aren

“أردوغان” المقامر … ومآلات «أمننة» السياسة الخارجية التركية
السبت - 17 - أكتوبر - 2020

(خاص)

التجدد الاخباري – مكتب اسطنبول

قبل نحو سنوات لم يكن لدى “انقرة”، حضوراً عسكرياً ، خارج حدودها  باستثناء (قبرص)، بيد أن “تركيا أردوغان” ، تبنت في الآونة الأخيرة، سياسية تقوم على بسط النفوذ والتمدد في العديد من مناطق الصراع والأزمات

وعند محاولة ، فك طلاسم السياسات المربكة لأردوغان ، سنجد أن الرئيس التركي ، عمل على التمدد ، وإعادة نفوذ بلاده في مناطق وأقاليم النفوذ العثماني السابق في (البلقان والشرق الأوسط وشمال إفريقيا والقوقاز وآسيا الوسطى) ، لكن التخبطات السياسية والانخراط العسكري، فضلاً عن دعم المليشيات المسلحة ، ارتدت عكسياُ على وضع تركيا الدبلوماسي في العالم ، وعلى علاقات أنقرة مع دول الجوار وحلفائها ، والتي باتت تتسم يالتوترات والقلق ، مقارنة بوضعها قبل أربعة ، أو خمسة أعوام .

سلطان عسكري بالمشرق

إذ أن نهج عسكرة السياسية الخارجية التركية مع تبني أردوغان للقوة الصلبة ، وسط مزيج من خطابات الإسلاموية السياسية ، والقومية المتطرفة، حول نظامه إلى مكافىء لنظام طهران من وجهة نظر الدول المجاورة وحلفاء تركيا في أوروبا ، وجيرانها في البحر المتوسط، وحلفائها المقربين روسيا وإيران،وكذلك الدول المهمة في الشرق الأوسط.  حيث يعد النموذج ، الذي يسير عليه أردوغان من أكثر النماذج خطورة على الأمن الإقليمي، وثمنه السياسي والاقتصادي ، والذي أخذ في التجلّي بشكل واضح وكبير.

فبالإمكان اليوم ، الحديث عن عملية «أمننة»* السياسة الخارجية التركية تحت أردوغان، وهو المفهوم الذي طورته مدرسة (كوبنهاجن) للدراسات الأمنية.

حيث أدى التوغل العسكري في سوريا، بالإضافة لصفقة الصواريخ الروسية، إلى تدهور علاقات تركيا مع الولايات المتحدة الأميركية. وأسفر تدخلها العسكري في ليبيا ، ونزاعات التنقيب عن الغاز ، والحدود البحرية في شرق المتوسط مع قبرص واليونان عن تدهور علاقاتها مع الاتحاد الأوربي.

وينذر تدخل أردوغان العسكري ، وتأجيجه للنزاع الحالي بين أذربيجان وأرمينيا بتدهورعلاقاته بشكل أكبر مع روسيا ، التي تناصر الأطراف المناهضة لتلك ، التي تدعمها تركيا في كل من سوريا وليبيا، بالإضافة للنزاع الأذربيجاني-الأرميني الحالي.

أدّى كل ذلك ، وغيره من المواقف ، والرهانات الجيوستراتيجية الخاسرة خلال العقد الأخير ، لتدهور علاقاته مع معظم الدول العربية، وبالأخص المحوريّة منها كـ”السعودية ومصر والإمارات”؛ حتى أصبحت في أسوأ حالاتها منذ استلامه للسلطة. ومن خلاله ، تُحوّل القضايا والمواضيع من سياسية ، أوغير ذلك إلى قضايا تهدد الأمن الوطني، وتؤدي إلى شرعنة استخدام تدابير استثنائية لحلها.

نجد ذلك جليًا في تعامل أردوغان مع المسألة الكردية (مثلًا)، أوغيرها من المسائل كـ”الحرب الأهلية السورية وجماعة غولن والقضية الليبية والنزاع الأذربيجاني-الأرميني”.

تحولات السياسة الخارجية التركية، جاءت نتيجة مجموعة من المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، التي ساهمت في تشكيل رؤية النخب السياسية التركية لملامح التحرك الخارجي، تجاه المنطقة ، إلى عقيدة السياسة الخارجية التركية تجاه منطقة الشرق الأوسط، في سياق جغرافي استراتيجي ومحلي متطور، مع توضيح آليات التحرك، وأهدافها، وتداعياتها على المنطقة.

