التجدد – \ قسم الترجمة الخاصة \
تعمل إيران وتركيا وروسيا على تعميق آثارها في الشرق الأوسط ، في حين أن دور الولايات المتحدة أصبح أكثر غموضاً. يجب على الاتحاد الأوروبي الآن ، مواجهة هذا المشهد الجيوسياسي الجديد. أن دول الاتحاد الأوروبي ، واجهت العديد من التحديات عند تعاملها مع منطقة البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط، فمنها على سبيل المثال: الاستبداد، والإرهاب، والثورات، والحروب الأهلية، والاتجار بالبشر.
ومن الجدير بالذكر أن كلا من روسيا وإيران وتركيا ، تلعب دورا قويا فى المنطقة، فضلا عن أن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت حليفا غير متوقع سلوكه. والسؤال : هل سيستطيع قادة دول الاتحاد الأوروبي مواجهة هذا المشهد الجيوسياسي الجديد أم لا؟ ولكن في كلتا الحالتين، العواقب ستكون وخيمة.
منذ ايلول \ سبتمبر 2015، عززت روسيا بشكل واضح مشاركتها في المجال العسكري والسياسي والطاقة في الشرق الأوسط، بشكل عام في اتجاه معادٍ للغرب ، فلقد أنشأت روسيا أول قاعدة جوية لها في الشرق الأوسط بمدينة اللاذقية، وهي محمية بنظم الصواريخ Sــ300و Sــ400، كما أنها قادرة على دعم “نظام الأسد” ، ومن المرجح أن تظل هذه المنشأة ، جاهزة للعمل لسنوات قادمة مع وجود طموحات تتعدى الحدود السورية.
وبالمثل، تم تعزيز قاعدة طرطوس البحرية الروسية في شمال سوريا، مما سمح بوجود «جسر بحري» منتظم بقاعدته البحرية في (سيفاستوبول) و (نوفوروسيسك) على البحر الأسود ، كما تم توسيع المبيعات العسكرية الروسية مع تركيا ومصر والمملكة العربية السعودية ، الدول التي سبق لها أن أعطت الأولوية للمشتريات من الدول الغربية. وفي هذا السياق، ذكر مركز «Belfer» أن روسيا تسيطر على منطقة الشرق الأوسط، ففي كل مرة تسيطر على دولة».
أما بالنسبة إلى استراتيجية الطاقة الروسية في الشرق الأوسط، فلقد شهد هذا القطاع تقدما سريعا في العديد من الدول، فضلا عن وجود استثمارات روسية في مجال الاستكشاف والإنتاج والنقل في مصر ولبنان وليبيا والعراق وسوريا وتركيا.
مثل: خط أنابيب ترك ستريم، الذي من المتوقع أن يمد الغاز الروسي إلى كل من تركيا وجنوب شرق أوروبا عبر البحر الأسود، ما يجعل محاولات تنويع خطوط إمدادات الغاز في الاتحاد الأوروبي من بحر قزوين أو آسيا الوسطى أقل جاذبية بكثير ، وبالتالي سيؤثر ذلك على استراتيجية أمن الطاقة الأوروبية بشكل مباشر. ومن الجدير بالذكر أن موسكو تتقارب مع عدد من دول البحر المتوسط والشرق الأوسط في المجال العسكرى ومجال الطاقة، إلى جانب بذل جهود متضافرة لإقامة علاقات أوثق مع جميع دول المنطقة.
لقد جعلت هذه الجهود ، المنهجية الروسية ، فاعلا أكثر قوة في الشرق الأوسط، وأحيانا قريبة من المواجهة مع القوى الغربية، والدليل على ذلك الدور الروسي في سوريا، كما أنها تواجه بشكل مباشر الدول الأوروبية خاصة بعد استكشاف الغاز في مصر ولبنان، أو مواجهة الهيمنة الأمريكية في المبيعات العسكرية ،كما هو الحال في مصر والمملكة العربية السعودية.
باختصار، إن الأمر يتعلق بتغيير قواعد اللعبة: من خلال توسيع نطاق تواصلها الدبلوماسي بشكل كبير وإنشاء قواعد عسكرية دائمة في المنطقة (مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا)، كما غيرت روسيا عدة معايير استراتيجية في منطقة الشرق الأوسط ، لصالحها.
وبالمثل، فإن إيران ، من خلال سياسة يطلق عليها أحيانا «محور المقاومة» ، طورت طموحاتها في البحر الأبيض المتوسط ، وعززت تدخلها العسكري في لبنان وسوريا بشكل واضح ، معاد للغرب ولإسرائيل ، لطالما زودت طهران حزب الله (اللبناني) بصواريخ من مختلف الأنواع، وفي الآونة الأخيرة، بطائرات بدون طيار. تقليديا، تم تسليمها عن طريق الجو أو البحر عن طريق سوريا، ما دفع الجيش الإسرائيلي بشن غارات. والآن، أقامت إيران منشآت تصنيع صغيرة في سوريا، ما اضطر إسرائيل لتغيير نمط رد فعلها.
