aren

افتراء اسرائيلي على “جميل مردم بك” والاسرة المردمية ، أم حقيقة ملغومة ؟!!! .. كتاب إسرائيلي يكشف علاقة (مردم بك) بالحركة الصهيونية
السبت - 14 - نوفمبر - 2020

جميل مردم بك

(خاص وحصري )

التجدد الاخباري

يصف كتاب سيصدر في (إسرائيل)، العام المقبل 2021، رئيس الوزراء السوري، في أربعينيات القرن الماضي، “جميل مردم بك”، بأنه كان على علاقة بزعيم الحركة الصهيونيّة “ديفيد بن غوريون”، وزوّده بمعلومات (سرية) بالغة الأهمية، من خلال علاقاته مع المسؤول عن الشؤون العربية في الحركة الصهيونية، “إلياهو ساسون”.

وحسب مؤلف الكتاب حول “الحرب السرية بين إنجلترا وفرنسا في الشرق الأوسط”، البروفيسور (مئير زامير)، ونشرت مقاطع منه صحيفة “هآرتس” يوم الجمعة ، فإن المخابرات البريطانية (ام آي 6) ، جنّدت “مردم”، الذي وافق على خطة “سورية الكبرى” البريطانية، التي قضت بتوحيد (سورية والعراق والأردن)، تحت قيادة العائلة الهاشمية، فيما تحصل بريطانيا على هيمنة في دمشق، التي كانت تابعة للانتداب الفرنسي. ومقابل موافقته، تلقى “مردم”، أموالا من بريطانيا، التي وعدته بأن يحكم سورية، تحت قيادة الملك الأردني، (طلال) ابن الشريف حسين.

https://www.haaretz.com/israel-news/.premium.MAGAZINE-revealed-syrian-prime-minister-was-a-double-agent-who-spied-for-zionist-leaders-1.9305783.

وتمكنت المخابرات الفرنسية من الحصول على هذه المعلومات، في صيف العام 1945. وقرر الفرنسيون استغلال هذه المعلومات وابتزاز مردم، من خلال تهديده بنشر الوثائق التي حصلوا عليها بشأن الخطة البريطانية، وتسريبها إلى خصومه السياسيين. وإثر ذلك استقال مردم، بعد مشاورات مع المخابرات البريطانية، التي لم تكن تعلم بأن مردم استسلم لابتزاز فرنسي، وتحول إلى “عميل مزدوج”، وزود فرنسا بمعلومات بالغة الأهمية حول نوايا بريطانيا.

ويكشف الكتاب، بالاستناد إلى أرشيفات (فرنسية وإسرائيلية)، ووثائق حكومية سورية، أن ضابط مخابرات صهيونيا ، استخدم مردم ، كمصدر معلومات “بالغة الأهمية” وصلت بن غوريون، وخدمت إستراتيجية الأخير في التقدم نحو إقامة (دولة إسرائيل). يشار إلى أن “مردم”، تولى رئاسة الحكومة السورية بين نهاية العام 1936 وشباط/فبراير 1939، وكذلك بين نهاية العام 1946 وحتى نهاية العام 1948.

إلياهو ساسون

وواجه الفرنسيون ، صعوبات في استخدام “مردم” كـ(جاسوس لهم) من دون إثارة شبهات، لدى تعيينه سفيرا في مصر، في تشرين الأول/أكتوبر العام 1945. وكان الحل لذلك، بأن جنّد الفرنسيون ، رئيس الشعبة العربية في الدائرة السياسية للوكالة اليهودية، “إلياهو ساسون”، الذي عيّنه بن غوريون ، منسقا للتعاون مع المخابرات الفرنسية، في شباط/فبراير من العام نفسه. وكان (ساسون)، السوري الأصول، و(مردم) ، متعارفين ، والتقيا في العام 1937، عندما كان الأخير ، يتولى رئاسة الحكومة.

