aren

أردوغان … “عالم أنساب” \\ افتتاحية (الخليج) الاماراتية
الأربعاء - 25 - ديسمبر - 2019

اردوغان

لم نكن نعلم أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو «عالِم أنساب» أيضاً، وأنه لا يزال يعيش ما بين القرن الرابع عشر وبدايات القرن العشرين، ويحلم باستعادة مجد ولّى وصار جزءاً من تاريخ أسود للدولة العثمانية التي تركت بصمات قهر، وعذاب، وجوع، وعنصرية، أينما حلت في بلاد العرب.

أردوغان يحاول الآن استرجاع هذا التاريخ ممتشقاً سيف أجداده بني عثمان، كي يبرر تدخلاته واعتداءاته في أكثر من بلد عربي، لعلّه يحظى ببعض الفُتات على مائدة المتصارعين على أرض العرب.

هو الآن تحول إلى «نسّابة»، (عالم بالأنساب)، يبحث في أصول الشعوب، والقبائل، والعشائر، ويكتشف أن «أكثر من مليون ليبي من أصول تركية»، وهو سيذهب «للدفاع عنهم بعد الاتفاقية التي وقعها مع فائز السراج».

وإذا كان علم الأنساب عند أردوغان قد انتهى إلى هذه النتيجة، لتبرير تدخله العسكري وغير العسكري في ليبيا، فهو أيضاً يسترجع التاريخ العثماني الذي أفل في سوريا والعراق، ليتحدث عن حق تركيا في أجزاء من البلدين، وعن حقها في تخريبهما، من خلال إرسال آلاف المرتزقة والإرهابيين إليهما باعتبار «حق الوصاية» عليهما، لأنه يشكل امتداداً للدولة العثمانية التي أفلت بعد الحرب العالمية الأولى.

هو الآن يعود نحو خمسمئة سنة إلى الوراء، أي إلى العام 1551، يوم غزت قوات الدولة العثمانية بقيادة سنان باشا مدينة طرابلس، واحتلت بعد ذلك ليبيا حتى العام 1911، ويسترجع تاريخاً مأساوياً للشعب الليبي، مدعياً أن نحو سدسه من الأتراك، وهو بذلك – إذا كان ادعاؤه صحيحاً – يسنّ قانوناً جديداً في العلاقات الدولية، في حق أي دولة أن تقوم بغزو أي دولة أخرى لها فيها أعراق تنتسب إليها. وهذا يسمح له مثلاً، بغزو ألمانيا، حيث ثلاثة ملايين ألماني من أصول تركية.

يحاول أردوغان البحث عن أي مبرر، أو اختراع أي فرية لتبرير تدخله في ليبيا، وإرسال قوات تركية إلى هناك «كي تقاتل كما قاتل كمال أتاتورك والجيش العثماني مع أجدادنا في ليبيا».

ليس صحيحاً أن هناك مليون ليبي من أصول تركية، وليس صحيحاً أن العثمانيين قاتلوا القوات الإيطالية التي غزت ليبيا العام 1911، بل قاموا بتسليمها إلى إيطاليا بموجب معاهدة لوزان العام 1912، والذي قاتل قوات الغزو الإيطالي هو الشعب الليبي بقيادة عمر المختار. إذاً، على أردوغان أن يخيط بمسلّة أخرى، ويبحث عن مبرر آخر يمكن تصديقه.

كل ما في الأمر أن أردوغان يحمل مشروعاً إخوانياً، يحاول جاهداً تعميمه، بعدما فشل فشلاً ذريعاً في مصر وسوريا والعراق والسودان، ويحاول إلباسه لباساً عثمانياً لعله بذلك يقنع الآخرين باستعادة خلافة انتهت، واندثرت، كما ولّت «خلافة» أبوبكر البغدادي.

يريد أردوغان أن يجعل من ليبيا منصة لتخريب شمال إفريقيا، استكمالاً لمخطط تخريب سوريا والعراق.