خاص- حصري
التجدد الاخباري – قسم الترجمة الخاصة
كتب الرئيس الروسي، “فلاديمير بوتين”، مقالًا بعنوان “أن تظل منفتحًا بغض النظر عن الماضي”، نشرته له صحيفة “دي تسايت” الألمانية الأسبوعية، بمناسبة حلول الذكرى الثمانين لبدايات الحرب الوطنية العظمى، ومن جهته، نشر الموقع الرسمي للكرملين النسخة الروسية من المقال.

هنا نص المقال :
بالنسبة للشعب السوفيتي، بدأت الحرب الوطنية العظمي، وكانت تلك هي الحرب الأكثر دموية في تاريخ بلادنا. فقد مات عشرات الملايين من الناس، وتعرضت الإمكانات الاقتصادية والتراث الثقافي لأضرار جسيمة”.
نحن فخورون بشجاعة ومرونة أبطال الجيش الأحمر والعاملون على الجبهة الداخلية، هؤلاء الذين لم يدافعوا فقط عن استقلال وكرامة الوطن الأم، ولكنهم أنقذوا أيضًا أوروبا والعالم من العبودية .. ومن يحاول إعادة كتابة صفحات من الماضي الآن، فسوف يدرك أن الجندي السوفيتي جاء إلى الأراضي الألمانية ليس للانتقام من الألمان، ولكن لأجل مهمة نبيلة وعظيمة.
إن ذكرى الأبطال اللذين قاتلوا ضد النازية سوف تظل مقدسة بالنسبة لنا. نحن نتذكر بامتنان الحلفاء المناهضون لهتلر، وهؤلاء من شاركوا في المقاومة، والألمان المناهضون للفاشية والذين تسببوا في تقليص المسافة نحو النصر المشترك.
إن الشعوب الأوروبية بعد أن نجت من أهوال الحرب العالمية، كانت لا تزال وقتها قادرة على التغلب على العزلة واستعادة الثقة والاحترام المتبادلين. لذلك شرعت في مسار التكامل من أجل رسم الخط الأخير للمآسي الأوروبية خلال النصف الأول من القرن الماضي. لذلك يقول الرئيس، “أريد أن أؤكد بشكل خاص أن المصالحة التاريخية لشعبنا مع الألمان، الذين عاشوا في شرق وغرب ألمانيا الموحدة الحديثة، لعِبت دورًا هائلاً في تشكيل أوروبا في صورتها الحالية.
اسمحوا لي أن أذكركم بأن رجال الأعمال الألمان هم من أصبحوا رواد التعاون مع بلادنا خلال سنوات ما بعد الحرب. وفي عام 1970، وقع الاتحاد السوفيتي مع ألمانيا على صفقة القرن، تلك التي تتعلق بالإمدادات طويلة الأجل من الغاز الطبيعي إلى أوروبا، والتي أرست الأساس فيما بعد للاعتماد المُتبادل والبناء، والذي أصبح بدوره بداية للعديد من المشروعات الطموحة اللاحقة التي يعتبر بناء خط أنابيب الغاز نورد ستريم من ضمنها.
وانني آمل -مثل كل الروس – بأن تكون نهاية الحرب الباردة ، بمثابة انتصار مشترك لأوروبا، وأن يتحقق حلم “شارل ديغول”، حول قارة واحدة ممتدة من المحيط الأطلسي إلى جبال الأورال وثقافة وحضارة واحدة تمتد من لشبونة إلى فلاديفوستوك، حقيقة واقعية.
في هذا المنطق، أي في منطق بناء أوروبا الكبرى، التي توحدها القيم والمصالح المُشتركة، سعت روسيا إلى تطوير علاقاتها مع الأوروبيون. لقد فعلنا نحن والاتحاد الأوروبي الكثير على هذا المسار. لقد ساد نهج مختلف، يستند إلى توسع حلف شمال الأطلسي، الذي كان يعد في ذاته أحد مخلفات الحرب الباردة، حيث تم إنشاؤه في الواقع لمواجهة صعاب تلك الحقبة.
لقد كانت حركة الكتلة الغربية تتجه نحو الشرق، بالتزامن مع البدء في إقناع القيادة السوفيتية بشكل فعلي بالانضمام إلى ألمانيا الموحدة في الناتو، والتي أصبحت السبب الرئيسي للنمو السريع لعدم الثقة المُتبادل في أوروبا. ذلك لأنهم سارعوا لنسيان الوعود التي قُطعت آنذاك، والتي كانت تؤكد أن هذه الجهود ليست موجهة ضد الروس، وأن حدود الكتلة الغربية لن تقترب من روسيا، وهو ما لم يحدث.
