
خاص
التجدد الاخباري
مكتب (بيروت + واشنطن )
بعد حوالي شهرين من التوتر والتصعيد ، تم التوصل الى اتفاق «درعا البلد» في 24 أغسطس/ آب الماضي ، ليصار الى تنفيذه في الساعات الأولى من صباح (أمس الأربعاء). ما أثار العديد من التساؤلات حول دلالاته، لاسيما فيما يتعلق بالتوافقات والتنسيق (الروسي الإيراني)، وكذا تداعياته على واقع ومستقبل الأمن ، والاستقرار الإقليمي.
وكانت اتفاقية “أستانا” الخاصة بمناطق (خفض التصعيد) في سوريا، قد ضمنت “درعا” في المنطقة الرابعة – جنوب سوريا، والتي تتولى الإشراف عليها القوات الروسية والإيرانية إلى جانب الجيش السوري.
وفي هذا الإطار، بدأت المفاوضات والوساطة الروسية، وتم التوصل إلى اتفاق عام 2018 ، يقضي بتسلم الحكومة السورية (الأحياء الشمالية) في المدينة، أو ما يُسمى بـ«درعا المحطة»، وبقاء الأحياء الجنوبية، التي تُعرف بـ«درعا البلد»، تحت سيطرة الفصائل المسلحة، وأن تبعد موسكو الميليشيات الإيرانية عن خط المواجهة مع (إسرائيل)، مسافة 80 كلم.
مؤخرا (الاسابيع الأخيرة)، حاول الجيش فرض السيطرة الكاملة على “درعا”، وإستعادة البلدات والجيوب ، التي كانت تسيطر عليها الفصائل (الجهادية) بالقوة المسلحة، وحاصرتها القوات النظامية منذ يونيو/ حزيران وفق محددات عوامل عدة ، منها :
– أهمية “درعا” الرمزية ، وخصوصيتها في سياق الحرب مع سورية ، حيث شكلت مهد الاحتجاجات التي اندلعت في عام 2011 ضد الدولة ، وما زالت عصية عليها؛ حيث قاطعت الانتخابات الرئاسية التي جرت في مايو/ أيار ، وخرجت منها الاحتجاجات المنددة بالانتخابات، والمطالبة بـ(إسقاط النظام).
– تنظر (القيادة ) السورية إلى “درعا”، باعتبارها آخر معقل للمعارضة (جنوب سوريا)، ويتعين إخضاعها، وهو ما لوح به الأسد في خطاب تنصيبه في 17 يوليو/ تموز، وأطلق عليه خيارات الحسم العسكري.
– هذا إلى جانب أهميتها الجيواقتصادية؛ حيث تتمتع منطقة “درعا” بأهمية حيوية للدولة السورية ، نظراً لأنه يمر بها معبر (نصيب) الحدودي بين سوريا والأردن، والذي كان أحد أهم المعابر التجارية للبلدين قبل الأزمة السورية، ومن ثم فإن تأمين المعبر ، يشغل أولوية للحكومة السورية الساعية إلى التركيز على جهود إعادة الإعمار في المرحلة المقبلة.

“اتفاق درعا” بين موسكو وطهران
وكالة الأنباء السورية\سانا ، ذكرت أنه بدأ تسليم أسلحة ، وتسوية أوضاع عدد من مسلحي درعا البلد في مركز التسوية بحي الأربعين في المنطقة. وقالت الوكالة : إنه سيتم فتح عدة مراكز تسوية بحي درعا البلد، لتسوية أوضاع المسلحين، وتسليم السلاح للجيش العربي السوري.
وفي قراءة أولية لبنود هذا الاتفاق ، فانه من المفترض ، أن يؤسس للحل السلمي في إطار خريطة طريق ، ترسم الوضع في درعا. فقد نص الاتفاق على «دخول قوات تابعة للشرطة العسكرية الروسية بمرافقة من اللواء الثامن، وإنشاء نقطة عسكرية مؤقتة جنوب درعا البلد، بهدف تثبيت وقف إطلاق النار». كما نص على «رفع علمي روسيا والنظام السوري، وتمركز قوة عسكرية تابعة للجيش السوري في 4 مواقع عسكرية، على أن يجري تحديدها لاحقاً».