وهو ماتطرق إليه ، تقرير بعنوان :”المنعطف الجديد في السياسة الخارجية التركية في الشرق الأوسط : انعدام الأمن الإقليمي والمحلي“، لـ “مليحة بنلي ألتونيسك” أستاذة العلاقات الدولية بجامعة الشرق الأوسط التقنية في أنقرة، والباحثة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط في واشنطن. والصادر خلال شهر حزيران- يوليو 2020 في إطار مشروع “تعزيز بنية أمنية جديدة في الشرق الأوسط” بين معهد الشؤون الدولية، ومؤسسة الدراسات الأوروبية التقدمية.

إذ ، يبدو أن النخبة السياسة التركية في حزب “العدالة والتنمية”، ترى أن التحولات في هيكل النظام العالمي والإقليمي ، مكّنت تركيا من الحصول على بعض الفرص، إلا إنها فرضت عليها بعض القيود، وذلك في سياق اختفاء النظام العالمي القديم ، وتشكيل نظام جديد، إذ لا يمكن لتركيا الاعتماد فقط على تحالفاتها التقليدية لتحقيق مصلحتها الوطنية، ويجب عليها تبني نهج جديد في توجهاتها الخارجية ، حفاظًا على مصالحها الوطنية.

إبراهيم كالين

وهو ما برهن عليه “إبراهيم كالين” ، أحد كبار مستشاري “أردوغان” ، والمتحدث الرسمي باسم الرئاسة التركية، قائلًا: “إن العالم أكبر من الولايات المتحدة وأوروبا. وبالتالي، محاولة البقاء فقط في وسط أوروبا هو مفهوم يجب أن نتجنبه”. فيما جادل “برهان الدين دوران” ، وهو أكاديمي ، يرأس مركز الأبحاث الموالي للحكومة “سيتا” ، وعضو في مجلس الأمن والسياسة الخارجية للرئاسة، “بأنه على الرغم من أن تركيا أيدت مؤخرًا روسيا في العديد من القضايا، إلا أن هذا لا يمنع تركيا من انتقاد روسيا بشأن سوريا، أو إدلب على وجه التحديد.

وتجلى في انتقاد السياسة الروسية في سوريا بصفة عامة و(إدلب) بشكل خاص من قبل بعض المُقربين من الحكومة التركية؛ حيث لا يزال انعدام الثقة المتبادل. وهو نفس النهج المتكرر في التعاطي مع الولايات المتحدة بشأن أزمات المنطقة. وعليه أصبح التوازن بين الولايات المتحدة وروسيا، وتجزئة الأزمات لتحقيق أكبر قدرة من الاستفادة ، أحد أهم جوانب السياسة الخارجية التركية تجاه الشرق الأوسط وشرق المتوسط.

ووفقًا لهذا الرأي، لا يمكن لتركيا الاعتماد على المؤسسات الدولية ، أو كتلة واحدة من الدول، أو حتى حلفائها التقليديين. بالإضافة إلى ذلك توضح النخب السياسة في الحزب، أن تركيا أصبحت الآن أكثر استقلالية مع تطبيق عقيدة جديدة للسياسة الخارجية القائمة على التحالفات المُتغيرة.

وفيما يتعلق بتوجهها نحو الشرق الأوسط، اختتم التقرير بالتأكيد ، أن سياسة تركيا الجديدة تعكس درجة من الاستمرارية من حيث النظرة العالمية لحكومة حزب “العدالة والتنمية”، ولكنها تتضمن تغييرات في كيفية تنفيذ ذلك في سياق جيوسياسي متغير في الجوار التركي. كما أنها تتبنى خطابًا سياسيًا يُدعّم رؤيتها بإنها محاطة بأعداء وحلفاء تقليديين غير موثوقين، وممزوجًا بالادعاء بأن هناك حملة دولية تستهدف “أردوغان”. لذا يتعين على تركيا تبني استراتيجيات قوية للتعامل مع التهدديدات المُتنامية

وستستمر سياسات التدخّل العسكري والتوسّع الأردوغانية في مراكمة التوترات بسياسات تركيا الخارجية، دون إظهار أي رغبة أو قدرة في حلها؛ مما سيؤثر بدوره على استقرار المنطقة ككل، وأمن تركيا الاقتصادي بالتحديد.