وإلياهو ساسون ، سوري دمشقي، وكان اسمه “الياس ساسون”، وعرف بعلاقاته الواسعة مع القيادات العربيّة التي حاربت سياسات التتريك ، التي اتبعتها الدولة العثمانية في نهاية عهدها، وعرف في بداية حياته السياسية ، بأنه “قومي عربي”، حتى أنه كان عضوًا في “الحركة الوطنية العربية”، وأسس بدعم من الملك فيصل ، صحيفة “الحياة” الدمشقية، التي انتشرت طيلة العهد الملكي.

مردم كمصدر معلومات

وتشير الوثائق إلى أن (ساسون) التقى مع (مردم) في القاهرة، في 12 تشرين الثاني/نوفمبر، وأنهما التقيا مرة أخرى بعد ستة أيام، عندما زار مردم ، القدس على رأس وفد جامعة الدول العربية ، لتسوية مسألة التمثيل الفلسطيني.

وبعد هذين اللقاءين، التقى “بن غوريون” مع “ساسون”، ودوّن في مذكراته، في يوم 22 من الشهر نفسه، تفاصيل حول مضمون محادثات ساسون مع مردم. وهذه كانت واحدة من المرات القليلة ، التي تسلط الضوء على مردم كـ”مصدر استخباري” لبن غوريون. وفي السنوات اللاحقة، أخفت المخابرات الفرنسية وكذلك ساسون بطرق عدة ، أن مردم ، هو مصدر للمعلومات من أجل عدم كشفه.

إلى جانب ذلك، تكشف أمور ، دوّنها في مذكراته ، ضابط المخابرات في مقر الجيش الفرنسي بـ”بيروت”، موريس فيشر، عن مزيد من الأدلة على أن “مردم”، كان مصدر معلومات هامًا لـ(بن غوريون)، وبضمن ذلك أن “مردم” نقل خطة “سورية الكبرى” إلى عملاء صهاينة في القاهرة.

وفي تقرير، من أيلول/سبتمبر العام نفسه، كتب ناحوم (فيلنسكي)، وهو حلقة الوصل بين موريس (فيشر)، وقادة الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية، أن “بين ما رواه الجنرال الفرنسي هو أن بحوزة الفرنسيين توجد شهادات موثوقة تدل على أن كثيرين من القياديين السوريين تلقوا أموالا من الإنجليز. وينتظر الفرنسيون الآن فرصة لنشر هذه الشهادات، ويستخدمونها في هذه الأثناء من أجل ممارسة ضغوط على القياديين المذكورين في الوثائق. وفي مقدمتهم مردم”.

وفي تموز/يوليو العام 1945، كان يستعد بن غوريون لهجوم عربي بعد أن يعلن عن إقامة (دولة إسرائيل)، لكن المعلومات التي نقلها “مردم” إليه، تبين أن “التهديد المباشر” لم يكن من جانب الجيوش العربية، وإنما يكمن في خطة ضباط الجيش والمخابرات البريطانييّن في الشرق الأوسط لمنع قيام (إسرائيل)، وذلك من خلال الإعلان عن ميليشيا “الهاغانا” الصهيونية أنها تنظيم إرهابي ، ونزع سلاحه، وأيضا من خلال تطبيق خطة “سورية الكبرى”، التي بموجبها ، سيقام كيان يهودي في فلسطين ، ولكن ليس دولة مستقلة.

بن غوريون يعلن تأسيس (إسرائيل)

ويرجح أن “مردم”، كشف أيضا عن وجود جاسوس بريطاني في الوكالة اليهودية، ونقل للبريطانيين معلومات حول مداولات قادة الوكالة، وبضمنها بروتوكولات الاجتماعات ، الأكثر سرية.