وكان من ضمن بنود الاتفاق ، تسوية أمنية لنحو (34 شخصاً)، وتسليم أسلحتهم، على أن يتم تسيير جولة لقوة عسكرية في أحياء “درعا البلد والمخيم وطريق السد”. وبعد تنفيذ كافة بنود الاتفاق، يفترض أن يسحب الجيش السوري ، التعزيزات العسكرية من محيط الأحياء المحاصرة، ثم يفك الحصار عنها. فيما توقفت العديد من الجهات المراقبة للتطورات الحاصلة على هذا الصعيد ، حول هذا التحرك وتداعياته المحتملة لبروز تناقضات بين الحليفين في سورية : (روسيا – إيران).
ومع الاقرار بالتنسيق الحاصل والقائم بين الدوليتن تجاه المشهد السوري منذ عام 2011 ، إلا أن أزمة “درعا” تحمل مؤشرات كانت كاشفة للخلافات بينهما، ففي حين دعمت (إيران)، الجيش السوري ، وشاركت بقوات معه، فإن (روسيا) كانت مع ضرورة التمسك بالاتفاقات التي تمت، وتصفية جيوب المعارضة بالمفاوضات، وحكم كل منهما – موسكو وطهران – في ذلك مصالحه ، وأولوياته.
وفي تفسير الحاصل حاليا بالجنوب السوري – وفق تلك الجهات- فان (طهران) تسعى إلى فرض سيطرتها على منطقة درعا الاستراتيجية بالنسبة لها، لما تتيحه من تماس مع (إسرائيل) عبر الجولان، لا سيما في محافظة “القنيطرة”، المتاخمة لدرعا من الغرب، الأمر الذي يُمكن طهران من ضم ملف الجنوب السوري لملفات تفاوضها مع الولايات المتحدة و(إسرائيل)، يضاف إلى ذلك، أن تثبيت وجودها (جنوب سوريا)، يخلق جدار حماية لممرها الاستراتيجي ، الممتد من (العراق وسوريا) حتى جنوب لبنان.
أما (موسكو) ، فقد رفضت الحل الساخن \ الخيار العسكري ، واستطاعت فرض رؤيتها بالتوصل إلى الاتفاق ، الذي تضمن وقف إطلاق النار، وإقامة نقاط تفتيش للشرطة العسكرية الروسية، وإزالة الحواجز بين “درعا المحطة” و”درعا البلد”، وانسحاب القوات الحكومية من محيط “درعا البلد”، وخروج المسلحين المطلوبين ، والرافضين للاتفاق.
“مصادر خاصة ” كشفت لـ(موقع التجدد الاخباري) ، خلفيات الموقف الروسي ودوافعه الموضوعية في هذه المنطقة الحساسة من الجغرافية السورية :
أولا – الرغبة في ضبط الوجود الإيراني في الجنوب السوري، فموسكو تدرك أنه من الصعوبة بمكان إنهاء الوجود الإيراني في الجنوب، لكنها تريد ألا يخرج هذا الوجود عن السيطرة ، وألا يهمين على مقاليد الأمور بهذه المنطقة الحيوية لأمن دول الجوار، خاصة “الأردن وإسرائيل”، مما يوسع دائرة الصراع وعدم الاستقرار، وأن يكون الدور الروسي ـ، أقرب للقابض على الميزان بين القوى الإقليمية المختلفة.
ثانيا – من ناحية أخرى ، يخشى الأردن المحاذي لدرعا من انتشار المجموعات الإيرانية ، التي تقاتل إلى جانب قوات الدولة السورية قرب مواقعه، إضافة إلى قلقه من احتمالات مواجهة إيرانية إسرائيلية قد يتأثر بها، خاصة وأن عدداً من التقارير أشارت إلى امتلاك بعض هذه المجموعات، طائرات مسيّرة “إيرانية الصنع”. وهو ماكان قد لفت اليه الملك الأردني عبد الله (الثاني) في مقابلة تلفزيونية أجريت معه ، أثناء زيارته إلى واشنطن في يوليو/ تموز الماضي ، وأعرب عن خشيته من تعرض الحدود الأردنية لهجوم بهذا النوع من الطائرات من المنطقة الجنوبية.
ثالثا– تفضل (عمان) نشر قوات من اللواء الثامن، أحد ألوية “الفيلق الخامس”، الذي تم تأسيسه بإشراف روسي من أبناء درعا والمنطقة الجنوبية ، التي تحظى الكثير من عائلاتها وعشائرها بامتداد ديموغرافي في الأردن؛ وذلك لإبعاد الميليشيات الإيرانية عن الحدود السورية.
