكنهما ، بالآن ذاته ، كانا قد فقدا حضورهما بالنسبة لأنصارهما.
من زاوية أخرى ، ما زال لبنان كـ”دولة” ، يعاني من عدم القدرة على حل القضايا المتعلقة بالسلطة وتوزيع الموارد، وعاجزة على تنفيذ الإصلاحات اللازمة ، ومما زاد الطين بلة ، هو الحرب السورية ، التي ادت إلى إغلاق تجارة لبنان مع جيرانه ، وتباطؤ النمو الاقتصادي للبلاد ، وهو ماأفضى إلى تعرية المشاكل الهيكلية في عموم مؤسسات الدولة اللبنانية، فيما لا يتم توفير الخدمات الأساسية بشكل مناسب، بما في ذلك الكهرباء والمياه والهواء النظيفين ، والنقل العام ، وجمع القمامة.
التفاوت المذهل في دخل (الفرد والاسرة) بلبنان ، هو من القضايا المهمة بدورها أيضاً ، ووفقاً لمنظمة (أوكسفام) ، فإن سبعة من أصحاب المليارات اللبنانيين ، لديهم ثروة شخصية تبلغ (13.3) مليار دولار، أي عشرة أضعاف ، ما يملكه نصف السكان، وقد أثار المحتجون ، مسألة هذا التفاوت في الدخل، والذي ربطوه بالفساد، وعبروا (المتظاهرون) عن عدم رغبتهم في دفع فاتورة الأزمة الاقتصادية،وانه على القادة اللبنانيين أن يدفعوا بدلاً من ذلك، ولكن ما زال من غير الواضح ، كيف يمكن تحقيق هذا الهدف.
لبنان الآن ، يبدو أمام لحظة محورية في تاريخه الحديث ، فهذه الاحتجاجات ، يديرها مواطنون عاديون وليس قادة سياسيين ، وهي لا مركزية، حيث تنشط في المناطق الريفية والحضرية على حد سواء ، حيث اعتمد المحتجون المشاركون فيها ، توبيخ الطبقة السياسية برمتها، وكذلك أجندتها الطائفية ، التي تخفي شهوة للسلطة والحكم ، وهو ما واجهته الأوليغارشية المتنفذة متحدة على أمل إدارة هذه الاحتجاجات من خلال تحسين ظروف الوضع الراهن، بدلا من تغييره، أي على عكس رغبة وأمل الشعب.
مفرقة أخرى تحملها ثورة لبنان ، اذ تظهر المجموعات المحلية من المحتجين في كل مدينة، وهي تقوم بتنسيق أنشطتها من خلال “واتس– أب”، نفس منصة الاتصالات ، التي تريد الحكومة ، فرض الضرائب عليها. ولعل الأكثر إثارة والأكثر مدعاة للقلق في هذه الانتفاضة، هو أن الحراك اللبناني- حتى الآن- يتجلى و(كأنه) انتفاضة بلا قيادة ، ومن دون خريطة طريق واضحة للمطالب ، أو لآلية لتنفيذها.
عموما الشارع اللبناني ، استيقظ ، وسيكون عسيرا جدا ، وليس من السهل ، إرسال المحتجين ومطالبهم إلى السبات مرة أخرى.
\المحرر \
الأوليغاركية – Oligarchy ، أو أحيانا “الأوليغارشية” ، أو حكم الأقلية ، هي شكل من أشكال الحكم بحيث تكون السلطة السياسية محصورة بيد فئة صغيرة من المجتمع ، تتميز بالمال أو النسب أو السلطة العسكرية.
الكلمة “أوليغاركية” مشتقة من اليونانية، وغالبا ما تكون الأنظمة والدول الأوليغاركية ، مسيطر عليها من قبل عائلات نافذة معدودة تورث النفوذ والقوة من جيل لاخر.ويستخدم هذا التعبير في العصر الحديث ، لوصف الحكومات التي تعتمد على نفوذ أجنبي، أو التي ليس لها رصيد جماهيري بحيث تعتمد على دوائر التأثير في السلطة ، مثل : رجال المال أو الصناعة.