على الرغم من صغر حجمها، فإن هذه المرافق مع وجود دائم في سوريا لقوات برية إيرانية مزودة بصواريخ متوسطة المدى ، تغطي كامل الأراضي الإسرائيلية ، تمثل تغييرا جوهريا في البنية الأمنية العسكرية في الشرق الأوسط.
فهم يخلقون ظروف تهديد أكبر لإسرائيل، فضلا عن خلق ممر بري دائم من إيران إلى جنوب لبنان عبر العراق وسوريا، خاصة عندما تخلى القوات الغربية بلاد الشام. وبالتالي فإن تمكين الشيعة ، هو مبدأ إرشادي، ويخدم هدف الوصول إلى شواطئ البحر المتوسط.
من جانبها، بدأت تركيا ، العضو في حلف الناتو منذ عام 1952 ، وأحد أكبر ثلاث قوى تقليدية ، تقاربا عسكريا وسياسيا واسع النطاق مع روسيا. بالتركيز على الداخل التركي، نجد أن تركيا تتجه نحو الاستبداد ، نتيجة للسياسة الداخلية المتغيرة ، والخوف من فقدان حزب العدالة والتنمية للهيمنة الانتخابية المستمرة بلا انقطاع طوال ستة عشر عاما، فلقد ابتعدت قيادة حزب العدالة والتنمية عن المبادئ الديمقراطية اللازمة لعضوية الدول في حلف الناتو والاتحاد الأوروبى.
إن التحالف مع حزب الحركة القومية ، دفع قادة حزب العدالة والتنمية إلى إلغاء جهود السلام مع حزب العمال الكردستاني وتجدد التوترات مع جمهورية قبرص. ومن وجهة نظر غربية، لعبت تركيا دورا كبيرا في منطقة الشرق الأوسط وخاصة تحالفها مع اللاعبين الأساسيين بالمنطقة.
أولا: قدمت خطة مالية ضخمة لمساعدة إيران على تجاوز العقوبات الأمريكية. ثانيا: تدخلت عسكريا ثلاث مرات في سوريا، وذلك بالتنسيق الوثيق مع روسيا، بالإضافة إلى خلافها مع السياسة الأمريكية والأوروبية حول هزيمة «داعش». ثالثا: مشاركة أنقرة في عملية السلام في أستانا، وهو تحالف من أجندات متباينة مع موسكو وطهران لمحاولة «حل» الأزمة السورية.
وأخيرا: شراء تركيا لأنظمة الصواريخ الروسية Sــ400. وحتى الآن، فإن عملية الشراء التركي ، والانتشار المحتمل بحلول نهاية عام 2019 ، لنظم الصواريخ الروسية Sــ400، ستكون في تناقض تام مع التزامات تركيا داخل حلف الناتو.
في الوقت الذي صورت فيه أنقرة قرارها ، بأنه غير مؤذٍ بالنسبة لحلف الناتو، فإن نشر صواريخ Sــ400 ، سيؤدي إلى تحطيم كبير لمشاركة تركيا في تحالف شمال الأطلنطى لمدة 67 عاما ، كما أنه سيضع حتما شكوكا حول استخدام القاعدة الجوية في (إنجرليك) من قبل الولايات المتحدة، (بما فى ذلك العشرات من الرؤوس النووية في الولايات المتحدة). وسيكون لهذا أيضا عواقب وخيمة على الطريقة التي تتعامل بها حكومات الاتحاد الأوروبي مع تركيا كفاعل في منطقة الشرق الأوسط.
أخيرا، أصبحت الولايات المتحدة لاعبا لا يمكن التنبؤ بسلوكه في منطقة الشرق الأوسط ، خاصة في عهد الرئيس «دونالد ترامب» ، فمن الجدير بالذكر أن التناقضات بين الرئيس الأمريكي وفريق عمله بالبيت الأبيض، ستكون سمة دائمة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، وترجمت إلى عدم وجود تشاورات مع الحلفاء ، بما في ذلك عندما تشارك القوات في عمليات مشتركة، كما هو الحال في سوريا.
إن مسائل الثقة والقدرة على التنبؤ من قبل واشنطن تطرح ــ الآن ــ بشكل روتيني داخل وزارات الخارجية الأوروبية، خاصة بالنظر إلى الآثار العسكرية المتوقعة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط ، وهذا بدوره يثير تساؤل حول سياسة دول الجوار الجنوبي للاتحاد الأوروبي. هل ستكون هناك سياسة كهذه؟ هل سيتوقف الاتحاد الأوروبي عن كونه مراقبا بائسا؟ هل ستترك أوروبا إسرائيل لتحديد شروط توازن عسكري جديد في بلاد الشام؟
أن هذه التغييرات في مواقف وسياسات كلا من موسكو وطهران وأنقرة وواشنطن ، ستشكل تغيرا رئيسا للعبة في الشرق الأوسط ، وبالتالي لابد أن يدق ناقوس الخطر في عواصم دول الاتحاد الأوروبي، لأن ذلك سيؤثر بشكل مباشر على سياسات الاتحاد الأوروبي في مجالي الأمن والطاقة، وعلاقات الدول الأوروبية مع منطقة الشرق الأوسط.
المصدر: https://carnegieeurope.eu/strategiceurope/78447?lang=en