
قوات عسكرية تركية تدخل معبر باب الهوى على الحدود “السورية- التركية” في محافظة (ادلب).
\خاص\
التجدد الاخباري – ترجمة (مكتب بيروت)
إن التحدّي الذي تحمله ردة فعل أنقرة على تقدّم الجيش السوري في شمال غربي (محافظة إدلب)، زاد من مخاوف مواجهة عسكرية شاملة بين أنقرة ودمشق، وأدخل الحرب السورية في أكثر مراحلها حدة منذ سنوات.
وجولة التصعيد الأخيرة بين الطرفين في 27 شباط \ فبراير الماضي، جاءت ردًا على مقتل 34 جنديًا تركيًا في غارة جوية سورية على إدلب. وبينما اتهم وزير الدفاع التركي (خلوصي) أكار، دمشق باستهداف القوات التركية في إدلب، على الرغم من “التحذيرات” ، التي تلقّاها (النظام السوري)، اتهمت روسيا، حليفة الأسد، القوات التركية بأنها “تتحالف في المعركة مع الجماعات الإرهابية”. في المقابل، أظهرت ايران، الحليفة الأخرى للحكومة السورية، موقفًا محايدًا، وأكدت ضرورة “ادارة الوضع المتوتر وتهدئته” ، ودعت وزارة الخارجية الإيرانية إلى عقد قمة ثلاثية، (إيرانية روسية تركية)، في إطار عملية “أستانة”.

حميد (رضا) عزيزي
ولكن الوضع أصبح أكثر حدة، عندما أدى الردّ التركي في شمال غرب سوريا إلى مقتل عدد من المقاتلين الذين تدعمهم إيران، إضافة إلى عدد من الجنود السوريين. وبحسب تقرير نشره الإعلام الإيراني، فإن أربعة مقاتلين على الأقل من “حزب الله” اللبناني قُتلوا، بالإضافة إلى 21 عنصرًا من لواءي “الفاطميين” و”الزينبيين”، اللذين يُقاتلون في صفوفهما عناصر من شيعة أفغانستان وباكستان، وبدعم من إيران. وبعد ساعات من بداية الضربة التركية، وفي اتصال هاتفي بين الرئيس الإيراني حسن روحاني ، ونظيره التركي رجب أردوغان، شدّد روحاني على حلّ أزمة إدلب من خلال الحوار، واقترح روحاني،مجددًا، استضافة الرئيسين الروسي والتركي في قمة لمناقشة الأزمة الحالية. إلا أن دعوة روحاني للحوار ، أعقبها تحذير مباشر من قيادة “الحرس الثوري الايراني” في سوريا.
وأصدر “مركز الاستشارة الإيراني في شمال غرب سوريا”، بيانًا في الأول من آذار، قال فيه إن الجيش التركي يواصل استهداف المواقع التابعة للمركز. وإذ حذّر من أن القوات التركية في سوريا ، هي في “مرمى إطلاق النيران” من القوات الإيرانية، دعا المركز ، القوات التركية لـ”التحلّي بالحكمة”، لئلا تؤدي تحركاتها إلى ردّ انتقامي من الجانب الإيراني. وعلى الرغم من التناقض في الموقفين الرسمي والعسكري، إلا أنهما يؤشران الى النهج الاجمالي لايران من إدلب.
بيان مفاجىء
وكان بيان “مركز الاستشارة الايراني” ، مفاجئًا ، للمتابعين لتدخّل ايران في الأزمة السورية، إذ أن لا أحد قد سمع بالمركز من قبل. وعلى الرغم من رفض ايران المتكرّر الاعتراف بمشاركتها في المعركة في إدلب، يُعدّ هذا البيان ، تأكيدًا واضحًا على الدور النشط للقوات الايرانية، أو القوات التي تدعمها طهران في ذلك الجزء الجغرافي من سوريا. ومن هنا، يُمكن اعتبار قرار طهران الإعلان عن وجودها في إدلب ، محاولة للإعلان عن وجود مجموعة من المصالح ، التي يجب احترامها من قبل الجهات الفاعلة الأخرى، وخاصّة (تركيا).
في الواقع، كان البيان واضحًا في التعبير عن تلك المصالح ، والخطوط الحمراء لايران في إدلب. وفقًا لـ”المركز الاستشاري الإيراني”، فإن قوات من “الحرس الثوري الإسلامي” (IRGC) إلى جانب “حزب الله” وغيره من قوات “المقاومة” قد شاركت في تأمين سيطرة الحكومة السورية على الطريق السريع (M5) الاستراتيجي ، الذي يربط (دمشق) بـ(حلب).
