جميل أن نقول : صفقة القرن لن تنجح ، لان الشعب يرفضها ، وقبول الحكام العرب بها ، لا يحميها ، ولكن الحقيقة البشعة ، ان هذه الصفقة تستكمل تهويد فلسطين بالكامل ، والاجهاز على الحقوق الفلسطينية بالكامل خاصة “حق العودة” ، والحق باقامة دولة فلسطينية ذات سيادة ، وهذا يعني رد الشعب العربي الفلسطيني ، والامة العربية كلها الى أول مراحل (النكبة) ، واغراقهم بنكبة جديدة.
بالفعل نكبة جديدة ، تم التحضير لها بخبث ، مباشرة بعد “حرب تشرين” ، شكلت الحرب الاهلية اللبنانية اولى خطواتها ، وتحريك “الاخوان المسلمين” في سورية ، الخطوة المكملة لماجرى في لبنان ، وجاء الغزو الاسرائيلي لبيروت مع مانتج عنه من ابعاد منظمة التحرير، وتهيئة لبنان لحكم امراء (مجرمي) الحرب الاهلية.
اما مافعله الرئيس العراقي “صدام” باحتلال الكويت ، فقد فتح الباب للقوات الامريكية لاحتلال الخليج ، كمقدمة لغزو العراق ، وتدمير دولته ، لاقامة عصبيات طائفية ، نظمها دستور ” بول بريمر”، لتحل محل الدولة العراقية الوطنية ، واستكمالا لتدجين المقاومة ، جاء اتفاق اوسلو 1995 ، وما ولد عنه من سلطة ، كانت سبببا في الاقتتال الفلسطيني ، والانقسام الذي استمر حتى الان ، كمعطل للروح الوطنية الفلسطينية ، ولم تكن الحرب الاسرائيلية العداونية على لبنان عام 2006، الا تتمة لعملية اغتيال (الحريري) ، والمطلوب منها ، اضعاف (حزب الله) ، واخراج سورية من لبنان في محاولة لاضعاف المقاومة ، امتدت الى حرب غزة في العام 2008.
هذا التحضير الصهيوامريكي لمسرح الصفقة ، لم يكن كافيا ، فتدخل “الاطلسي”، حيث قررت قمته في العام 2009 ، ان المنطقة العربية تحتاج للتحضير ، وقررت لجنة حكماء الاطلسي برئاسة (مادلين اولبرايت) ، طبيعة هذا التغيير، ولم يتوان الرئيس الامريكي – اوباما ، ان أعلن (سنستخدم طاقات الشعوب لتحقيق مصالح الامن القومي الامريكي )، واستخدام طاقة الشعوب ، تجلى بانطلاق ما سمي بـ”ثورات الربيع العربي” ، ومنح الاخوان المسلمين ، دورا قياديا فيه ، فسقطت الدولة في (ليبيا) ، و(تونس) ، واستحوذ الاخوان على الحكم في (مصر) ، وطور “الاطلسي” ادواته في (سورية) ، لكسر مناعة الدولة السورية ، فدعم وسلح ودرب الفصائل الارهابية ، وزودها بغطاء سياسي واعلامي مخابراتي ، ورغم صمود الدولة السورية ، الا انها تأثرت ، كقوة ردع للمشروع الصهيو-امريكي.
وأثناء كل هذا التحضير الاطلسي الصهيوني للمنطقة ، لم يقصر الحكام العرب – بوعي منهم ، أوبعمى قلوبهم – بالتصرف بمايخدم هذا التحضير ، واستقل معظمهم في التمسك بكراسيهم وعروشهم ، وكحلوها بالعمل ضد بعضهم البعض ، مماشتت الامة ، وبعثر قواهم .
وبذلك ، توزع العرب بين من يدافع عن سيادته ودولته ، وبين من يحاول كسب رضا امريكا واسرائيل وبين من يحاول مد سيطرته للدولة الشقيقة . وهل من وسيلة لتحقيق أهداف الصهيونية ، أكثر من تحويل العرب الى قوى ومبعثرة متقاتلة ، ومتصارعة، ومتعادية !.
