aren

أزمة ناجورنو كاراباخ \\كتابة : د.خليل حسين
الأحد - 4 - أكتوبر - 2020

على الرغم من أن الجانب القانوني للصراع الأرمني الأذربيجاني، حول إقليم ناجورنو كاراباخ المتنازع عليه واضح المعالم، فإن مصالح القوى الكبرى جعلت منه صراعاً ممتداً له أبعاد إقليمية ودولية في منطقة سيطر عليها روح العداء بين الأرمن والأذربيجانيين، ومرد ذلك العداء أسباب عرقية ودينية وتاريخية، بخاصة إبان سيطرة الإمبراطورية العثمانية على تلك المناطق قبل قرون عدة. إلا أن تفجر الصراع في إقليم ناجورنو كاراباخ تحديداً تعود إلى عشرينات القرن الماضي.

ويعود الصراع العسكري والقانوني إلى عام 1991، عندما أعلنت كل من أرمينيا وأذربيجان استقلالهما عن الاتحاد السوفييتي، وكان إقليم ناجورنو كاراباخ قد ضُم إدارياً إلى جمهورية أرمينيا في عام 1923 إبان حكم ستالين، على الرغم من وقوعه في قلب أذربيجان، وفي المقابل ضم ستالين إدارياً منطقة ناختشيفان الواقعة جغرافياً في قلب أرمينيا التي تقيم فيها أغلبية أذرية إلى أذربيجان.

وفي عام 1993 أعلن الأرمن من سكان ناجورنو كاراباخ استقلالهم عن دولة أذربيجان وتم الإعلان عن قيام دولة جديدة منفصلة بعد إجراء استفتاء تمت مقاطعته من قبل الأذربيجانيين القاطنين بالإقليم.

وقد أدلت الأغلبية الساحقة من الناخبين بأصواتهم لصالح قيام جمهورية مستقلة في ناجورنو كاراباخ، ما أدى إلى نشوب النزاع المسلح حول الإقليم، ما بين أرمينيا وأذربيجان؛ حيث قتل الآلاف وشرد مئات الآلاف بسبب النزاع، إلا أن الحرب توقفت عام 1994، وما جرى يعتبر انهياراً لاتفاقية الهدنة التي وقعت في بيشكيك عاصمة قرغيزستان في 5 مايو/أيار 1994.

ووفقاً للقانون الدولي يعتبر إقليم ناجورنو كاراباخ من الناحية القانونية جزءاً من أراضي أذربيجان. وطالما أن الأمم المتحدة لم تعترف بالإقليم كدولة مستقلة، فإن أي تدخل عسكري يشكل انتهاكاً للفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، التي تنص على أن «يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة».

إلا أن واقع الأمر يشير إلى أن منطقة أراد أغلبية سكانها الأرمن الانفصال عن أذربيجان، لكن المحاولة الانفصالية غير معترف بها دولياً حتى الآن، ومهما يكن من أمر، فإن هذه المنطقة الساخنة هي من مخلفات الحرب الباردة، وانعكاس لتضارب المصالح الجيوسياسية والعرقية بين روسيا وتركيا وأرمينيا وأذربيجان وإيران. ويمكن تصنيف هذا النزاع المسلح بحسب القانون الدولي الإنساني، على أنه نزاع مسلح دولي في شقه المتعلق بين أرمينيا وأذربيجان، ونزاع مسلح غير دولي في شقه المتعلق بين أذربيجان وبعض السكان الأرمن الذين يقطنون إقليم ناجورنو كاراباخ، الذي يعتبر أرضاً أذرية وفق القانون الدولي، كما أن السكان يعتبرون أذربيجانيي الجنسية على الرغم من انتمائهم لإثنية الأرمن.

إن صعوبات التوصل إلى حل سلمي تبدو كثيرة، في ظل ضعف الحوافز التي يمكن البناء عليها للوصول إلى حل يرضي رغبات شعب الدولتين، علاوة على معوقات أخرى كالتنافس التركي الروسي؛ حيث تدعم موسكو الموقف الأرمني، وفي نفس الوقت تستفيد من ثراء أذربيجان، فتكتفي ببيع السلاح لها.

إن قوس الأزمات الممتد في خواصر روسيا الغربية والجنوبية المتاخمة لتركيا، علاوة على التدخل الروسي في الأزمة السورية وسياقات حله المتعثرة، تبدو أن هذه الأزمة تحديداً، هي من قبيل إدارة الأزمة بالأزمة، لذا تبدو فرص استيعابها وإمكانية حلها دونها صعوبات في المدى المنظور، وهي مرشحة لعمليات شد وجذب بين أنقرة والعديد من الدول والمحاور بفعل النفحة التوسعية التي تقوم بها، علاوة على أطراف ومحاور تدعم وتتحالف مع كل منهما، وهنا تكمن بالذات تعقيدات وتشابك الأزمة الممتدة، التي ستتداخل فيها عوامل محفزة للانفجار.

“الخليج” الاماراتية