رابعا– خشية قصر “رغدان” الملكي الاردني من تداعيات النزاع على أراضيه ، وخلق أزمة إنسانية على حدوده، فقد تؤدي التطورات في درعا إلى حركة نزوح جماعية للسكان باتجاهه، ما يضاعف أعباء اللاجئين السوريين، والذين تقدر أعدادهم بأكثر من مليون لاجئ سوري.
الأمر الذي حمل دلالته ، قيام عمّان بإغلاق معبر (جابر- نصيب) الحدودي مع سوريا في 31 يوليو/ تموز، بسبب توتر الوضع الأمني في منطقة درعا، للاتفاق على ترتيبات أمنية جديدة حول التنقل بين البلدين، ثم أُعيد فتحه جزئياً أمام التجارة فقط دون الأفراد.
ليصار الى وضع ملف “درعا” خلال القمة الروسية الأردنية بموسكو في 23 أغسطس/ آب الماضي، كبند أساسي كبير من المباحثات بين (بوتين) و(عبد الله الثاني)؛ حيث سعى الأخير إلى الحصول على طمأنة من قبل موسكو بشأن القضايا السابقة ذات التأثير على أمن واستقرار الأردن.

اتفاق درعا … وعين “اسرائيل”
على المقلب الآخر ، “تل ابيب” التي تراقب من كثب ما يجري في درعا، ولطالما قامت بقصف قواعد وتحركات لـ«حزب الله» والحرس الثوري الإيراني هناك عشرات المرات.
وفي عمق التصور الاسرائيلي للوضع في المنطقة الجنوبية السورية ، يسود اهتمام الدوائر الأمنية الإسرائيلية بـ(درعا) ليس فقط بسبب قربها من الحدود المحتلة ، وإنما لأنها تعكس مساعي طهران في التمركز جنوب سورية ، واتخاذها قاعدة أمامية لمهاجمة (إسرائيل).
أيضا ، لا تريد روسيا استفزاز (إسرائيل)، وإيجاد مبررات لتوسيع نطاق الضربات الإسرائيلية في سورية، مما يضطرها بالتبعية إلى توسيع دعمها للقوات السورية في اعتراض الهجمات الصاروخية الإسرائيلية، فروسيا لا ترغب في استمرار سوريا ، ساحة مواجهة (إسرائيلية – إيرانية).
كما أنها – موسكو- لا تريد فتح الباب لأي تدخل أمريكي بدعوى حماية المدنيين في درعا ، ووقف تدهور الوضع الإنساني بها. على الرغم من الاتفاق والهدوء النسبي للأوضاع في المنطقة الجنوبية ، فإنها تظل أشبه بقنبلة موقوتة، فتعقيدات المشهد الداخلي والإقليمي ، تجعل النار كامنة تحت الرماد ، وقابلة للاشتعال مرة أخرى ، وفى أية لحظة.

حضر المفاوضات بـ(شاروخ – قلابية – سلك أحمر)
على هامش الاتفاق الذي وقع (يوم الثلاثاء) ، وتم تنفيذه صباح أمس الاربعاء ، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي ، صوراً لأحد أعضاء لجنة التفاوض في درعا، وهو المدعو (أبو علي المحاميد) يضع رجلاً فوق رجل ، ويجلس أمام ضباط الشرطة العسكرية الروسية بـ(الشاروخ) ، وهو (الصرماية) التي ينتعلها أهالي العديد من أبناء المناطق السورية ، وتعد من التراث الشعبي ، كعادات وتقاليد في اللباس .
وبينما رأى البعض في تصرف (المحاميد) ، استهزاء وقلة اهتمام من جانبه تجاه الحاضرين للتفاوض معه ، رد البعض تصرف (أبو علي) الى انه طبيعي ، طالما ان هذا اللباس متعارف عليه ، واعتاد أبناء تلك المنطقة انتعاله ، بل والاعتداد به ، خصوصا ان له صناعته (اليدوية) المشهور بها ، كأن (النعل\ السفل) من جلد البقر ، بينما (الوجه) له موديلات منه المشكوك بـ(الصرما أو خيط القصب)، عدا عن أن له ألوان مزركشة . أخيرا وليس آخرا ، التباهي بموديلات (الشاروخ ) بين : “المخفيه المعلق – والديري”.