بعد تحليق آخر الطائرات الامريكية من مطار “كابل” ، كانهاء للوجود الامريكي في أفغانستان ، أطل الرئيس الامريكي (جو) بايدن على الامركيين والعالم ، ليفلسف ويبرر هذه الخروج ، معلنا نهاية (حروب تغيير الانظمة) المسماة أمريكيا بـ(حروب اعادة بناء الامم) ، فماذا حمل هذا الاعلان من معاني ؟ والام يشير من آفاق في السياسات الامريكية تجاه العالم ؟ ولماذا لم يخبرنا (بايدن) عن الحروب الجديدة ، التي حلت محل هذه الحروب المنتهية؟

قبل كل شيء ، كذب الرئيس بايدن عندما ادعى ، ان الحرب الامريكية على أفغانستان ، كانت لاعادة بناء الامة ، او الدولة الافغانية ، لان الضربات الامريكية في الاشهر الاولى للغزو ، كسرت طالبان ، وأخرجتها عن الساحة . يومها عرضت الحركة تسليم سلاحها والانخراط في تسوية سياسية ، لكن الادارة الامريكية ، رفضت ، وهي تعرف أن رفضها ، يعني استمرار اللجوء الى السلاح ، واستمرار القتال.
كذلك ، فان الحرب الامريكية بعد هزيمة (طالبان) ، عمدت الى تنظيم الادارة بـ(جيش وأمن ومؤسسات) ، لكنها وبعد أن وفرت للجيش والامن ، السلاح والعتاد الحديث ، حرصت الا توفر له (الروح الوطنية الجامعة) ، أو المشروع الوطني الذي يشكل عقيدته. أفضل مجموعة من محترفي القتال ، لا يجمعهم الا انتظامهم أمام محاسب يدفع لهم رواتبهم ، وهذا ماضمن سقوط الجيش بمجرد سماعه عن عودة حركة (طالبان).
كذلك حرصت الادارة الامريكية على انشاء مؤسسات أفغانية. صحيح أنها أنشأت المطار والمدارس والخدمات ، الا ان هذه الادارة ، حرصت بالآن ذاته على جعل كل مشاريع المؤسسات ، بيئة خصبة للفساد ، فجاء هذا الفساد بمثابة المشروع الذي يتضامن الجميع في اطاره ، وفي نفس الوقت يتحارب الجميع على مكاسبه. وهكذا ، فان الادارة الامريكية ، بنت هيكلة فاسدة ، يجمعها مرتزقة مشتتون وفاسدون. اسقطوا سلطتهم ، بمجرد أن أشيع قدوم “طالبان”.
اذن، لم تكن العملية ، عملية بناء دولة أو أمة ، بل كانت عملية بناء شبكة هشة من المصالح ، تخدم سيدها طالما دفع لها ، وتنهار بمجرد أن تتوقف المكاسب. انها الحرب الامريكية لتكريس سلطات توزع المكاسب ، والمناصب على الفاسدين ، ليضمنوا خدمة مصالح (واشنطن ) ، كما يضمنوا سقوطهم وانهيارهم عندما تقرر (هي) امريكا ، استبدالهم.
الرئيس بايدن ، صحيح لم يخبرنا عن الحرب الجديدة ، التي حلت محل الحروب التي قال عنها انها انتهت ، ولكنه أخبرنا بشكل عملي ، أنه اعتمد طالبان المتشددة ، لتأتي بالامارة الاسلامية (بديلا) عن المتشددين المتطرفين ، (بديلا) عن الدول ، طالما الامر يحقق مصالحها ، وهذا نقيض ما أعلن عن مبرارات الحرب على افغانستان من انها لـ”محاربة الارهاب”.
هذه التجربة ، تكمن في أن امريكا ، “ربما” تعتمد (لاحقا) متشددين ، (بديل) الدول في كثير من بقاع الارض ، وهذا لا يهدد النظام العالمي ، بل يهدد الامن والسلم الأمميين.
فهل يواجه العالم (حروب تكريس المتشددين) باعتبارهم ، قوى أمر واقع ؟