لم تخسر الولايات المتحدة أيا من أفراد قواتها في حربها في أفغانستان منذ فبراير 2020، ولكن هذا الوضع قد انتهى يوم الخميس الماضي بمقتل 13 جنديًا في أعقاب هجمات تنظيم «داعش في خراسان»، على مطار كابول، كما أودى الهجوم بحياة أكثر من 100 أفغاني وجرح ما لا يقل عن 200 شخص آخرين، وهي الخسارة المأساوية والمفجعة للأرواح، والتي تمثل يومًا أسود في حرب أمريكا المستمرة ضد الإرهاب.
إن مغادرة أفغانستان لن توقف الإرهاب، كما أنها لن تجعلنا نتجنب التهديدات التي نواجهها فى الولايات المتحدة، إذ إن الضعف الذي أظهرناه في الخضوع لحركة طالبان قد جعلنا معرضين للخطر وفضح قواتنا من خلال إظهارها وهي تقوم بجهود إنقاذ متراجعة بدلاً من استعراض القوة فى عملية إجلاء تتم وفقاً لشروطنا الخاصة، وقد تفاقم هذا الوضع اليائس على الأرض بسبب عدم كفاءة قيادتنا، سواء في الماضي أو الحاضر.
فلا يمكن الوثوق بطالبان أبدًا، لا في الماضي ولا الحاضر ولا المستقبل، وقد كان من المخجل أن يتفاوض رئيسنا السابق، دونالد ترامب، على صفقة مع منظمة إرهابية، كما أنه لأمر مروع أن يستخف رئيسنا الحالي، جو بايدن، بتأثير إعلان الانسحاب والفوضى التي ستنجم عن ذلك، والأسوأ من ذلك، هو الإحراج الذي تعرضنا له بسبب إظهار قائدنا العام أنه يفتقر إلى القوة. وأرى أننا بحاجة إلى قيادة هنا في الولايات المتحدة وعلى المسرح العالمي، فأمريكا التي أعرفها، والتي ذهبت إلى خدمتها والدفاع عنها كطيار في سلاح الجو والآن كعضو في الكونجرس، تقف بحزم ضد الإرهاب والاستبداد، ولا تترك وراءها أي رجل أو امرأة أو طفل.
فعلى مدار تاريخنا، انخرطت الولايات المتحدة مع خصوم أصبحوا حلفاء فيما بعد، وقد قاتلنا ضد الظالمين وحررنا الأشخاص المحبين للحرية في كل مكان، وقد أحدثت دبلوماسيتنا وقوتنا ووجودنا تغييرًا فعالًا فى جميع أنحاء العالم، وكان يمكن لأفغانستان أن تكون واحدة من تلك الأمثلة التى نفتخر بها، ولكن قادتنا خذلونا، والأكثر من ذلك أنهم خذلوا الشعب الأفغاني نفسه.
ولطالما سمعنا جملة «الحروب الأبدية» على جانبى الطيف السياسي، وهي الجملة التي يتم استخدامها فى التعبير عن الاعتراض على الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط، كما سمعنا الكثير من الأمريكيين المنهكين الذين يشتكون من هذه «الحروب الأبدية»، فالبعض منزعج من الأموال التي تم إنفاقها، والبعض الآخر يريد عودة قواتنا، وهناك أولئك الذين أعربوا عن أسفهم لسنوات على أن مهمتنا فى أفغانستان كانت بمثابة كارثة منذ البداية، ولكنني أعارض كل هذه الآراء وبشدة. وذلك لأن كون الأمريكيين مرهقين من الحرب لا يعني أن أعداءنا مستعدون للتوقف عن قتالنا، وقد رأينا ذلك يوم الخميس الماضي، حينما تم استغلال ضعفنا وقتل 13 أمريكيًا شجاعًا، كما أنه لدى الولايات المتحدة مهمة أن تكون نموذجًا للحكم الذاتي وأن تظهر التعاطف مع العالم الغارق في الفوضى، والذى يبدو في حاجة ماسة إلى تذوق ما لدينا في بلادنا، إذ تمثل أمريكا منارة الأمل للأشخاص المحبين للحرية في جميع أنحاء العالم، وجيشنا هو الجيش الأقوى والأكثر قدرة فى العالم، ولكن إخفاقاتنا في أفغانستان لم تكن بسبب القوات العسكرية، بل هي بسبب فشل قيادتنا. وسيكون لهذه اللحظة، التي نواجهها الآن، آثار طويلة الأمد، وذلك لأن فشلنا في الوفاء بوعدنا لحلفائنا في أفغانستان سيكون وصمة عار على جبين أمريكا وتاريخها، كما أنه سيعرض أجيالًا عديدة قادمة للخطر، وسنكون ساذجين إذا اعتقدنا أن مشاكلنا ستنتهى هنا، فالكفاح من أجل حريتنا لا ينتهي، وسنجد أنفسنا في حالة حرب مرة أخرى، ومع هذا الخطأ الفادح في سجلنا، فإن أعداءنا لن يخافوا، كما لن يثق حلفاؤنا فينا بعد الآن.