ونقل “مردم” إلى الوكالة اليهودية ، أن القادة العرب قرروا الوقوف إلى جانب بريطانيا في حال نشوب حرب، تخوفا من التغلغل السوفييتي، وأنه خلال المداولات في جامعة الدول العربية، جرى التعبير عن التخوف من استمرار الهجرة اليهودية إلى فلسطين، الأمر الذي سيمد “الهاغانا” بثمانين ألف جندي. وأضاف “مردم” أن الدول العربية “لن تتمكن أبدا من تحصيلكم بالتأهيل والتنظيم، حتى لو ساعدنا الإنجليز”. ولاحقا، أحبط ملك السعودية ، خطة “سورية الكبرى”، ثم أعلنت بريطانيا ، أنها لا تدعمها.

قرارات سرية لجامعة الدول العربية تصل إلى بن غوريون

ودلت أحداث خلال العام 1946 أن المعلومات التي نقلها “مردم” إلى الوكالة اليهودية حول الخطط البريطانية بشأن فلسطين ، كانت دقيقة. فقد نقل “مردم” إلى الوكالة اليهودية ، معلومات من مؤتمر، بادر البريطانيون إلى عقده في مصر، في ايار/مايو، وتقرر فيه -لأول مرة- أن الصهيونية ، تشكل خطرا على الدول العربية ، وليس على الفلسطينيين فقط. كذلك تبين أن (ساسون)، كان حاضرا في مؤتمر آخر ، عقدته جامعة الدول العربية قرب دمشق، في حزيران/يونيو. واتخذ هذا المؤتمر “قرارا سريا”، حول احتمال مواجهة عسكرية مع الحركة الصهيونية، وأنه في هذه الحالة على الدول العربية مساعدة أشقائهم الفلسطينيين بالمال والسلاح ، والقوة العسكرية.

وتبين أن المعلومات التي نقلها “مردم” إلى الوكالة اليهودية حول خطط بريطانيا ، تجاه “الهاغانا” ، كانت دقيقة أيضا. فقد نفذت القوات البريطانية في فلسطين، نهاية حزيران/يونيو، عمليات ضد قادة الحركة الصهيونية ، وأعلنت حظر تجول في العديد من المدن، واعتقل خلالها (موشيه) شاريت، وذلك بهدف مصادر أسلحة غير شرعية، وذلك بهدف نزع سلاح “الهاغانا”. وكان بن غوريون ، المستهدف في هذه الحملة، الذي وصف بالقائد المتطرف، وتغييره بـ”قيادة معتدلة”. وافلت بن غوريون من الاعتقال بسبب تواجده في باريس. وبعد أيام، ندد بن غوريون بتفجير عناصر منظمة “إيتسل” ، فندق الملك داود بالقدس، ورفض اتهام البريطانيين للوكالة اليهودية ، و”الهاغانا” بالمسؤولية عن هذا التفجير.

وفي كانون الأول/ديسمبر العام 1946، أرغم البريطانيون ، الرئيس السوري، (شكري القوتلي)، على إقالة رئيس الحكومة، سعد الله (الجابري)، وتعيين “مردم”، مكانه، بهدف تجنيد دعم برلماني لخطة “سورية الكبرى”. وفي هذه الفترة، كان “مردم” قد ابتعد عن البريطانيين واقترب من الفرنسيين. وحذر “مردم”، السفير السوري في لندن من مساعي “أصدقائنا البريطانيين الذين يحذروننا من محاولات الفرنسيين لإثارة غليان بين الدروز والقبائل البدوية في البادية السورية ضد الحكومة في دمشق، بينما فعليا، عملاؤهم هم المسؤولون عن ذلك”.

وسمحت عودة “مردم” إلى سورية للمخابرات الفرنسية -حسب الكتاب- أن تتعامل معه من دون وساطة (ساسون). وفي صيف العام نفسه، أقامت فرنسا علاقات مع سورية، وافتتحت قنصلية في دمشق، أشغلها عملاء المخابرات الفرنسية تحت غطاء دبلوماسي، وبذلك كانوا يلتقون مع “مردم” من دون إثارة شبهات.