فمنذ عام 1999، قام حلف الناتو بعمل خمس موجات توسعية. حيث ضمت المنظمة 14 دولة جديدة، بما في ذلك جمهوريات أعضاء في الاتحاد السوفيتي السابق، مما تسبب في دفن الآمال في مشروع قارة واحدة بدون خطوط فاصلة.
وبالمناسبة، هذا أمر قد حذر منه في السابق “إيجون بار”، أحد قيادات الحزب الديموقراطي الاجتماعي الألماني، خلال منتصف الثمانينيات، والذي اقترح إعادة بناء نظام الأمن الأوروبي بالكامل بشكل جذري بعد إعلان توحيد ألمانيا، على أن يتم ذلك سواء بمشاركة الاتحاد السوفيتي أو الولايات المتحدة. لكن وقتها، لم يرغب أحد لا في الاتحاد السوفيتي ولا في الولايات المتحدة ولا في أوروبا في الاستماع إليه.
علاوة على ذلك، واجهت العديد من الدول خيارات مُزيفة، تفضي إلى أنه إما أن تكون مع الغرب الموحد أو مع روسيا. وفي الواقع كان هذا يبدو مثل إنذار نهائي، بحيث من الممكن رؤية عواقب هذه السياسات العدوانية في مثال واضح يتمثل في المأساة الأوكرانية لعام 2014. حيث دعمت أوروبا بنشاط الانقلاب المُسلح والمناهض للدستور الأوكراني، ومن عند هذه النقطة بدأ كل شيء، ولما كانت هناك حاجة لفعل كل ذلك؟ إن الرئيس يانوكوفيتش وافق وقتها بالفعل على جميع مطالب المُعارضة، لماذا إذا نظمت الولايات المتحدة انقلابًا، ولماذا دعمته دول أوروبا بلا وعي، مما أدى إلى وقوع انقسامات في أوكرانيا نفسها وانسحاب شبه جزيرة القِرم من تكوينها؟.
أن نظام الأمن الأوروبي تدهور الآن تمامًا بشكل خطير. كما تزايدت التوترات وأصبحت توجد هناك مخاطر حقيقية بأن يحدث سباق تسلح جديد. وقال، “إننا نفقد الفرص الهائلة التي يوفرها لنا التعاون، الذي يُمثل أهمية قصوى بالوقت الراهن، لأننا نواجه جميعًا تحديات مشتركة تتمثل في الوباء وعواقبه الاجتماعية والاقتصادية الوخيمة.
لماذا يحدث ذلك؟ والأهم من كل هذا، ما هي الاستنتاجات التي ينبغي علينا جميعًا استخلاصها سويًا؟ ما هي دروس التاريخ التي يجب أن نتذكرها؟ أعتقد أن التاريخ الكامل لأوروبا الكبرى بعد الحرب، يؤكد أولاً وقبل أي شيء، أن ازدهار قارتنا المشتركة وأمنها لا يمكن تحقيقهما إلا من خلال الجهود المشتركة لجميع البلدان بما في ذلك روسيا. وذلك لأن روسيا من أكبر الدول الأوروبية، كما أننا نشعر بأن ثقافتنا لا تنفصم ولدينا علاقات تاريخية مع أوروبا.
أن بلادي منفتحة على التفاعل الصادق والبناء. ودلل على ذلك بأن لفت الى مقترح روسيا بإنشاء مساحة مشتركة للتعاون والأمن من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ، والتي سوف تشمل صيغ تكامل مختلفة، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي.
أكُرر مرة أخرى، إن روسيا تؤيد استعادة الشراكة الشاملة مع أوروبا. ويوجد لدينا العديد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك؛ مثل الأمن، والاستقرار الاستراتيجي، والرعاية الصحية، والتعليم، والرقمنة، والطاقة، والثقافة، والعلوم، والتكنولوجية، وحل المشكلات المناخية والبيئية.
أن العالم يتطور بشكل ديناميكي ويواجه تحديات وتهديدات جديدة. وقال، “نحن ببساطة لا نستطيع تحمل عبئ الظلم وسوء الفهم وصراعات واخطاء الماضي، إن هذا العبء سيمنعنا من التركيز على حل المشكلات العاجلة. ونحن مقتنعون بأننا جميعًا بحاجة إلى الاعتراف بهذه الأخطاء وتصحيحها، لأن هدفنا المشترك الذي لا جدال فيه هو ضمان الأمن في قارة من دون خطوط فاصلة، وضمان وجود مساحة مشتركة للتعاون المتكافئ والتنمية الشاملة باسم ازدهار أوروبا والعالم بأسره.
هذه المقالة تعبر عن رأي صاحبها