وهذه ليست ظاهرة جديدة، لكنها معلومات سمعناها جميعًا من قبل، لكننا في الماضي كنا أذكياء بما يكفي لإدراك الدور الذي يمكن أن نلعبه فى العالم عندما يكون لدينا مقعد على الطاولة، وعندما يكون لدينا وجود على الأرض، إذ يعكس حضورنا العالمي، جزئيًا، التركيبة الأخلاقية لأمريكا ومدى التزامها بكرامة الإنسان، والأهم من ذلك أنه ضروري لأمننا القومي والاقتصادي والإلكتروني وما إلى ذلك.
وفي أفغانستان، كان الوجود العسكري الأمريكي يتمثل في وجود حوالي 100 ألف جندى فى عام 2010، وفي بداية هذا العام، بات لدينا أقل من 3 آلاف جندي على الأرض، فقد كانت تلك القوات هناك لإجراء عمليات الدعم الجي والاستخبارات ومكافحة الإرهاب والتدريبات، وبدعم من الاستخبارات الأمريكية والمراقبة والاستطلاع، أجرت قوات الأمن الأفغانية الغالبية العظمى من عملياتها الأمنية في البلاد، وهو ما يتضح في حقيقة أننا لم نواجه قتالًا واحدًا خلال أكثر من 18 شهرًا.
ولكن حكم طالبان لكابول سيقضي على تلك المكاسب التى تحققت، ونحن نرى ذلك وهو يتكشف الآن، فقد كان لوجود أمريكا تأثير وكان من الممكن أن يستمر في دعم حلفائنا دون وجود كبير على الأرض، تمامًا كما فعلنا مع دول أخرى حول العالم.
وإذا تراجعنا عن هذه المعركة الآن، فإننا سنشاهد العالم وهو ينهار، كما أننا سنكون قد استسلمنا للهجمات الإرهابية وتركنا شعبنا وراءنا، وهو ما سيؤدي إلى عواقب مضاعفة ستعانى منها الأجيال القادمة، وسيفتح العالم لمزيد من الفوضى، كما سيتحرك الإرهابيون بحرية عبر الشرق الأوسط وما وراءه، ولن تكون حقوق الإنسان موجودة، وسيتشجع الفاعلون السيئون في الصين وروسيا بسبب انسحابنا، مما يمنحهم مزيدًا من السيطرة على مستوى العالم.
والأمر قد بات متروكًا لنا، فقد تعرض جيشنا وحلفاؤنا للهجوم، وأزهقت أرواح الأبرياء لمجرد رغبتهم في أن يعيشوا حياة أفضل من حياة تحت حكم طالبان، وعلينا الآن أن نثبت أن الولايات المتحدة أفضل من الصورة التي أظهرناها مؤخرًا، فنحن لدينا القوة والسلطة والثبات للدفاع عن الحرية، ويجب أن نتخذ هذا الموقف الآن من خلال التراجع عن الموعد النهائي التعسفي الذي حدده الرئيس للانسحاب، وتأمين المطار، وتوسيع جهودنا لضمان سلامة وأمن جميع الأمريكيين والأفغان الحاصلين على تأشيرات خاصة وحلفائنا الأفغان الذين يواجهون الخطر، وأي شىء أقل من ذلك سيكون غير مقبول ولا يعبر عن الولايات المتحدة الأمريكية.
.عضو الكونغرس الأمريكي – مقدم في الحرس الوطني الجوي الأمريكي،وأحد قدامى المحاربين في العراق وأفغانستان.
“المصري اليوم”