واستقال “مردم” من رئاسة الحكومة، في نهاية العام 1948، وانتقل للسكن في القاهرة. لكن في شباط/فبراير عام 1947، التقى بن غوريون في لندن مع وزير الخارجية البريطاني، (أرنست) بفين، وكال المديح لـ”مردم”، ووصفه بأنه “زعيم عربي معتدل”.

……………………………………………………………………………………………………………………………..

رئيس تحرير

بداية ، من البداهة وحسن الفطنة ، ان نتلقى ماجاء به هذا الكتاب ، حذرين ومتنبهين ، لجهة ما يأتي به صاحبه ، بانه مبني على “مصادر ارشيفية جديدة”، باعتبار أن فن الحكم الاستخباري، هو “البعد المفقود” في التأريخ الراسخ للشرق الأوسط ،(أثناء وبعد) الحرب العالمية الثانية.

ثانيا ، لابد من وقفة على الصعيد (البحثي) ، وأيضا (الوطني) السوري – غير متحيزة- تجاه الكتاب وماحواه ، كذلك تجاه الكاتب وما جاء به. في سبيل انصاف الشخصيات ، ومراكزها الاعتبارية ، وعائلاتها ، التي ورد ذكرها – آنفا- وتمحيص ما اتهمت به.

مع ملاحظة ، ان “جميل مردم بك” كان ترك مجموعة من الأوراق والمذكرات، قامت (ابنته) الوحيدة، سلمى مردم بك ، بنشر القليل منها في كتاب حَمل عنوان “أوراق جميل مردم بك،” صدر في بيروت عام 1994 ، وترجم لاحقاً إلى اللغة الإنكليزية.

ثالثا ، يعمل معد الكتاب بحجة أن الاستخبارات، وخاصة العمل السياسي السري والدبلوماسية السرية ، لعبت دورًا رئيسيًا في سياسة بريطانيا في الشرق الأوسط، لإثبات أنه على الرغم من الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة ، فإن التنافس التقليدي بين (بريطانيا وفرنسا)، استمر الشرق الأوسط ، بلا هوادة ، متخذا شكل حرب سرية ، غير معروفة ، وهي في “علم التاريخ”، منطقة مظلمة ، ليس من العسير استشكافها، ولكن خطيئة كبرى ، اعتماد (هذا الكتاب) كوثيقة لها، دون تقاطع معلوماته مع مراجع ومصادر أخرى ( بريطانيا – فرنسية – عربية …)،اهتمت بذات الحقبة التاريخية ، ووثقت لها ، خصوصا ان هذه الحرب – (حرب الظل)، أثرت بشدة على إنهاء الاستعمار في المنطقة، حيث سعت كل دولة لتقويض الأخرى.

فبينما استغلت بريطانيا، هزيمة فرنسا لإخراجها من الأراضي ، التي كانت تحت انتدابها في (سوريا ولبنان)، ودمجها في دائرة نفوذها، كانت فرنسا تستخدم بنجاح الاستخبارات ، مامكنها من تقويض موقف بريطانيا في فلسطين ومصر والمملكة العربية السعودية ، والعراق.

رابعا ، يدعي الكاتب، أنه ادرج في هذا الكتاب (ما يقرب) من 400 وثيقة “سورية وبريطانية سرية”، حصل عليها من المخابرات الفرنسية.

عموما، قراءة هذا الكتاب مع الحذر الشديد لتوقيت ظهوره ، والاطلاع على ما شمله من موضوعات ، يعد أساسيا للباحثين المهتمين بالتاريخ السياسي للمنطقة ، والعلاقات العربية والدولية ، والدراسات الاستخباراتية.

مائير زامير – أستاذ فخري في جامعة “بن غوريون” بالنقب. من مواليد العاصمة العراقية – بغداد ، وهو مؤلف كتاب ” النضال من أجل سوريا “في الأربعينيات”، وكتاب “تكوين لبنان الحديث ، 1918-1926″، وكتاب “بحث لبنان: الطريق إلى الدولة” ، 1926-1939..