وبناء على هذا التحضير الخبيث ، وجد فريق ترامب الفرصة مؤاتية ، للانتقال الى مرحلة متقدمة في خدمة اسرائيل ، وترتيب المنطقة بمايجعل الدولة اليهودية ، هي المتسيدة على الشرق الاوسط عبر الاعلان الرسمي لماسمي (صفقة القرن) بكل ما تضمنته من مؤئرات حول مستقبل المنطقة ، وفق الرؤية الصهيونية من اعتماد اسرائيل ، دولة لليهود ، وهذا مايثير التساؤلات ، والتخوفات على مستقبل عرب 48 .
وتضم اسرائيل وفق صفقة ترامب ، (هضبة الجولان) وغور الاردن ، أما الفلسطينيون في هذه الصفقة ، فهم اذا خضعوا للشروط الاسرائيلية ، سيحصلون على دولة ، تدل خريطتها الترامبية ، انها مجموعة أحياء متفرقة متباعدة ، يصل بينها نفق أو جسر ، أي فدرالية لاحياء مبعثرة ، وهذا اختراع صهيوني ، لبعثرة الفلسطينيين كشعب في كيانات بلدية لاحياء، أما المصيبة على الامة العربية والاسلامية ، أن هذه الصفقة تعطي (القدس) كلها ، وللابد ، الى اسرائيل.
و”حق العودة” ، تم تحويله من العودة الى فلسطين ، الى العودة لبلاد أخرى ، أو التوطين النهائي في بلد اللجوء. ألم يؤكد نتنياهو أمام ترامب ، ان حق العودة ، يمارس بعيدا عن دولة اسرائيل !.
باختصار ، تستكمل اسرائيل عبر هذه الصفقة ، اغتصاب فلسطين ، وضم (الجولان وغور الاردن) الى هذا الاغتصاب ، كما تؤمن هذه الصفقة ، الأمن ، وشروط الازدهار ، وعوامل القوة لاسرائيل ، ويرمي بالعرب العرب كلهم ، وليس الفلسطينيين فقط على قارعة الطريق. مسروقو الاوطان ، منهوبو الاوطان ، مذلون مهانون.
القوى الصهيو امريكية ، حضرت لصفقة القرن ، منذ مابعد حرب تشرين ، وهيأت الظروف الجيوسياسية في المنطقة لتمريرها بالحروب والارهاب ، واستخدام تطلعات الشعوب ، وماسمي بـ”الربيع العربي”، ليكون الطريق سالكا أمام هذه الخطة المعقدة ، والمصيبة ان العرب وحكامهم ، ومنذ بدء التحضير لهذه المصيبة ، وهم اما غافلون ، واما شعوب محكومون ، وأما حكام مهوسون بكراسيهم وعروشهم ، واما احزاب وقيادات عمياء ، أو متعصبة ، أو متوهمة ، وغرق الكل بمجد من شعارات الصراخ، أوالعويل ، أوالهتاف للحكام الظلام.
وبعد كل ذلك ومع اعلان المصيبة\الصفقة ، لم يكذب العرب وحكامهم الخبر ، وتابعوا عماهم ، وبدأوا بالادانات ، والصراخ ، والتوهم ، ودون أي خطوة عملية. ليستمر النوم الوطني الاستراتيجي ، وتبقى البلادة القومية ، لنضيع ولتضيع بقية البلاد ، كما ضاعت “فلسطين” على وقع أناشيد وطنية ، وانتصار حكامنا ، وكراسيهم .
لذلك ، نسأل العرب وحكامهم ، هل فهمتم أخيرا المخطط الامريكي الصهيوني ، الذي بدأ تنفيذه فورا بعد حرب تشرين؟ ، وهل جعلتكم “صفقة القرن” ، تحسون بـ”الخازوق” ، الذي يخرق كيانكم الوطني التقدمي الحضاري؟ … هل شعرتم الى أين وصل “الخازوق” الصيهوني الامريكي؟… أي “نعيما”.