aren

أسئلة حول التحديات الأمريكية \\ كتابة : د.خليل حسين
الإثنين - 11 - مايو - 2020

التداعيات الداخلية وحجمها، جعلت أسئلة أخرى تطرح حول قدرة الولايات المتحدة على الاستمرار في قيادة النظام العالمي

ثمة تحديات كثيرة واجهت الولايات المتحدة مؤخراً، تتعلق بمجمل النظام السياسي الداخلي، امتداداً إلى مستقبل القيادة الأمريكية للنظام العالمي القائم. وفي واقع الأمر، لم يكن متوقعاً حجم التداعيات التي تركها «كوفيد- 19»على مختلف الحياة السياسية والاقتصادية والصحية، وصولاً إلى طرح أسئلة تتعلق بإمكانية ذهاب الأمور إلى الأسوأ كانهيار المؤسسات وتفكك الدولة الفيدرالية.

لا شك أن حجم الأزمة الوبائية غير المسبوقة وما نتج عنها، كشف حجم أزمة النظام الرأسمالي في التعاطي مع القضايا الكبرى ذات الصلة بالتقديمات والرعايات الاجتماعية وبخاصة الصحية، والذي يعتبر بحد ذاته أزمة واجهها الرئيس دونالد ترامب في بدء ولايته، بحيث أتت الأزمة لتظهر عمق المشاكل التي تواجهها السياسات الصحية وكيفية التعامل معها، حتى أن العديد من الانتقادات التي أثيرت كانت حول أصل الأزمة وسبل التعاطي معها، حيث برزت النزعة الاستغلالية لدى شركات الأدوية الكبرى، وكيفية تحكمها بالتجارب للقاحات التي يعمل عليها. إضافة إلى ذلك الاتهامات الواضحة لإدارة الرئيس ترامب لجهة التعامل بخفة مع الوباء واعتباره فيروساً عادياً.

كما أن انهيار أسعار النفط الخام والخسائر الاقتصادية الناجمة عن الحجر الصحي وتوقف الحياة الاقتصادية الداخلية والخارجية، كل ذلك أدى إلى موجة إرباك إضافية في اتخاذ القرارات الفعالة لمواجهة الأزمة، في وقت بدأت حالات التفلت الاجتماعي في الظهور لجهة حالات النهب والسرقة والقتل والظهور المسلح، وكأن علامات تفكك بنى النظام قد أخذت طريقها وبدأت تفعل فعلها في النظام ككل.

الكثير من المفكرين والمتابعين ربطوا التحديات الأمريكية بما سبق ومرَّ به الاتحاد السوفييتي وصولاً إلى التفكك والانهيار، ثمة بعض الوقائع تنحو إلى ذلك السيناريو، لكن التدقيق أكثر يظهر أن النظام السياسي الأمريكي، وإن بدا هشاً في هذه الأزمة الوبائية، إلا أنه يملك من أدوات ووسائل الاستمرار والحماية الذاتية، ما يمكنه من إعادة التموضع في الأماكن المناسبة لإعادة الانطلاق، ولو بدا الأمر صعباً وتشوبه الكثير من عوامل الثقة. صحيح أن الأزمة الحالية مختلفة موضوعياً عن أزمة 2008، إلا أنها تتشارك وإياها في مستوى التداعيات المالية والاقتصادية إن لم تكن أكبر، علاوة على أن طبيعة الأزمة الحالية هي أزمة ممتدة ومن الصعب تصوّر حدود لها.

إن التداعيات الداخلية وحجمها، جعلت أسئلة أخرى تطرح حول قدرة الولايات المتحدة على الاستمرار في قيادة النظام العالمي، بخاصة أن السلوكيات الأمريكية في التعاطي مع الحلفاء وغيرهم، أثبتت البراغماتية المفرطة التي تتعامل واشنطن بها مع حلفائها القريبين والبعيدين. وهو مؤشر واضح على ضعف القيادة الأمريكية في اتخاذ القرارات الصائبة في الوقت المناسب، وقد بات هذا الأمر لافتاً في إدارة ترامب الحالية.

ورغم ذلك، لا يعني أن الولايات المتحدة ذاهبة بنفسها للتخلي عن القيادة الريادية للنظام العالمي، وإن بدا أن ثمة منافسين فعليين لها، وإن لم يخرجوا من عباءتها السياسية، رغم التوتر الظاهر في مواجهة ومعالجة بعض القضايا المشتركة، إلا أنه لا يمكن إنكار المنافسة الجادة والخطرة مع بعض اللاعبين الآخرين كالصين وروسيا كمثالين واقعيين حالياً.

كما أن الأمر لا يقتصر فقط على الجوانب المادية، بل يمتد أيضاً إلى شبكة الحماية الفكرية الأيديولوجية للنظام السياسي الأمريكي القائم على قاعدة الليبرالية الجديدة، وهو فكر طري العود جدد شبابه في العقد الأخير. وفي حقيقة الأمر، من الصعب تخيل نظام سياسي لا يستند إلى خلفية فكرية، وهو تحدٍ إضافي للنظام المؤسساتي الأمريكي عليه إثباته مع كل انعطافه يمر بها وبخاصة في الأزمة الحالية.

ربما لم تمر الولايات المتحدة بأزمة كبرى كالتي تمر بها اليوم، وهي تستدعي البحث عن أجوبة لتحديات كبرى داخلية وخارجية، لاسيما أن العالم يمر في ظروف غير مسبوقة، وهو على عتبة تشكيل الكثير من المظاهر الدولية والعالمية الجديدة.

“الخليج”الاماراتية