وفقاً لـ”تقارير غربية”، هناك ثلاث روايات ، مترابطة ، تجعل القادة الأتراك ، واثقين من امتلاكهم القدرة على التصعيد، وبالتالي أخذ خطوات تصعيدية عالية المخاطر.

وهو ما ذهبت إليه ، مؤسسة “صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة”، فى مقال لها ، نشر فى آب- أغسطس الماضي، تناولت فيه ما تتبناه تركيا من دبلوماسية عدائية فى سياساتها الخارجية ، والذى سمح لها بتحقيق بعض المنافع إلا أنه فى نفس الوقت يفرض عليها أخطارا.

نعرض منه مايلي:

الرواية الأولى :

تعتمد على قراءة تركيا للبيئة الاستراتيجية فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فهى ترى أن تعميق عدم الاستقرار وفراغ السلطة ، (هما) القوتان السائدتان ، اللتان تخلقان تحديات هيكلية . فى هذا الوضع الغامض، يتم التعامل مع القوة العسكرية ، كمكون أساسي في سياسة تركيا ، والتي تسعى من خلاله الـتأكيد على قوتها وقدرتها على القيادة الإقليمية. وإقامة صلة مباشرة بين القوة العسكرية ، والنفوذ الدبلوماسى ، أصبح سمة مميزة للسياسة الخارجية الأخيرة ، تغذيها تجربة تركيا في سوريا.

الرواية الثانية :

تعتمد على أن تركيا ، انخرطت بالفعل في العمل العسكري ، منذ أن شنت حملتها العسكرية الأولى في سوريا ، سنة 2016. فبعد أن تجاوزت قلق اللجوء إلى العمل العسكري ، والذي حقق مكاسب سياسية، سهل ذلك من القيام بعمليات لاحقة ، والحصول على الدعم الشعبي. تعتبر هذه العمليات – الأولى من نوعها- وبالتالي تعطي إشارات واضحة ، أن تركيا لا تزال مصممة على مساندة تهديداتها بالقوة ، إذا فشل خصومها في الاستجابة لمطالبها.

الرواية الثالثة :

ترى أن سلوك تركيا الأخير، يستند إلى افتراض أن الدول الأخرى ، ستجد صعوبة في التصعيد ضدها، إما بسبب عدم رغبتهم في الدخول لما يرونه مصدرا للإزعاج ، أو عدم قدرتهم على مواجهة التحدي التركي.

خلاصة :

ربما يخوض أردوغان “رهانات”، حققت بعض المكاسب على المدى القصير ، ولكن حقيقة الأمر ، هي أن عسكرة السياسة الخارجية ، التي ساعد على تشكيلها ، ستخلق مشاكل أكبر لبلاده. يظل خياراً محفوفاً بالمخاطر، وقد يدفعها نحو الدخول في دوامة تصعيد لامنتهية.

………………………………………………………………………………………………………………………………

المحرر\\

تعريف الأمننة* – Securitization:

الأمننة، كـ”مصطلح” متداول في العلاقات الدولية، يعني قيام الفاعلين في الدولة بعملية تحويل المواضيع إلى مسائل  أمنية. بمعنى آخر، هي نسخة معقدة من التسييس ، تسمح بإستخدام معاني إستثنائية بإسم الأمن. والقضايا التي (تؤمنن) ، لا تمثل بالضرورة، قضايا أساسية لبقاء الدولة، بل (ربما) ، تمثل قضايا متعلقة بمشكلة وجودية، تمس الأفراد. والأمننة هي عملية موجهة  لمفهوم الأمن، التي تقف على النقيض من المقاربات المادية للدراسات الأمنية.

ينما تدرس “الأمننة، كيفية تحول بعض القضايا من (فاعل) إلى مشكلة أمنية، ثم إتخاذ هذا كـ”ذريعة” لإستخدام  التدابير الإستثنائية لحلها. ولكي يكون فعل الأمننة، أكثر نجاحاً، يجب أن يكون، أكثر قبولا بين الجماهير، بغض النظر إذا كان موضوع المشكلة، تهديداً حقيقياً، أم لا.