ويؤكد أيضًا أن هذه القوات تُواصل دعمها للجيش السوري ضدّ “القوات المسلحة التي يدعمها الجيش التركي” ، التي تسعى لاستعادة السيطرة على الطريق. ويبدو أن ضمان سيطرة حكومة الأسد على الطريق السريع (M5) ، هي إحدى أولويات إيران في تلك المنطقة.
وفي الوقت الذي اعتادت فيه إيران على تصوير القوات التابعة لها “بالمتطوّعين” ، الذين يقاتلون الارهاب، إلا أن بيان “مركز الاستشارة الايراني” الأخير لم يُفرّق بين قوات “الحرس الثوري” ، وتلك التي وصفها بجماعات “المقاومة”، وبالتالي، فإن البيان يحتوي على تحذير ضمني من أن أي استهداف تركي لهذه الجماعات ، سيُعتبر هجومًا على الجيش الإيراني.
ويشير البيان أيضًا إلى تحوّل في نهج إيران ، تجاه دور روسيا في إدلب. في الماضي ، كانت طهران تعتمد على القناة الروسية لتخفيف حدة النزاعات بين الجيش السوري وقوات المعارضة المدعومة من تركيا في إدلب. وتأكيدًا على هذا النهج، صادقت طهران على اتفاقية “سوتشي”، التي وافقت عليها تركيا وروسيا في العام 2018.
إلا أن طهران ليست راضية عن الموقف الروسي في إدلب، وعدم رغبة موسكو في الدفاع عن حكومة الأسد ضدّ الهجمات التركية المتكرّرة، وهو ما يشير إلى رغبة إيرانية بتحديد موقف مستقل لها في إدلب بعيدًا عن روسيا.
مخاوف ايرانية
ومع ذلك، فإن إصرار الرئيس الايراني والخارجية الإيرانية على حلّ الأزمة من خلال الحوار والديبلوماسية ، يشير إلى أن إيران تُدرك المخاطر المحتملة ، لنهجها المُفرط في سوريا. من جهة، يعكس مخاوف طهران من انهيار عملية أستانة بسبب التوترات الحالية، خصوصًا أن عملية أستانة ، هي عملية السلام الدولية ، الوحيدة المدعومة من الأمم المتحدة، ولإيران دور حاسم فيها.
وبالتالي ، فإن انهيار الاتفاقية ، يحرم إيران من “أصول ديبلوماسية قيمة” فيما يتعلّق بسوريا. وفي الوقت نفسه، تخشى ايران من تردّي الأوضاع السورية لدرجة تسمح لـ(إسرائيل) بمضاعفة عملياتها الهجومية ضدّ “الحرس الثوري” وحلفائه في سوريا، على الرغم من أن آخر غارة إسرائيلية على القوات السورية في 2 آذار\ مارس ، تظهر أن لا أساس لهذه المخاوف.
كما تشعر إيران بالقلق إزاء اتفاق امريكي محتمل على دعم أنقرة بشكل مباشر في إدلب. وبما أن ايران اعتبرت “طرد القوات الأميركية من المنطقة” أولوية إقليمية رئيسية لها بعد اغتيال “قائد فيلق القدس” في “الحرس الثوري الإيراني” اللواء قاسم سليماني في كانون الثاني\ يناير من هذا العام، فإن أي تورّط أمريكي في إدلب ، يخلق تحديات جديدة لإيران في احزار تقدّم في هذه المهمة.
وفي النتيجة، وبينما تحاول جاهدة لدفع الأطراف الأخرى الى قبول مصالحها واحترام خطوطها الحمراء في إدلب، فإنه من غير المتوقّع أن تدخل طهران في مواجهة مفتوحة مع تركيا حول هذه القضية ، وبدلاً من ذلك، ستُحاول ترجمة وجودها العسكري النشيط في المنطقة إلى مكاسب سياسية لنفسها وحلفائها في المحادثات الديبلوماسية المستقبلية.
https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2020/03/iran-confrontation-turkey-idlib-syria.html
د. حميد رضا عزيزي – زميل في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين. كان أستاذًا مساعدًا للدراسات الإقليمية بجامعة شهيد بهشتي (2016-2020) ، ومحاضرًا ضيفًا في قسم الدراسات الإقليمية بجامعة طهران (2016-2018).